IMLebanon

بعبدا – بيت الوسط… “حرب الإلغاء” تحتدم

من كان ينتظر الموقف الدولي فها هو العالم يجتمع اليوم في باريس ليطالب بحكومة “فاعلة ذات مصداقية تستجيب لمطالب الشعب اللبناني”، فماذا أنتم فاعلون؟ من كان ينتظر موقف الرياض فها هي السعودية تدعو إلى أن “يمضي الشعب اللبناني والنظام السياسي في طريق تضمن الاستقرار والاستقلالية”، فماذا أنتم فاعلون؟ ومن كان ينتظر موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بعد سقوط ترشيح سمير الخطيب فها هو لا يزال على موقفه من ترؤس حكومة اختصاصيين حصراً، وإلا من يصرّ على حكومة تكنو–سياسية ليس عليه سوى تشكيلها من دونه “في أسرع وقت”، فماذا أنتم فاعلون؟ الحقيقة أنها كلّها “شمّاعات” تتلطى خلفها الأكثرية النيابية القابضة على السلطة، للحؤول دون إحداث أي تغيير جذري أو إصلاح بنيوي في هيكلية المؤسسة التنفيذية يتهدّد وجودها على قيد الحياة السياسية، ولا مانع جدياً للتكليف والتأليف سوى الممانعة الجدية للرضوخ إلى إرادة اللبنانيين المنتفضين على المنظومة الحاكمة… أما قصة “إبريق الزيت” التي لا تنفك تتكرر أسطوانتها على المنابر والشاشات فليست سوى خير معبّر عن استمرار لعبة الدوران حول الكراسي بين أهل الحكم وقد بدأت تجلياتها تحتدم على الحلبة الحكومية لتتخذ خلال الساعات الأخيرة شكل “حرب الإلغاء” على جبهة “بعبدا – بيت الوسط”.

 

إذ وبينما يستمرّ الثنائي الشيعي على ثباته في فرملة اندفاعة رئيس الجمهورية ميشال عون نحو خيار حكومة الأكثرية درءاً لخطر تعريضها إلى “كماشة حصار” محكمة من الشعب والغرب والعرب، يبدو رئيس الجمهورية أقرب من أي وقت مضى إلى خوض معركة “كسر عظم” مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، رداً على ما يعتبره استهدافاً مباشراً لعهده من خلال تصميم الحريري على رفض إعادة توزير جبران باسيل، إنطلاقاً من التمسك بضرورة التخفف من أوزار الأسماء الاستفزازية للشارع في أي حكومة جديدة يترأسها. وفي هذا الإطار، تواترت معلومات عونية عن “استنفار يسود دوائر قصر بعبدا بغية التصدي لمحاولة تعبيد الطريق أمام إعادة تكليف الحريري الاثنين المقبل، مقابل إعادة تفعيل معادلة “سعد وجبران معاً” داخل أو خارج الحكومة”، وهو ما وضعته مصادر مواكبة للاتصالات الجارية في خانة السبب الأساس وراء إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري عن إطفاء محركاته الحكومية، باعتباره كان معنياً بإيجاد تخريجة ما مع الحريري تتيح تأمين التوافق معه على مسألة تكليفه تشكيل الحكومة العتيدة في استشارات بعبدا الملزمة.

وفيما لم ينعقد الاجتماع الأسبوعي لتكتل “لبنان القوي” أمس كالمعتاد، كشفت مصادره لـ”نداء الوطن” أنّ الاجتماع أرجئ إلى اليوم أو الغد على أبعد تقدير بناءً على طلب رئيس التكتل، مشيرةً إلى أنّ الاجتماع سيبحث في “التطورات التي تلت انسحاب الخطيب واتخاذ الموقف المناسب والقرار اللازم حيال مسألة تكليف الرئيس العتيد للحكومة”. ورداً على سؤال، أجابت المصادر: “لا نية لدينا في اللجوء إلى التصعيد، إنما التكتل لن يعطي كذلك شيكاً على بياض للرئيس المكلف”.

وإزاء تأزّم المشهد الحكومي، برزت إشارة بارزة متجددة من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي عبّر فيها أمس عن امتعاضه لكون “لا حكومة تلوح في الأفق في حين أنّ البلد ينهار ويقع يوماً بعد يوم”، آخذاً على المسؤولين المعنيين عدم إجراء الاستشارات النيابية “بعد أكثر من خمسين يوماً” على بدء الأزمة. وأوضحت مصادر كنسية لـ”نداء الوطن” أن موقف الراعي “نابع من قراءة التطورات الحكومية السلبية والتصلّب في المواقف وعدم القدرة على تأليف حكومة جديدة”، مشددةً على أنّ “غبطته ماضٍ في لهجته التصاعدية لكي يُسمع المسؤولين صوت الناس، خصوصاً أنه لم يلمس خلال تواصله مع المعنيين أي تطورات إيجابية في الملف الحكومي، سيّما وأنه كان أول من نادى بتأليف حكومة إختصاصيين مصغّرة إنقاذية، لكن من دون أن يصغي أحد إلى ما تطالب به الكنيسة والشعب الثائر”.

في الغضون، سُجّل دخول إيراني استفزازي على المشهد اللبناني أمس من خلال ما نُقل عن مستشار قائد الحرس الثوري اللواء مرتضى قرباني، لناحية تهديده إسرائيل بأنها “في حال ارتكبت أصغر خطأ تجاه إيران فسنسوي تل أبيب بالتراب إنطلاقاً من لبنان”. موقف لاقى سلسلة ردود منددة باستسهال طهران ضرب السيادة الوطنية اللبنانية وبتجديد نظرتها إلى لبنان، بوصفه ليس أكثر من منصة إطلاق صواريخ إيرانية متقدمة باتجاه إسرائيل دفاعاً عن سيادة الجمهورية الإسلامية، وبينما كان من البديهي أن تتصدى شخصيات سياسية من مثل الوزير جمال الجراح الذي شدد على أنّ “لبنان ليس صندوق بريد للحرس الثوري”، والنائب نهاد المشنوق الذي أكد أنّ اللبنانيين ليسوا “دروعاً بشرية لأي مشروع في المنطقة ولبنان لن يكون ولاية إيرانية”، والنائب نديم الجميّل الذي طالب السيد حسن نصرالله والرئيسين عون والحريري “بموقف صريح” إزاء كلام قرباني، واللواء أشرف ريفي الذي حمّل المسؤولية وراء هذا الكلام إلى “من مكّن النظام الإيراني من الوصول إلى هذه الوقاحة والاستباحة”، ونائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري الذي اعتبر أن كلام المسؤول الإيراني “يسوّي سيادة لبنان بالأرض قبل كل شيء”… فإنّ ما استرعى الانتباه على الجبهة المقابلة هو مسارعة وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال الياس بوصعب إلى التصدي بلطف للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تربطها “علاقة صداقة بلبنان لا يجوز أن تمسّ استقلالية القرار اللبناني”، معتبراً أنه “إذا صح ما نُسب إلى مستشار رئيس الحرس الثوري الإيراني فإنه لأمر مؤسف وغير مقبول وتعد على سيادة لبنان”. كلام بوصعب الذي لا بد وأن يثمّن عالياً لكونه يذود عن السيادة الوطنية، وضعه مراقبون أيضاً في خانة “الذود عن رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية اللبنانية التي بدت غارقة بالأمس في حالة “كوما” غائبة عن السمع والتعليق على الموقف الإيراني، في حين أنها هي الطرف المعني أولاً وأخيراً باستنكار كلام مستشار رئيس الحرس الثوري واستدعاء السفير الإيراني لتحميله رسالة احتجاج رسمية على هذا الكلام، أسوةً بما تقوم به كل خارجيات العالم التي تحترم سيادة دولها”… فهل يفعلها باسيل اليوم على قاعدة أن تحتجّ متأخراً خير من ألا تحتج؟