IMLebanon

سقوط معادلة باسيل – الحريري.. و”الحزب” في مرمى الإستهداف؟

كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:

يُصرّ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على المساواة بينه وبين زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عبر عنوان «البقاء معاً أو الخروج معاً» الذي يرفعه  بلباس الميثاقية. يتناسى باسيل أن التسوية الرئاسية قامت على معادلة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة. هي معادلة عون – الحريري وليست باسيل – الحريري. وقد أوصلت المعادلة الاثنين إلى الرئاستين الأولى والثالثة.

ما كان بإمكان عون أن يصل إلى تحقيق حلم الرئاسة الذي عطَّل وحليفه «حزب الله» المؤسسات الدستورية لسنتين ونصف لولا غطاء الحريري، وما كان بإمكان زعيم «المستقبل» العودة الى رئاسة الحكومة لولا أن «حزب الله» الذي انقلب على «اتفاق الدوحة» وأطاح بحكومة الحريري الأولى ومنع إعادة تكليفه بقوة هيمنته المسلحة على البلاد، لم يسحب «الفيتو» الذي كان وضعه على الرجل، ويرعى تسوية إيصال مرشح المحور الإيراني إلى سدة الرئاسة، لتوفير مظلة مسيحية تخدم مشروعه الاستراتيجي في المنطقة.

الانقلاب على التسوية التي أثبتت عقمها معناه الرجوع إلى المربَّع الأول، أي إلى ما قبلها. لم يكن هذا ما يريده الرئيس وتياره السياسي. هما ضغطا للذهاب إلى حكومة أكثرية، من خارج إطار التحالف مع الحريري، بعدما بدا استحالة وجود باسيل في حكومة برئاسة زعيم «المستقبل». لكن «الثنائي الشيعي» رفض السير بحكومة اللون الواحد، في وقت يرى فيه أن المرحلة الراهنة تقتضي التمسك بشخص الحريري، لا غيره، على رأس السلطة التنفيذية، ليس حباً به بل حاجة له.

بدا المأزق الفعلي لدى «الثنائي الشيعي» لحظة تيقنه أن تثبيت معادلة باسيل – الحريري تصطدم برفض قاطع من «بيت الوسط». وما عاد ضغط «الثنائي الشيعي» قادراً على فعل فعله.  تفاقم المأزق بعدما ظهَّرت دار الفتوى موقفها من الموقع السني الأول في البلاد ومحضت ثقتها للحريري. أُقفل الباب  كلياً على محاولات محاصرة الحريري من قبل عون وباسيل للقبول بالمعادلة أو دفعه لتسمية مرشح للرئاسة بديلاً عنه من باب إحراجه لإخراجه.

السؤال الذي يدور في الكواليس السياسية: هل تخلّى «حزب الله» عن رئيس «التيار الوطني الحر»، فقلب باسيل الطاولة في وجه حليفه، بإعلانه أنه خارج المعادلة الحكومية، ليس فقط كشخص، إنما أيضاً كتيار سياسي؟ السؤال ينطلق من أن موقف باسيل لا يمكن إدراجه إلا في إطار ردَّة الفعل على قبول «حزب الله» السير بحكومة تكنو-سياسية برئاسة الحريري دون باسيل. هي ردّة فعل على تخلّي «الحزب» عن دعمه في المعادلة التي يريدها واقعاً ثابتاً. رفع سقف المواجهة، ورسم طريق الحل حين قال: «للشركاء الحريصين على وجودنا، اقتناعاً منهم أن الحكومة من دوننا تفقد التوازن الوطني ولا تُشكل أصلاً، فلنعد إلى طرحنا الأساسي الذي تم رفضه وليعد الأفرقاء للنظر بموقفهم».

الموقف الذي يقصده باسيل هو إصرار «حزب الله» و«أمل» على مقاربتهما بمواجهة المخاطر الخارجية بحكومة تكنو-سياسية برئاسة الحريري. ما قاله بوضوح إن المخرج لإعطائه الغطاء السياسي هو حكومة اختصاصيين من رئيسها إلى كل أعضائها على أن يكونوا من القوى السياسية والكتل البرلمانية على قاعدة احترام التوازنات الوطنية الناتجة من الانتخابات النيابية، كما توازنات الحكومة الأخيرة، وعلى أن يُسمّي الحريري رئيس الحكومة احتراماً للميثاقية بعدم تخطي إرادة الأكثرية السنية.

في المعلومات أن «الثنائي الشيعي» حاول ثني باسيل عن الإقدام على هذ الخطوة، لكنه لم يُفلح. حاول «حزب الله» شرح هواجسه وأولوياته. «الحزب» بالبعد الاستراتيجي يمر بفترة دقيقة وحسّاسة، حيث تشن أميركا عليه حرباً اقتصادية ومالية وسياسية واجتماعية شرسة كجزء من الحرب على إيران وأذرعها في المنطقة. وقد دخل لبنان مرحلة الانهيار نتيجة الحصار المفروض عليه، في إطار سياسة خنق «الحزب» وتجفيف مصادره المالية وقطع الطريق أمام استخدام المرافئ اللبنانية البرية والبحرية والجوية للالتفاف على العقوبات المفروضة على النظامين السوري والإيراني. وهناك حاجة لإدارة الانهيار الاقتصادي – المالي للحد من نتائجه المدمرة على الجميع، وإلى التعامل مع المجتمع الدولي للمساعدة، الأمر الذي يتطلب وجود الحريري كونه القادر على تمرير التحدي بأقل الخسائر الممكنة، نظراً لما يحظى به من دعم خارجي. وهذا يعطي «حزب الله» القدرة على كسب الوقت أشهراً عدّة يحتاجها وإيران لتبيان الكفّة التي يمكن أن تميل إليها الانتخابات الرئاسية الأميركية ومدى حظوظ عودة دونالد ترامب لولاية ثانية.

كما أن في اعتبارات «حزب الله» أن أي خطوة استفزازية حيال السنَّـة تحمل مخاطر عودة الاحتقان السني – الشيعي إلى الأرض، مما قد يُوصل إلى صدامات أمنية في البلاد، واحتمال انفلات الشارع. وهي مخاطر لا يقوى الآن على تحمّل حدوثها، ويتخوَّف من أن يُجر إليها في إطار خطة إضعافه داخلياً.

رهان «حزب الله» وحركة «أمل» على إحداث اختراق ما بعد المشاورات الآيلة حتى اللحظة إلى تسمية الحريري، إلا إذا حصلت تطورات جديدة وأعادت خلط الأوراق. الرهان على حصول اختراق ينطلق من قراءة سياسية أن باسيل بإعلانه الخروج الكليّ لتياره من الحكومة يهدف إلى تحسين شروط التفاوض اللاحق لجهة اختيار ممثلي «التيار» ما دام قضي الأمر بتسمية الحريري وجرى الإطاحة بالمعادلة الذهبية التي جهد إلى تثبيتها. هي أيضاً لعبة عضّ أصابع جديدة تدخل فيها البلاد، بما يشي أن مسار التأليف سيواجه صعوبات وعقبات عدة، ويكون طويلاً!.