IMLebanon

إنتفاضة تشرين تؤسِّس لألفية جديدة في لبنان!

في الأسبوع السادس «لانتفاضة الشعب اللبناني» العظيمة، أسبوع البحث الانتظاري لموظفي القطاع العام، من مدنيين وعسكريين، والذين تتآكل رواتبهم تحت وطأة الانفلات الخطير، في سعر صرف العملة الوطنية (2000 ليرة لبنانية لكل دولار) بدل 1500 وبعض السنتات قبل انفجار احداث 15 اكتوبر (ت1) في لبنان، على خلفية سنتات محمّد شقير (الذي كان وزيراً أصيلاً للاتصالات) في حكومة العهد الأولى، أو الثانية (لا أحد يدري شيئاً بعد، لا عن العهد، ولا عن الوعد)، والذي شاء بقرار من مجلس الوزراء، ان يرفع مساهمة الوزارة في مالية الدولة، بفرضها على خدمة «الواتسآب» (WhatsApp)، فإذا «بالانفجار الكبير» الذي وفَّر للطبقة السياسية فرصة البحث عن خيارات للتعمية على ازماتها، فإذا بلعبة الدولار تجري بمرارة، بمرأى من مسامعها ومرآها، وهي تتخبط في عجزها، وتمضي في غيّها، مقدمة نفسها على انها خشبة الخلاص من الفوضى والرصاص.

في 29ت1، أي بعد أقل من أسبوعين على حركة الشارع، قدّم الرئيس سعد الحريري، استقالة حكومة «إلى العمل»، وتبنى شعارات الانتفاضة، بحكومة غير سياسية على قاعدة «كلن يعني كلن» (والكل فاسد)، تتألف من رجال اختصاص (يسمون تكنوقراط)، ولم يتمكن «العهد القوي» من اجتراح معجزة إقناع شريك «التسوية الرئاسية» من القبول بتكليف حكومة تكنو-سياسية، إيذاناً بسقوط التسوية، التي أبرمت قبل ثلاث سنوات ونيّف، وجاءت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية..

عزا «الرئيس الهرم» سبب تأخير الإستشارات إلى «التناقضات التي تتحكم بالسياسة اللبنانية»، وهو وصف التأخير «بالتأني»، من أجل ابعاد الأخطر، ومن «اجل التوصّل إلى حكومة تُلبّي ما أمكن من طموحاتكم (الكلام للمتظاهرين) وتطلعاتكم».

ضمن سيرورة، من هذا النوع، تقفز الأسئلة دفعة واحدة إلى المسرح، الذي أصبح أشبه «بمسرح العرائس»، لكثرة ما فيه من زخارف، ومخاوف، وخراشف، وسفاسف، ومقارف، ومناشف، وشراشف»!؟

1 – كيف يُمكن معالجة هذه التناقضات، قبل السؤال عن طبيعتها؟ هل ذات طبيعة محلية، طائفية، اجتماعية، طبقية؟

الدلائل تُشير الى تضخم التناقضات، وانكشافها، واعتبار التدخل الأميركي، والتدخل الفرنسي، والتدخل الروسي، مروراً بالتدخل الإيراني، وسوى ذلك من تدخلات مكشوفة أو مستترة، وهذا يعني انه مع انعقاد مجلس الأمن الدولي مُـدة الليلة الماضية، ان شعارات «الحراك المدني» أو الاجتماعي، ذهبت إلى مكان آخر، يتعلق بالقرار 1701، وربما بسلاح حزب الله؟!

2 – ما هو المدى الذي يذهب إليه «التأني»؟ ثمة من يسرع إلى الإجابة ان الدستور لا يلزم الرئيس بمهلة لبدء الاستشارات النيابية الملزمة؟ والجواب، بصرف النظر عن النصّ، ليطرح السؤال بالعكس، هل الدستور يلزمه بإطالة فترة بدء الاستشارات الملزمة؟ فضلاً عن ان العرف أو السوابق؟ ماذا تقضي؟ تستقيل الحكومة، تقبل الاستقالة، تحدد مواعيد الاستشارات، ربما كل ذلك خلال 24 ساعة أو  في مراسيم متتالية 5-7 دقائق) فقط..

3 – هل من الحكمة العودة دائماً إلى «نظرية التوافق»؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لا يعلّق العمل بالدستور؟ وماذا يبقى مع نظام فاسد، وانتفاضة تخطت المحتمل في نظام كالنظام اللبناني، تعليق المهل، على الدستور، والاحتماء به عند الضرورة، وكأنه ليس قانون انتظام الحياة السياسية وحياة الحكم، وعمل المؤسسات؟

4 – تحدث الرئيس عن «حكومة جديدة».. تعقد عليها الآمال.. كان من المفترض ان تكون قد ولدت وباشرت عملها…». والسؤال: هل تحكم البلاد، أو تدار بفرضية، «كان من المفترض»؟

5 – أخطر ما في سوء المعالجة: ما قيل في رسالة الاستقلال 76: «اكرر هنا ندائي إلى المتظاهرين للإطلاع عن كثب على المطالب الفعلية لهم وسبل تنفيذها، لأن الحوار وحده هو الطريق الصحيح لحل الازمات».

هل هي مجهولة مطالب «الانتفاضة»: هي في قمّة الوضوح والصراحة: رحيل الطبقة السياسية، التي يتهمها الحراك بالفساد.. وبالطبع، من هذه الطبقة فريق الرئيس.

5 – أما الكلام عن «سبل التنفيذ» فالمسألة مدعاة للدهشة، والاستغراب انطلاقاً من الوقائع:

– عقدت سلسلة اجتماعات لمعالجة اختفاء الدولار من الأسواق، والتسعير الاستنسابي، الآخذ في الإرتفاع؟ فهل توقف بعد هذه الاجتماعات التي عقدت مع حاكم مصرف لبنان، وجمعية المصارف، وحتى نقابة الصرافين، فماذا كانت النتيجة؟

لا حاجة لاستطرادات محزنة، أو مؤذية، فسائر المتابعين، والمواطنين يُدركون ان العجز هو سيّد الاحكام في بلد، يحدث فيه انفصام رهيب، بين الأمنيات والرغبات والوقائع..

6 – والأغرب ان الرئيس في رسالة الاستقلال يتحدث عن انه «منذ العام 2017، احلت تباعاً  على القضاء ما لا يزيد عن 18 ملفاً تتعلق بقضايا فساد ورشاوى في إدارات الدولة، وإلى اليوم لم يصدر ايّ حكم، بأي منها»؟!

… وبعد؛

وبصرف النظر عن النيات، والقناعات، والالتزامات المعنوية أو الكلامية متى يُمكن ان تصدر أحكام القضاء، في ملفات يحيلها إليه قاضٍ.. أو مواطن، أو وزير، ما دامت الملفات المحالة من «الرئيس القوي» أو «العهد القوي» لم تصل إلى أية نتيجة؟!

أصاب الرئيس، عندما تحدث انه على أبواب المئوية الثانية «للبنان الكبير»، «وجدنا أنفسنا أمام أزمة اقتصادية حادة».. عزا أسبابها إلى «سياسات اقتصادية خاطئة، وفساد وهدر في الإدارة على مدى عقود من الزمن».

بصرف النظر عن صحة التشخيص وأسبابه، وحصرها بنقطتين، لا صلة لهما كفاية بالأزمة العاصفة التي تضرب لبنان، وتفتح استقلاله، ووحدة أراضيه، ووحدة البنية المجتمعية لشعبه على مخاطر حقيقية، فإن الأنكى، ما يتعلق بالمعالجة ومسارها.. والعودة إلى الابتسار في الحلول، والعزف على أحلام وردية، لم تثبت الأحداث سوى عكسها، منذ سنين وعقود، إذا صحَّ القول..

مَنْ يجرؤ على الاعتراف ان مائة سنة من عمر هذا البلد الجميل، الذي جمع «مواطنيه مع مغتربيه» تحت شعارات إعادة البناء، وفقاً لأسس جديدة، أبرزها التحرر من سلطة الانتماء الطائفي، وحتى الانتماء الحزبي، الذي حولته الطوائف، إلى «قيود واغلال» لتتمكن من بناء «امبراطوريات المال والجاه» على طريقة قبضايات العصابات، وزعماء المافيات المالية والدموية المعروفة في العالم.. انتهت مع طبقة سياسية موبوءة كشفتها السمسرات والسرقات، والتعديات، وتسخير كل ما في هذا البلد من خيرات وأموال ومنافع، الصالح «حفنة نتنة من البشر» تمكنت في «الظلمة الدامسة» من السطو، بجلباب الطائفة، والمذهب، والحقوق، منذ اطاحت بالاستقرار والازدهار، وجعلت الساحات، منازل ومقاهٍ لمئات الألوف من النّاس.

في خضم الحدث الكبير:  انتفاضة الشعب اللبناني، ثمة مرحلة انتهت، وان الجيل الذي خرج الى النّاس شاهراً سيفه، احتجاجاً على «جوعه» ومصيره البائس، هو مَنْ سيتولى كتابة تاريخ جديد لهذا البلد، بدءاً من عروض الاستقلال المدنية في ساحات بيروت المدينة العظيمة، إلى التحرر من كتب التاريخ والجغرافيا والتربية، المكتوبة على طريقة تأييد سيطرة «أمراء الطوائف» وحماة «الفساد والفاسدين»، الذين دمروا الدستور، وأماتوا القوانين، وهم يقدمون أنفسهم مرّة أخرى، خشبة الخلاص..

ما حدث منذ 17 أكتوبر، انتفاضة وطنية شعبية، تحمل أبعاداً ثورية، ولكنها يُمكن ان تتحوّل إلى ثورة تعيد بناء الدولة، ولكن بعد انضمام سائر الشرائح الاجتماعية والقوات المسلحة إليها؟!