IMLebanon

قرار استيراد البنزين: ما علاقة الشركة الروسية؟

كتب خضر حسان في “المدن”:

 

لم يعد مشهد طوابير السيارات أمام محطات الوقود أمراً مسلياً، ولا هو حدثٌ طارىءٌ، إنما أصبح ظاهرةً متكررة، بفعل أسلوب الدولة الهزلي في معالجة أزمة عدم توفر الدولار في السوق، والتي تؤدي بشقّها “الوقودي” إلى عرقلة عملية استيراد الوقود وتوافره في المحطات.

طريقة المعالجة الرسمية تبيّن حجم الاستخفاف بعقول المواطنين. وبلا شك، هي طريقة لا تراعي القوانين والأصول. وأبعد من ذلك، تسعى وزارة الطاقة عبر دخولها على خط الحل، إلى تسهيل ترتيب صفقة، تؤمّن لجهة ما ربحاً وفيراً، فيما الدولة يقتصر دورها على حصان طروادة الذي يُخبىء داخله تفاصيل مجهولة.

امتدّت خطة الانقاذ العونية من قطاع الكهرباء إلى المحروقات. فبفعل أزمة البنزين التي تسبب بها شح الدولار، وعدم قدرة المستوردين وأصحاب المحطات على تأمين الدولار لشراء المحروقات، وبلوغ الأزمة حد تكرار إقفال المحطات والتهديد بانقطاع البنزين، انبَرَت وزيرة الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ندى بستاني لتخفف من الأزمة، عبر استيراد الوزارة -أي الدولة- نسبة 10 بالمئة من حاجة السوق للمحروقات، على أن تُباع هذه الكميات بالليرة اللبنانية، وفق ما أكدته بستاني، التي أشارت إلى أن هذا القرار يقوم على “تقاسم أعباء سعر صرف الدولار، وبذلك نكون قد تخطينا الأزمة”. والأزمة حسب بستاني حصلت “بسبب آلية وضعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من دون التواصل مع وزارة الطاقة والمياه”.

ولاحقاً تعامل المصرف مع الوزارة “إسوة بالشركات الخاصة المستوردة للنفط، لناحية فتح الاعتمادات”، على أن هذه العملية ستتم بعد مناقصة ستُفتَح عروضها يوم الاثنين 2 كانون الأول، وسيُعرف بذلك هوية الشركة التي ستستورد النفط للدولة.

توسيع دور روزسنفت؟
فكرة استيراد الدولة للبنزين، خطوة مهمة وضرورية، والناس تطالب بها منذ عقود، لتحتمي من بورصة الأسعار الخاضعة لمزاج المستوردين والموزعين، ولتحاصص القوى السياسية المشاركة في الاستيراد، عبر المساهمة في الشركات المستوردة، إما بالأسهم وإما بالسطوة السياسية.

أهمية الخطوة تبدأ بالتخلخل عند ربط عدة تساؤلات ببعضها البعض، أهمها سبب تأخير هذه الخطوة، على الأقل منذ العام 2010 حتى اليوم. علماً أن الوضع المالي للدولة راهناً، في أسوأ حالاته، ناهيك عن أزمة مطالبة قطاعات مختلفة بفتح اعتمادات بالدولار. كما أن وزارة الطاقة لم تؤكد عملية توافر الاعتمادات اللازمة لتمويل شراء النفط. وقانونياً، لا يُسمح بعقد نفقة دون توفر الاعتماد اللازم لها.

بعد الشكل، يأتي دور المضمون. وفيه، تطفو على السطح قضية شركة روسنفت المملوكة من الدولة الروسية بفعل امتلاكها 51 بالمئة من أسهمها، والتي وقّعت عقد “تشغيل وخدمة من أجل تأجير سعة تخزينية في منشآت النفط في طرابلس”، ووقّع العقد عن الجانب اللبناني، وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل، في 25 كانون الثاني 2019. إذ تشير مصادر في وزارة الطاقة لـ”المدن”، أن “علامات استفهام تدور حول علاقة الشركة الروسية بقرار الوزارة باستيراد النفط. ومن المرجح ان تتم هذه العملية عن طريق الشركة الروسية، وبالتالي، فإن العروض التي ستُفتح يوم الاثنين ستكون مفصلة على قياس الشركة الروسية، ولا يعني ذلك أن يُعلن عن الرابح يوم الاثنين، فقد يتم تأجيل أو عرقلة العملية لأسباب تظهر فجأة، ويتكرر التأجيل لنصل أمام تلزيم الشركة الروسية بواسطة عقد بالتراضي وليس مناقصة. وهذا الأمر يعيدنا إلى عملية تلزيم الشركة التركية في ملف بواخر الطاقة”.

فاقد الشيء لا يعطيه
تجربة وزارة الطاقة والفريق العوني المسيطر عليها، لا تبشّر بالخير. فها هي مؤسسة كهرباء لبنان تعاني الأمرّين من سياسات الوزراء المتعاقبين، وها هي بواخر الطاقة وشركات مقدمي الخدمات تجثم على صدر المؤسسة وعلى جيوب المواطنين. والكهرباء لم تصل إلى البيوت كما وعد الوزراء العونيون. واللافت أن كل تلك المشاريع جاءت مخالفة بوضوح للقوانين، فكيف سيثق الناس بعملية استيراد الوزارة للبنزين؟ خاصة وأن الوزارة لم توضح الآليات والتفاصيل، فضلاً عن أن إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، غائبة عن هذه المناقصة.

بنود الصفقة؟
ولمزيد من علامات الاستفهام، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، لشروط قيل أنها جزء من بنود مناقصة استيراد البنزين، وتتضمّن حق وزارة الطاقة “أن تلغي أو تؤجل هذه المناقصة من دون أي سبب يذكر، كما يحق لها عدم إرساء التلزيم على الشركة الرابحة. وإن قرار وزارة الطاقة والمياه يعتبر قراراً نهائياً وملزماً، ولا يحق لأي عارض الاعتراض عليه لأي سبب كان”. وجاء في البنود، أنه “عند تقديم العرض، يُعتبر العارض مقيداً بقرار وزارة الطاقة والمياه، ويتنازل مسبقاً عن حقه في تحدي قرار الوزارة وشروط المناقصة في أي محكمة أو جمعية، كما يقبل العارض بعدم رفع أي دعوى قضائية ضد وزارة الطاقة والمياه”.

هذه البنود في حال التأكد من صحتها، تبقى دليلاً ملموساً على تحويل الوزارة إلى ملك خاص لجهة سياسية، تؤمّن من خلالها مصلحة المسيطرين عليها. علماً أن هذا النهج ليس ببعيد عن تلك الجهة التي حوّلت الوزارة إلى مملكة يتصرف فيها الوزير كما يريد. وبالتالي، فإن من يركن القوانين جانباً، ولا يُشرك إدارة المناقصات في المناقصات التي تفترض تأمين مصلحة الدولة، لا يمكنه أن يبادر إلى طرح مشاريع جديدة تتعلق بتأمين البنزين، من دون طرح الناس علامات استفهام لن يُبددها سوى كشف كل أوراق المناقصة، وإجرائها وفق الأصول القانونية.