IMLebanon

بين القضاء والرهبنة… من يربح؟

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

 

الرسالة أبلغ من ألفِ كلمة… والحياة، كما تعلمون، تجارب ومصاعب ومواعظ… وحين تجتمع الرسالة والحياة تحت إسمٍ واحد: رسالة حياة… يُصبح لزاماً على البشر التمعّن في التفاصيل لاستخراجِ العِبر. هناك، في دير البداية، في دير “رسالة السماء”، بانت كلّ الأروقة زرقاء بلونِ ثوب “الأخوة والأخوات” في جمعية وُصِفت بأسوأ الأوصاف وهدفها، يفترض، أجمل الأهداف. فماذا حصل فوق؟ وماذا قد يحصل؟
الموضوع غير سهل. التهمة، لا بل التُهم، خطيرة. جمعية رسالة سلام تتاجر بالبشر وتعنّف الأطفال وهناك من يشاهد من “الإخوة” أفلاماً إباحية ويُجبر الصغار على مشاهدتها… نتابع؟ كُلّ من سمعوا بالتهم التي قُذفت في اتجاه الجمعية هاله وقع حيثياتها. الأخت جويا، المسؤولة الإعلامية في الجمعية، تبتسم للجميع وكأن شيئاً لم يحصل هاتفة: الله معنا. فتُجيبُها الجماعة: طبعاً معنا.

نحاول أن نتسلل الى الداخل، الى قلب البيت، فيُطلب منا، من أحد الأخوة، التريث لأيام وستُفتح كلّ الأبواب. يمرّ أمامنا الأخ يوسف بشته. إسمه مرّ مرات في الملف الصادر عن قاضي الأحداث في جبل لبنان جويل أبو حيدر. والتهم الموجهة إليه لا يُمكن أن تمرّ مرور الكرام. نسأله تفسيراً فيجيب بابتسامة: سألتزمُ الصمت والمحبة. رهيبة ٌ هي إبتسامات الأخوة والأخوات التي تكاد لا تغيب عن وجوههم حتى في أحلك الأوقات.

الأزرق الطاغي

نشأت الجمعية قبل 19 عاماً وثبّت قوانينها راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران يوسف بشارة في الثلاثين من أيار العام 2006. فلنسأله رأيه علّه يشرح لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود. يجيب: لم أتابع كلّ التفاصيل وما عادت الجمعية في نطاق الأبرشية منذ أكثر من عشرة أعوام، وأصبحت تتبع البطريركية، وبالتالي لا يمكن لي أن أقول شيئاً في قضية لم أتابع حيثياتها.

شروط التبنّي

ماذا عن شروط التبني عند الموارنة؟ يجيب المطران بشارة: يفترض أن تتأكد أي جمعية يسمح لها منح التبني من صحّة الأشخاص الذين ينوون الحصول على طفل، والتأكد من عدم قدرة الزوجين على الإنجاب، على ان يكونا قادرين على تربية الطفل تربية صالحة مسيحية ويتمتعان بالصحة النفسية والأخلاقية. وبالتالي لا يمكن تسليم الطفل الى أي عائلة بلا شروط. ولا أعرف إذا كان يحق أصلاً لجمعية رسالة حياة إعطاء أولاد للتبني. ما عدتُ أتذكر قانون “رسالة حياة”.

النائب البطريركي المطران حنا علوان هو القيّم على الجمعية. مظاهر الميلاد في كل مكان في دير البداية. والناس يتقاطرون الى الدير من أجل المشاركة في القداس في كنيسة الأم تريزا والقديس شربل في الطبقة الأولى من الدير وحديث الجميع واحد: لماذا حصل ما حصل؟ نسمعهم يلغون الإتهام من أساسه مرددين “الله معنا الله معنا”.

الله مع المحبة والعدالة والإلفة والخير لكن ما قرأناه في الملف الصادر عن قاضية الأحداث يدل على أن الله لم يكن موجوداً في “رسالة الحياة”. نُخطئ إذا شككنا؟ الشكّ حقّ لكن الإتهام خطأ. ففي القانون مقولة “المتهم بريء حتى إثبات العكس”. مفاهيم كثيرة تتصارع في أذهان كلّ من يحاولون الغوص في هذا الملف الشائك.

بانتظار المؤتمر

الأخوة والأخوات يجولون في أثوابهم الزرقاء. هم نذروا العفة. فهل من نذر العفة يقوم بأفعال شنيعة؟ ننضمّ الى المؤتمر الصحافي علّنا نكتشف ما هو أبعد من الكلام. ثلاث صور معلقة في الصدر: صورة البابا فرنسيس. صورة البطريرك بشارة الراعي. وصورة المطران الراحل كميل زيدان. أطفال وكبار وشباب وشابات أتوا ليقولوا أن ثقتهم بالجمعية لا تضاهيها ثقة. كريستينا صوايا وصلت. فنانون. مطربون. الطفلة دارين التي تبنتها عائلة فرنسية أتت هي أيضاً الى بيتها الأول. محامي الجمعية جلس على المنصة. الأخت ماري يسوع التي أوقفت في المخفر بعد تكبيل يديها موجودة. تأخر موعد المؤتمر لأن المطران الياس عودة أطال العظة في جناز الشهيد جبران تويني. ومؤتمر رسالة حياة يفترض أن يكون مباشرة. وفي الوقت الضائع أمسكت الأخت جويا بغيتارها وبدأ الحضور بالترتيل: ليلة عيد ليلة عيد… وهيدا هوي العيد. ويا رعاة خبرونا هل جرى أمر غريب. ويسوع أنت إلهي حبك شافي الوحيد. رتل الجميع. صفقوا. ابتسموا. نسوا اللحظة. غاصوا في الصلاة. مشهدٌ جميلٌ جميل.

فلندخل الى الجدّ. الى الملف الذي أدار رؤوس المؤمنين وغير المؤمنين الذين طرحوا السؤال: هل يمكن أن يكون هؤلاء، أو بعض هؤلاء، مجرمين لا أخلاقيين؟ المطران حنا علوان قال: لا يجوز السكوت عن الظلم لأن في ذلك إشتراك في الظلم. هو حكى عن العلاقة بين القانونين العدلي والروحي، ناسفاً كلّ ما قيل في اليومين الأخيرين، أن القضاء العدلي أقوى وقال: قال أحدهم إن القضاء العدلي يتفوق على القضاء الروحي وهو في هذا القول كمن يقول المهندس أفضل من الطبيب. فلا علاقة للإثنين ولا مفاضلة بين الإثنين. وعاد علوان الى العام 1951 وهو التاريخ الذي حُددت فيه، من الدولة، صلاحيات المحاكم الروحية وبينها بطلان الزواج والهجر والتبني والوصاية على القاصرين والرضّع. وجرى التأكيد عليها كي لا يحصل التصادم حولها.

أين الحقيقة؟

مفهوم كلام سيادة المطران لكن لا حسم فيه وجزم حول ما إذا كان قد حصل ما قيل أنه حصل بغض النظر عن صلاحيات من؟ هو حكى عن الفساد القضائي والإعلامي وقال: الإعلام أيضاً يقتل. ونحن كلفنا لجنة كنسية للتحقيق في الموضوع ولن نقبل أن يُهمل أو يُقفل. وتابع: ليس صحيحاً أن الكنيسة تدخلت لتغطية الأخطاء لكنها لم تحصل على الحكم كما حصل عليه بعض الإعلاميين.

كلام كثير جرى الغمز فيه من قناة جو معلوف قبل أن يعود المتكلمون ويسمونه بصراحة ويضيفون “هذا هو الإعلام الكاذب”. جو معلوف الذي سيفتح هواء برنامجه الليلة سيقول الكثير. سيأتي بمن يرجمون الجمعية. والأب الريّس حاول أمس أن يُفصّل الملف بكثير من الدقة بنداً بنداً مدرجاً ما حصل في خانة “فبركة الملف” من القاضية لأسبابٍ يفترض أن يعرفها الجميع. ماذا فيها؟ محامي “رسالة حياة” حكى عن ثلاثة تواريخ أسست لهذه اللحظة: 13 آذار. 6 نيسان. و29 أيار. حيث جرت محاولات بمساعٍ من القاضية في التاريخ الأول من أجل إلزام الجمعية بتسليم طفل الى عائلة رجل يدعى سعيد ك. وحين قلنا لها نحن لسنا مستودع أطفال ونريد أوراقاً وشروطاً أتى الجواب: رح قول لجو معلوف! جاوبناها خطياً. وكرجت الإتهامات الى التاريخ الأخير الذي فوجئنا فيه بما لم يخطر في بالنا يوماً. نحن مصرون على التوسع في التحقيق. والله معنا.

جو معلوف ماذا سيقول الليلة؟

الله مع من؟ معهم؟ ضد الشرّ؟ لكن، ما شهدناه في اليومين الأخيرين خطير جداً خصوصاً إذا صحّ كل ما قيل أن قضاء الأحداث يدخل على خط توزيع الأولاد الى أشخاص عنوة. خصوصاً أن القاضية نجحت في إعطاء عائلة سعيد طفلاً من جمعية أخرى. فليُفتح هذا الملف على مصراعيه.

أمرٌ آخر يستدعي التوقف عنده ملياً وهو ذكر الأب الريّس أن الجمعية أرسلت الى قضاء الأحداث مراراً بأحداثٍ حصلت في الجمعية ولم تأتِ من القضاء أيّ إجابة. والتعليل أتى “هذه حالة لبنان”. القضاء إذا مسؤول.

الإتهامات تبقى متبادلة. الملف لم يقفل. الرهبانية لن تقبل أن توصف بكلِ ما وصفت به وتصمت خصوصاً أن هناك قراراً واضحاً من الفاتيكان بالتشدد في أمور التحرش الجنسي. وجو معلوف الذي سيعود الليلة ليفتح الملف، على طريقته، ما عاد هو “بيت القصيد” بل باتت القصة بين القضاء والرهبنة المارونية. نغادر جمعية “رسالة حياة” ونحن نسمع صدى عبارة: ظلمنا لكن الربّ معنا ولن نهزم.

من سيربح؟ من سيخسر؟ الملف لم ينته هنا.