IMLebanon

الشيوعي مُخترَق من “الحزب” ويعيش مرحلة مصيرية

كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:

يعيش الحزب الشيوعي اليوم مرحلة يصفها بعض حزبييه والمطلعين على حاله بالمصيرية. ففي هذه المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان يعجز الشيوعي عن إعلان مواقف سياسية واضحة، ويتجنب اتخاذ مواقف تزعج أبرز أركان السلطة التي من المفترض أنه يعارضها، أي “حزب الله”.

وتؤكد معلومات من داخل الشيوعي أن “حزب الله” تمكن من اختراق الحزب وجمع معلومات شخصية جداً عن محازبين، ويمكن استخدامها في “ليّ ذراعهم”. ويشهد الشيوعي اليوم صراعات داخله نتيجة اختلاف وجهات النظر بين من يريد أن يعلن وقوفه تحت عباءة “حزب الله” وبين من يريد عكس ذلك.

يروي أحد الشيوعيين لـ”نداء الوطن” أن حزبه ومنذ العام 2005 لم يعرف أن يتموضع سياسياً. فالانقسام السياسي في البلد انعكس داخل الشيوعي في ظل غياب برنامج عمل تحديداً عندما كان خالد حدادة أميناً عاماً. ووفق الحزبي، بدأ حينها صراع داخل الحزب “بين الجيل الشاب والرعيل القديم، فالشباب كانوا أكثر اندفاعاً وثورية من القيادة التي كانت تبيع المواقف. وباختيار حنا غريب أميناً عاماً تمكن االشباب من قلب الطاولة في الحزب”. ويرى مصدر آخر أن اختيار غريب أميناً عاماً أتى نتيجة تسوية وشكل نقطة تقاطع بين أكثر من جهة في الحزب الذي نشبت داخله الخلافات. “فهناك جهة في الحزب تريد أن تكون تابعة لـ”حزب الله” وحليفة له يقودها خالد حدادة بشكل أساسي ومعه سعدالله مزرعاني، في المقابل هناك فئة ثانية في البقاع قريبة أكثر من السوريين يقودها فاروق دحروج وآخرون. وجاء حنا غريب كنقطة تقاطع بين وجهات مختلفة في الحزب”.

انتخاب غريب بالتزكية لم يخرج الحزب من معاناته. ويعبّر المصدر الحزبي عن شعوره بالخذلان، إذ كان يأمل أن يؤدي انتخاب غريب أميناً عاماً بالتزكية ووصول شباب كفوئين وموثوقين إلى اللجنة المركزية لنتائج أفضل، لكن حال الحزب لم يتغير. “أعطينا غريب عصاً ليضرب بها لا ليتفرج عليها، لكنه حاول تدوير الزوايا”. ويتخوف الشيوعي من أن يؤدي عدم اتخاذ الحزب لموقف واضح بالحزب إلى دفع “ثمن مزدوج نتيجة الخيار بأن لا يكون مع “حزب الله” ولا ضده، كما حصل في الثمانينات عندما رفض معاداة سوريا ورفض الانحياز لها”.

مأخذ شيوعيين على حزبهم لا يختلف عن مأخذ الكثير من اليساريين الذين باتوا ينتقدون تقديم الشيوعيين “أوراق اعتماد” لـ”حزب الله” والتصرف دوماً وكأنهم متهمون بالعمالة. حتى أن مواقف “الشيوعي” باتت محط سخرية لهؤلاء. “منذ أكثر من أسبوع وحتى اليوم نظهر كأن لا عمل لنا سوى تقديم اعتماد لـ”حزب الله”، نحن قدّمنا دماً وشهداء، يؤسفني اليوم أن ينزل أشخاص للاعتداء بالبلطجة على ناس لأنها تتكلم. فمن افتعلوا المشكلة عند خيمة الملتقى، كانوا في انتفاضة ثورية ضد حدادة واليوم أصبحوا يزايدون. يتصرفون وكأنهم دائماً متهمون بالعمالة! لا أشك بمصداقيتهم جميعاً لكننا كشيوعيين ضد كل التدخّلات الخارجية، وكما تظاهرنا رداً على كلام فيلتمان كان يجب أن نتظاهر ضد كلام زاسبيكين. واليوم نحن من يتعرض لاعتداء وعلى “حزب الله” أن يقدم لنا أوراق اعتماد ويطمئننا بأن سلاحه لن يستخدم ضدنا وليس العكس”، يقول الحزبي. في هذا الإطار لا يشكك الحزبي بأمينه العام حنا غريب، لكنه يفسر موقف الأخير من “حزب الله” على أنه نابع من كون غريب، إبن رحبة العكارية، “لا يمتلك فهماً لأيديولوجية “حزب الله” وبأنهم إن أتاهم أمر بالعنف فسيمارسونه، فهو مقتنع بأن المقاومة لا تتجزأ”.

ووفق المعلومات، فبعد اعتداء “حزب الله” على الثوار في بنت جبيل، جرت اتصالات بين المكتب السياسي للحزب الشيوعي ووزير “حزب الله” في حكومة تصريف الأعمال محمود قماطي، واعتذر “حزب الله” بشكل رسمي واعترف بالتخطيط للاعتداءات التي طالت الثوار في بنت جبيل والنبطية، لكنه تنصّل من الهجمات التي حصلت في صور ومناطق أخرى. وفي هذا الإطار يربط المصدر الشيوعي بين اختلاف وهج تحرك الشيوعيين في مناطق مختلفة وتغيّر القيادة فيها. “ففي بنت جبيل حيث بقيت قيادة الشيوعي القديمة، خفتت الانتفاضة عندما تعرض المنتفضون للضرب وعادوا إلى منازلهم، بينما في صور حيث عينت قيادة جديدة بقي الثوار على الرغم من الاعتداءات”.

هذه الخلافات الشيوعية – الشيوعية تظهّرت أيضاً خلال الإنتخابات النيابية الأخيرة، حيث عجز “الشيوعي” عن تشكيل لوائح وتحالفات، حتى مع الوزير السابق شربل نحاس. فظهرت لائحة غير مكتملة في صور. انسحب مرشحو الحزب المعارضون من هذه اللائحة وأعلنوا بوضوح أنهم لن يصوتوا لها، فانقسم الشيوعيون بين من صوت للائحة المستقلة ومن صوّت لـ”حزب الله”، وهو ما حصل أيضاً في مناطق أخرى حيث يرتبط الشيوعي بالسوريين. هذه الصراعات مستمرة إلى اليوم وأثناء تحضير الشيوعي للمؤتمر الوطني المقبل. وهنا يدرك شيوعيون بأنهم أمام مرحلة ستحدّد وجه حزبهم، “فعندما أصبح غريب أميناً عاماً سألناه: هل هذا آخر مؤتمر للحزب؟ وقلنا له بأن الحزبيين خائفون على حزبهم. واليوم هناك مناخ يساري ينتقد الشيوعي ويرى بأنه يعمل على تحصيل مواقع في السلطة متجاوزاً تاريخه”.”الحركة الشبابية للتغيير” وخيمة “الملتقى”

أسس الحركة الشبابية للتغيير عدد من الأشخاص الذين طردوا من الحزب الشيوعي، بعد أن ضبطوا بتهمة التعامل لمصلحة “حزب الله”، وتسريب المعلومات له. وقام هؤلاء بجمع معلومات شخصية جداً عن أفراد من الحزب وتسليمها لـ”حزب الله”، سواء بما يتعلق بالعلاقات الشخصية أو بالأحوال المادية وحجم الديون، ويومها فصل الشيوعي هؤلاء بعد اكتشافه الخرق الكبير. فيما استقال آخرون لأسباب مرتبطة بقناعاتهم، وأسسوا سوياً “الحركة الشبابية للتغيير”. تضم الحركة أيضاً وجوهاً عفوية وصادقة يجري استغلالها من قبل المطرودين من الحزب. ويرفض أحد المنتسبين للشيوعي اعتبار أفراد الحركة شيوعيين وتحميل الحزب وزر أفعالهم، “خصوصاً أن بعض أعضائها انضموا إلى سرايا المقاومة التابعة لـ”حزب الله” بعد طردهم من الشيوعي. ومنهم من يعمل لتفتيت اليسار وتشويه سمعته. فمن ينزل ليحرق ويضرب هو جزء من النظام. بالمقابل هناك شيوعيون نزلوا وحافظوا على الساحات”.