IMLebanon

الأزمة اللبنانية تدور في حلقة مفرغة

لم يكن سقوط اسم سمير الخطيب مفاجئا، لا بل كان متوقعا. والأسباب التي أطاحت محمد الصفدي وبهيج طبارة هي نفسها التي أسقطت اسم الخطيب وستسقط اسم أي مرشح آخر غير سعد الحريري الذي حسم معركة التكليف على قاعدة أنه المرشح الوحيد لرئاسة الحكومة من دون منازع ومنافس، وأي اسم آخر سيطرح سيكون مصيره «الحرق».. في الواقع لعبها الحريري جيدا هذه المرة، وبعدما أعلن نهاية معركة التكليف وأكد للجميع أنه «لا أحد سواه»، فإنه يتقدم الى «معركة التأليف» من موقع القوي والقادر على فرض شروطه. وإذا كانت الجولة الأولى من معركة الحكومة انتهت الى معادلة «لا حكومة برئاسة غير الحريري»، فإن الجولة الثانية بدأت بمعادلة «لا حكومة من دون إرضاء الحريري».

الحريري في الفترة الواقعة بين طرح اسم الخطيب وتعيين موعد الاستشارات لاقى حرجا سياسيا شديدا. فإذا مضى قدما في خيار الخطيب والمشاركة في حكومة ومنحها الثقة، يكون قد خسر ما جناه بعد الاستقالة وسيؤدي الى تأليب الشارع المنتفض والشارع السني خصوصا ضده، والى اهتزاز علاقته مع رؤساء الحكومات السابقين، لأن ما حدث دق مسمارا جديدا في اتفاق الطائف ودور وصلاحيات رئاسة الحكومة. أما إذا تراجع الحريري عن دعم الخطيب وتسميته، فإنه سيتهم بعدم المصداقية وأنه واقع تحت سيطرة ووصاية رؤساء الحكومات السابقين، وتتوافر الذريعة للفريق الآخر لتسمية شخصية أخرى مناسبة، ما سيؤدي الى تأجيج الخلافات بين الطوائف والى تعقيد الأزمة وتعميقها.. وما حصل أن المخرج الملائم للحريري من هذه الورطة جاءه من المفتي عبداللطيف دريان الذي رفع الغطاء السني عن الخطيب وأعلمه بصراحة «نحنا ما بدنا غير سعد الحريري، روح شوف سعد واتفق معه».. وبناء عليه، خرج الخطيب بعد اللقاء ليقرأ نصا مكتوبا جاء فيه: «علمت من سماحته أنه نتيجة اللقاءات والمشاورات مع أبناء الطائفة الإسلامية، تم التوافق على تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة. وتوجه الخطيب فورا الى بيت الوسط وخرج من لقائه مع الحريري ليعلن «بكل راحة ضمير» اعتذاره عن «إكمال المشوار الذي رشحت إليه».

وقعت دار الفتوى في الخطأ الذي قالت ان قصر بعبدا وقع فيه لجهة عدم احترام الأصول والدستور وحسم التكليف قبل الاستشارات. ومع حسم موضوع التكليف على هذا النحو، كان الرئيس ميشال عون أمام أحد خيارين:

1 ـ إجراء الاستشارات في موعدها المقرر امس، وهذا يعني تكريسا رسميا لخيار الطائفة السنية بتكليف الحريري رئيسا للحكومة، وأظهرت المداولات والمشاورات التي جرت مساء أن هناك من كان يؤيد هذا التوجه طالما أن النتيجة حسمت ولن يحدث تغيير في المعطيات، وحتى لا يظل رئيس الجمهورية يأخذ الأمور في صدره ويتحمل مسؤولية التأخير الحاصل في ولادة الحكومة، وبالتالي في تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية… وتصبح كرة التأليف في ملعب الحريري بعدما كانت كرة التكليف في ملعب الرئيس ميشال عون.

2 ـ تأجيل الاستشارات، وهذا ما حصل، بعدما أدى انسحاب الخطيب على هذا النحو الى خلط الأوراق من جديد وأعاد عملية الحكومة الى المربع الأول، مربع المشاورات والمفاوضات السياسية حول حكومة جديدة برئاسة الحريري.

في الواقع، خيار الحريري ليس خيار الطائفة السنية فقط، وإنما هو أيضا خيار الطائفة الشيعية، وحتى بعد طرح اسم الخطيب ظهرت عدة إشارات من «نبيه بري وحزب الله» تفيد بأنهما غير متحمسين للخطيب، وأن الحريري مازال المفضل لديهما، ولو كان موضوع الخطيب محسوما ومنتيها، لكانت الاستشارات حصلت فورا ولم تحدد بعد أربعة أيام كانت كافية لتطيير ما كان من فرصة ولتأليب الطائفة السنية.. وكانت مهلة الأربعة أيام بمثابة فرصة أخيرة لإقناع الحريري بترؤس الحكومة التي وافق على المشاركة فيها.. ومهلة الأسبوع الإضافي ستتواصل فيها مهمة إقناع الحريري بترؤس حكومة تكنو-سياسية (18 تكنوقراط 4 وزراء دولة سياسيين).. ولكن المفاوضات مازالت تدور في الحلقة المفرغة: الثنائي الشيعي متمسك بهذه الحكومة ويعتبرها أقصى ما يمكن أن يقدمه ويتنازل فيه، والحريري متمسك بحكومة تكنوقراط ويعتبرها الوحيدة التي تحظى بثقة الشارع والمجتمع الدولي التي هي أهم عنده من ثقة مجلس النواب. وفي المعلومات أنه إذا تم تذليل عقدة مشاركة جبران باسيل وتجاوز معادلة «الحريري وباسيل معا في الحكومة أو معا خارجها»، فإن عقدة أخرى ظهرت وهي أن الحريري يريد إضافة الى خروج باسيل أن تكون وزارة الطاقة من حصته.. وبالتالي، الحريري لا يقبل بالحكومة المعروضة عليه، وحزب الله وحلفاؤه لا يقبلون بالحكومة التي يشترطها الحريري.. والنتيجة، استمرار حكومة تصريف الأعمال حتى إشعار آخر، سواء حصلت الاستشارات أم لم تحصل، وكلف الحريري أم لم يكلف.