IMLebanon

الاستخدام المفرط للقوّة محرّم دولياً

 كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:

أمطرت القوى الأمنية أمس وليل السبت الثوار في بيروت بقنابل الغاز المسيل للدموع، واعتدت عليهم بالضرب المبرح بالهراوات.
وفي ليلة القمع الطويلة، استسهلت القوى الأمنية رمي القنابل بكميات كبيرة على المواطنين من دون أي اعتبار لشروط استخدامها التي تفرضها المعاهدات الدولية أو لضررها على صحة المتظاهرين. هذا إذا ما تحدثنا عن الحاجة لاستخدامها أصلاً ضد متظاهرين يحاولون الوصول إلى ساحة عامة. وأظهرت الشرائط المصورة تعمّد القوى الأمنية التصويب مباشرة على المتظاهرين في محاولة للتسبب بأكبر ضرر ممكن، فأصيب العشرات منهم. وطرح الاستخدام المفرط لهذه القنابل السؤال عن قانونية استخدامها ضد المتظاهرين وعن أثرها على صحتهم، على الرغم من تمكنهم بإرادتهم من هزم وابل القنابل والهراوات والعودة إلى أمام مجلسهم، مجلس الشعب.

ولكن ذلك، لا يخفي وجود جهات تدفع بمندسين بين المتظاهرين للايقاع بين القوى الأمنية والثوّار، عبر رمي الأحجار على العسكريين واسقاط جرحى ما يدفع الأخيرين إلى التدخل وقمع الساحة بأكملها.

الاتفاقية الدولية تمنع الاستخدام المفرط للقوة

من الناحية القانونية، تشير المحامية ديالا شحادة لـ”نداء الوطن” إلى أن “القانون الدولي لا يمنع استخدام هذا النوع من القنابل المسيلة للدموع، إنما يمنع استخدام أي شكل من أشكال الغازات التي تؤدي إلى شلل موقت أو ضرر دائم أو مميت. فهذه الغازات غير محظورة في اتفاقية مكافحة انتشار الأسلحة الكيمائية، باعتبار أن استخدامها لا يرقى لمستوى سلاح قتالي ولا يسبب أضراراً أو يشكل أداة نزاع مسلح داخلية”. في المقابل تلفت المحامية إلى أن “الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية المدنيين وبمسؤولية الدول عن حماية المدنيين، تمنع الاستخدام المفرط للقوة”، وتشرح: “يمكن استخدام القوة لمنع حشد من المدنيين من أعمال الشغب أو الاعتداء على مؤسسات الدولة أو إلحاق الأذى البدني بعناصر مدنية أو رسمية، لكن لا يمكن استخدام القوة لإلحاق الأذى بالمدنيين، أي استخدامها بشكل متوازن”.

وترى شحادة في ما جرى بالأمس استخداماً مفرطاً لهذه القنابل، “والدليل عدد الحالات التي توجهت إلى المستشفى للعلاج، فلو استخدمت القنابل بشكل معتدل لما أصيب هذا العدد من المدنيين ولا تضرّر صحياً وتعرض إلى شلل موقت أو لإصابات قد تؤثر على السلامة على المدى الطويل”. وقد رصدت لجنة المحامين، لغاية الساعة 12 من ليل السبت، 30 إصابة ضمن المتظاهرين الذين نقلوا الى المستشفيات نتيجة الاعتداء عليهم. بينما أعلن الدفاع المدني انه نقل 36 جريحاً الى المستشفيات وعالج 54 إصابة. ووفق شحادة فإن بعض الدول الأوروبية حظرت استخدام قنابل أو أسلحة كيميائية أياً كان نوعها بما في ذلك القنابل المسيلة للدموع ضد المدنيين. كما كشف المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان أن 56 جريحاً من عناصر قوى الأمن سقطوا جراء أحداث السبت.

لا دراسة لفعالية البصل والبيبسي

في حديث إلى “نداء الوطن” تشرح الاختصاصية في طب الطوارئ وعلم السموم، الدكتورة ثروت زهران، أن هذه القنابل تحتوي على بودرة تتبعثر في الهواء بعد إطلاقها، فتبدأ العوارض بالظهور على متنشقيها بعد نحو 20 إلى 60 ثانية، وتسبب إحمراراً بالعين وغباشاً في النظر وتساقط الدموع، وقد تتأذى القرنية أحياناً، كذلك قد يعاني المصاب من حريق واحمرار في الجلد وضيق في التنفس. ووفق زهران فإن حدة هذه العوارض وظهورها تختلف بحسب كمية الغاز التي يتعرض لها المصاب وحالته الصحية، إذ يعاني المصابون بأمراض الرئة والربو والمدخنون أكثر من غيرهم. كذلك فإن بعض العوارض قد تستمر إلى أكثر من 12 ساعة لدى من يعانون من أمراض معينة. بينما وفي الحالة الطبيعية تستمر بين نحو نصف ساعة إلى ساعة، حيث تتبخر المواد وتنتهي العوارض.

وتؤكد زهران أن “الغاز المسيّل للدموع غير قاتل، لكنه وفي حال استخدم في مكان مغلق قد يسبب حالات اختناق. أما الخطورة فتكمن في استخدام القنابل وتصويبها مباشرة على الوجه أو الرأس”، وهنا تشدد على وجوب إطلاقها من مسافات بعيدة. وبينما شكل انتهاء صلاحية القنابل المستخدمة مادة للسخرية واعتبره البعض مؤشراً على حجم الفساد، تلفت الطبيبة إلى أن “فعالية القنابل تتراجع بعد انتهاء مدة صلاحيتها”. وفي حين ينصح المتظاهرون بعضهم بإجراءات كتنشق البصل والخل وغسل الوجه بالمشروبات الغازية عند التعرض لهذه الغازات، تؤكد المتخصصة في علم السموم أن “لا دراسات علمية تثبت فعالية هذه الإجراءات”. وتنصح زهران المصابين بالغازات بـ”الابتعاد عن موقع سقوط القنابل، وخلع ما يمكن من الملابس، والاغتسال بالمياه المعقمة. كما يمكن استخدام طساسة الفانتولين لتفتيح الرئتين واستنشاق الهواء”.