IMLebanon

الخطيب رئيس حكومة بأي ثمن.. ما الذي قدمه ولا يملكه الحريري؟

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

سمير الخطيب يفوز بـ”مناقصة” رئاسة الحكومة. هكذا، بغفلة من القدر دخل الرجل نادي رؤساء الحكومات، بعدما اضطر إلى دفع ثمن “تتويجه”، من “كيس” بقاء “وحوش” الأحزاب إلى جانبه على الطاولة.

قلّة نادرة من السياسيين لا تعرف من هو الخطيب. الكثير من الإدارات العامة، وزارة الاتصالات، الهيئة العليا للاغاثة، مؤسسة كهرباء لبنان، تحفظ “بورتفوليو” شركته عن ظهر قلب، وهي التي يرتبط اسمها باسمه بشكل مباشر. للمناسبة، الشركة ورثها عن والد زوجته (طليقته) نقيب المهندسين السابق منير الخطيب.

تخرّج مهندساً من إحدى جامعات مصر، لكنه فعلياً كان يتولى إدارة العلاقات العامة في الشركة، وتسيير أمورها مع الإدارات الرسمية والممسكين بمفاتيحها المالية. هو مثلاً، زائر شبه يومي للهيئة العليا للاغاثة.

لكن أياً من عارفيه، لا سيما اولئك الذين يلتقونه بشكل دوري، لم يكن على دراية أنّ للرجل طموحاً سياسياً. لم يفاتح أحداً بميله إلى عالم الأضواء والألقاب، لا سيما في هذه الظروف القاتمة التي تحولت فيها كرسي السراي الحكومية إلى “محرقة قاتلة”.

الانطباع الأهم الذي يتركه لدى عارفيه، هو دماثة أخلاقه ولياقته وتهذيبه. ولكن لا شيء من البورتريه السياسي. لا ظواهر بادية على حركته تظهر وكأنّه من محبي الطقوس الخدماتية المطلوبة لولوج الشأن العام. لا استقبالات في منزله الفخم في بلدته مزبود في إقليم الخروب. ولا حتى متابعة ثابتة أو موسمية للشؤون السياسة وماورائياتها. يومياته تشبه بعضها، وفيها دوماً جلسة دردشة مع الأصدقاء الى مائدة الغداء، وفنجان قهوة بعد الظهر في أحد مقاهي العاصمة، على نحو يوحي وكأنه كاره للجلوس في المكاتب لوقت طويل.

شخصية هادئة، لا تغادر الابتسامة محياها إلا ما ندر. لكنه في المقابل غير مواكب للتكنولوجيا وأدوات اتصالها الحديثة. يقال إنّ أحد أصدقائه قام باهدائه مؤخراً هاتفاً ذكياً حديثاً. الأهم من ذلك، هو أنّ الرجل لا يترك انطباعاً أنّ بمقدوره أن يكون في موقع قيادي، فكيف برئاسة حكومة يديرها “عن بُعد” جبران باسيل؟

تتعدد الروايات الباحثة في دهاليز ترفيع اسمه إلى مرتبة مشروع رئيس الحكومة. البعض يتحدث عن دور صامت للواء عباس ابراهيم من موقع القربى، والبعض يشير إلى الوزير السابق طارق الخطيب الذي كان خطف وزارة البيئة من حلق سمير الخطيب. وهناك من يقول إنّ علاقته بباسيل تعود إلى المرحلة التي كان فيها الأخير وزيراً للاتصالات، ولم يحتج من بعدها إلى “وسيط” ليجالس الرجل ويتفاهم معه.

ورقة اعتماده هي نجاحه في ادارة شركة “خطيب وعلمي”، على ما أبلغ مفاوضيه، تضاف إليها “محفظة استثماراته” في عدد من الدول، منها الإمارات والسعودية ومصر. تعهد بتقديم استقالته من مهامه كمدير عام ونائب الرئيس التنفيذي في الشركة، وسارع إلى تشكيل فريق عمل متخصص يسانده في الملفات الأساسية. وهذا كل ما يحتاجه، وفق نظرته ليكون رئيس حكومة ناجحاً.

لكن الأهم من ذلك، هو أنّ الخطيب لم يطلع أياً من مفاوضيه على خطة انقاذية أو اقتصادية قد تساعده على عبور نفق الانهيار المالي، ولا أحد يملك اجابة واضحة عما اذا كان الرجل اقتنص ضمانات دولية تسمح له بمنع الوقوع في المحظور المالي. هي فقط رئاسة الحكومة بأي ثمن!

يقول أحد الوزراء من الذين تابعوا المشاورات عن كثب، إنّ الاعتراف بوقوع الكارثة، بات معمماً. جلّ ما يمكن لأي رئيس حكومة مقبل أن يفعله هو التخفيف من حدّة الانهيار لا أكثر.

يؤكد أنّ سعد الحريري ليس رافضاً بالمطلق ترؤس الحكومة ولا يعاني من ضغوطات خارجية. كل ما في الأمر أنّ البلاد دخلت في نفق الانهيار المالي وهي تحتاج إلى معجزة لانتشالها من القعر. ولهذه المعجزة عدّتها بالنسبة للحريري، أبرزها أن يكون لديه فريق وزاري متخصص منسجم يحدث صدمة ايجابية في الشارع وقادر على وضع خطة انقاذية وتنفيذها. ولهذا يرفض وجود وزراء يقفون له على الكوع، أولهم باسيل، ولو أنّه مقتنع أنّ عليه احترام التوازنات السياسية والبرلمانية.

لكنه بات على يقين أنّ “التايتنيك” تغرق وفرص انتشالها باتت ضئيلة. ولذا لا مانع من ترك الواجهة لغيره طالما أنّ هناك من هو قادر على ترؤس طاولة برؤوس كثيرة. سمير الخطيب فعلها مع أنّه قاوم كثيراً تجرع الكأس المرة، لكن هناك من أقنعه بعبور معمودية قبول أسماء مرفوضة في الشارع لأنّه ثمن لا بدّ من دفعه. حتى الحريري قال له بالحرف الواحد “سأقبل بما يريده رئيس مجلس النواب نبيه بري”، كون دخول علي حسن خليل إلى حكومة ما بعد 17 تشرين الأول كان على المحكّ.

يميل الحريري إلى الجلوس جانباً في هذه المرحلة بالذات، فيحصل الانفجار المالي في وجه غيره، لتتاح له العودة، اذا ما اتيحت، على نحو أهدأ، متأبطاً مشروعاً اقتصادياً استثمارياً من شأنه أن يعيد النهوض بالبلاد.

“حزب الله” بدوره بات متأكداً أنّ شروط هذه المرحلة لا تناسب الحريري، ولن يضغط “الحزب” على حلفائه، وتحديداً باسيل ليريح سعد ويفرش له طريقاً قد تتحول في لحظة ضغط اقليمي، إلى حقل ألغام، ولن يمنح خصمه بالسياسة “سكيناً” ليذبح بها حليفه. ولذا تضاءلت فرص الحريري لتعوّم فرص مهندس دخل فجأة إلى النادي السياسي، وصار أبرز أسمائه.

المفارقة تكمن في اصرار “التيار الوطني الحر” على تزكية اسم الخطيب، على رغم تغريدات قاسية حول تورط “خطيب وعلمي” بصفقات فساد بملايين الدولارات.