IMLebanon

الشركات تصرخ والدولة “تنفخ”… ولن تنجلي

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

قِصر النظر الاقتصادي المصابة به السلطة منذ عقود، تحوّل إلى عمى. ومسيرة ضرب القطاع الخاص التي انتُهجت منذ سنوات، مرّة بزيادة الأعباء الضريبية لتمويل القطاع العام، ومرات بعدم توفير البيئة الحاضنة والمشجّعة للإستثمار، اختُتمت مؤخراً بضربة إيصال البلد الى الإنهيار.

القطاع الخاص الذي شيد بالكثير من التضحيات، وبإيمان منقطع النظير بعدم ترك لبنان مهما بلغت التحديات، مهدّد اليوم أكثر من أي وقت مضى بتوقّف عجلته عن الدوران.

منذ أيلول الفائت أقفلت 265 مؤسسة تتعاطى الطعام والشراب، مع التوقّع أن يرتفع العدد لغاية نهاية العام الى أكثر من 500 مؤسسة. وبحسب نقابة أصحاب المطاعم من المتوقع أن يفوق عدد العمال المصروفين خلال هذه الفترة الـ 10 آلاف عامل.

أكثر من 25 في المئة من القوى العاملة في القطاع الصناعي مهدّدة بالصرف الجماعي قريباً، مما يعني إضافة 40 ألف عاطل من العمل الى صفوف البطالة.

الـ 70 و80 في المئة التي ما زالت تعكس التخفيضات على واجهات المحلات، من المتوقع أن تتحول إلى مؤشر عن نسبة الإقفال والعاطلين من العمل في القطاع قريباً.

المزارعون يسجلون خسارة تلو الخسارة. وهم مهددون مع انعدام قدرتهم على استيراد البذار والأسمدة وأدوية مكافحة الحشرات، بخسائر فادحة، ستدفع المزيد منهم الى تحويل حيازاتهم الزراعية إلى أراضٍ بور، لا تصلح حتى لرعي الماشية.

أما الخدمات فحدّث ولا حرج عن بطالة مقنّعة، أبطالها ما زالوا يملكون أملاً بتحسن الأوضاع، فعمدوا إلى تقاسم الخسائر مع ما تبقّى من أجراء. فسرى في 90 في المئة من المؤسسات نصف دوام ونصف راتب.

القطاع المصرفي بوصفه رائد الخدمات تحوّل من خط الدفاع الاول عن الإقتصاد وحصنه المنيع، إلى مركز للهجوم على ما تبقّى من مؤسسات وطبقة وسطى وفئة محدودي الدخل.

على حافة الهاوية

“الإقتصاد يقف اليوم على حافة الهاوية” وهو برأي رئيس جمعية “بيئتنا” مارون شراباتي “معرّض بين لحظة وأخرى لإنهيار دراماتيكي شامل”. المشكلة الكبرى بحسب شراباتي “أننا انتقلنا من أزمة مصارف إلى ما يعرف بـأزمة السيولة. فلم يعد من إمكانية لإستيراد حاجات البلد الأساسية للتجارة والصناعة والزراعة إلا بالعملة الأجنبية ونقداً، وهو ما لم يعد متوفراً”.توقُّف الإستيراد أو تراجعه بنسبة كبيرة يعني توقّف البلد. فالإقتصاد بحسب شراباتي “مبنيّ على الإستيراد بنسبة 99.9 في المئة. ويخطئ من يظن عكس ذلك. فصناعتنا الوطنية مبنية على الإستيراد، وهي بمعظمها صناعة تحويلية تعتمد على استيراد المواد الاولية من الخارج. فصناعة الألبان والأجبان ستتوقف مع العجز عن استيراد الاعلاف والأدوية وأدوات الحفظ والتعليب، وكافة المصنوعات الورقية ستقفل، في حال عجزنا عن استيراد الورق. حتى ان المصنوعات البلاستيكية بحاجة الى البلاستيك من الخارج…”.

يهدّد انقطاع خيط سبحة الاقتصاد، بفرط حبوب كل القطاعات، فارضاً عليها تسريح عمالها وإعطاء نصف راتب لمن تبقّى من عمال وموظفين. فبلغ عدد المصروفين من عملهم بحسب آخر الإحصاءات حوالى 160 ألف موظف، يوازيهم عمال مهدّدون بالبطالة بين يوم وآخر.

انهيار”الخاص”…و”العام”!إنهيار القطاع الخاص لن يوفر “العام”، فالأخير شكل ممراً للتوظيف السياسي طوال ثلاثة عقود. فتضخم حتى وصلت كلفته السنوية إلى حدود 32 في المئة من حجم الناتج المحلي، يموّل من الضرائب على المواطنين والقطاع الخاص. وهذا ما لن يستمر مع تراجع دور القطاع الخاص. ولعل أوّل المؤشرات تراجع مردود المرفأ بنحو 400 مليون دولار شهرياً بسبب تراجع الإستيراد، وسيتبعه تراجع الجمارك واشتراكات الضمان ومردود الضريبة على القيمة المضافة، وما تبقّى من كل السلة الضريبية. أمام هذا الواقع، وبناءً على دور القطاع الخاص في تمويل الدولة، الذي كان يذهب الى جيوب المسؤولين، أطلقت دعوة عامة لكل الشركات والمؤسسات العاملة في لبنان الى اجتماع طارئ يوم الاربعاء في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر في ساحة مبنى اللعازارية وسط بيروت، لاتخاذ قرارات مصيرية تحافظ على استمرارية الشركات. الدعوة هي لدقّ ناقوس الخطر ورفع الصوت عالياً من ساحة الثورة، “قبل اضطرار الشركات لصرف 200 ألف عامل”، يقول شراباتي. والأخطر ان “الأزمة لن تقف عند حدود البطالة، بل سيشهد لبنان أزمة اجتماعيـة غير مسبوقة”.