IMLebanon

الحريري – دياب: الفرصة… مقابل الزعامة

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

تستحضر ظروف اللقاء بين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ورئيس الحكومة المكلّف حسّان دياب ضمن جولته التقليدية على رؤساء الحكومات السابقين، ذلك اللقاء الشهير الذي جمع الحريري بالرئيس نجيب ميقاتي حين كلف الأخير برئاسة الحكومة في العام 2011. يومها لم يحتج المضيف الإكثار في الكلام، لأن وجهه المتجهّم كان أصدق تعبير… بينما الصورة الملتقطة أمس بعدسات المصورين للقاء بيت الوسط، بدت جداً مختلفة.

لا بل أكثر من ذلك. تشي النداءات المتكررة لرئيس “تيار المستقبل”، المرئية والمسموعة والمكتوبة، والتي واظب على اطلاقها خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، بأن الرجل لا يتحضّر لإشعال حطب “الثورة” بوجه المكلّف الجديد الآتي من العالم الأكاديمي. أقلّه حتى اللحظة. بانتظار جلاء المشهدية المحيطة بموقف الحريري تجاه سيناريو ترئيس حسّان دياب.

ولكن قبل الغوص في حيثيات سلوك رئيس حكومة تصريف الأعمال وخلفياته، لا بدّ أولاً من استعادة شريط التكليف بما تضمنه من “فخّ” كان يجري الاعداد له، وفق قوى الثامن من آذار، تحت عنوان تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة.

وفق معطيات وضعت على طاولات مسؤولين في قوى الثامن من آذار، فإنّ مشروع ترشيح سلام، كان يتمّ التحضير له بجدية، ليشكّل منافسة معنوية بوجه ترشيح دياب، حيث تبيّن أنّ “القوات” حاولت التنسيق مع الرئيس فؤاد السنيورة لاقناع الحريري بالسير في هذا المشروع. صحيح أنّه لن يتخطاه بعدد الأصوات، ولكن كان يراد للسفير السابق أن يحقق مشروعيتين: مشروعية طائفته بنيل معظم أصوات النواب السنة، ومشروعية الشارع من خلال تشجيع الحراك على نبذ دياب. أما الهدف فيتلخّص بعودة اصطفاف 8 و14 آذار.

لكن الحريري الذي يتهيأ للخروج من السراي، لم يبد حماسة لمشهدية تحوّل سلام إلى “مرشح السنّة” وهو الذي يمثل مشروعاً سياسياً قد يشكّل على المدى البعيد خطراً على الحريرية السياسية، ففضّل رئيس حكومة تصريف الأعمال منح حسّان دياب، فرصة، ولو “دخانية”.

هكذا، عبر حسّان دياب معمودية التكليف. لكن مشوار التأليف أكثر صعوبة وتعقيداً، وعليه عبور ثلاثة اختبارات قبل دخول السراي الحكومي:

 

– اختبار ردّة فعل الشارع السني،

– اختبار ردة فعل الحراك الشعبي،

– اختبار ردة فعل المجتمع الدولي.

“حزب الله” الذي تولى خلال الساعات الأخيرة، رصد المستويات الثلاثة، يميل إلى النظر بايجابية إلى مسار التأليف، وفق المطلعين على موقفه. إذ إنّ ردة فعل الشارع السني مقبولة وضمن المتوقع ويمكن تطويقها ومنع انفلاتها، وهذا مؤشر ايجابي بالنسبة لداعمي مساعي دياب للتأليف. الانطباع نفسه ينطبق على ردة فعل الحراك الشعبي الذي يبدو أنّه مقسوم بين متقبّل ومعترض، ومن يفضل منح الرجل فرصة كونه لم يأت من المنظومة السياسية التقليدية.

أما ردة فعل المجتمع الدولي، فهي التي تثير استغراب قوى الثامن من آذار. إذ على الرغم من مسارعة الاعلام الغربي إلى وصف دياب بالأكاديمي المدعوم من “حزب الله”، غير أنّ البارز حديثاً هي التصريحات الاستيعابية التي أطلقها وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل، والذي نفض يدي بلاده من دور “في تحديد من يتولى رئاسة الحكومة أو تشكيلها”، داعياً إلى “ترك المصالح الحزبية جانباً والعمل من أجل المصلحة الوطنية، ودفع عجلة الإصلاحات وتشكيل حكومة تلتزم وقادرة على إجراء تلك الإصلاحات”.

بنظر هؤلاء، فإنّ الإدارة الأميركية انتقلت إلى الخطة “ب” بعدما انتزعت قوى الثامن من آذار ورقة استشارات التكليف وصار للبنانيين رئيس حكومة بمعزل عما سيواجهه من عراقيل قبل دخوله السراي. وقد انتقلت “المواجهة” إلى المرحلة الثانية، المتصلة بالتأليف. وهنا العين على سلوك الحريري.

وفق قوى الثامن من آذار، ستكون القواعد التي عرضت على كل من بهيج طبارة، وسمير الخطيب وحتى الحريري هي نفسها التي ستحكم مساعي دياب للتأليف، وحتى بدرجة أقل من التسهيل. فيما التحدي الأبرز الذي سيواجهه رئيس الحكومة المكلف، فهو في مجال اختيار الأسماء السنية التي ستجلس الى طاولته لتشكّل صدمة ايجابية في الشارع السني أولاً وفي الحراك الشعبي ثانياً.

بهذا المعنى، يصبح اصراره على تأليف حكومة اختصاصيين مستقلين ملفتاً، خصوصاً أنّ القوى السياسية الداعمة له تحرص على التأكيد على بقائها خارج جنّته لمصلحة أصحاب الاختصاص.

أما بالنسبة إلى “تيار المستقبل”، فتميل قوى الثامن من آذار للإشارة إلى أنّ الحريري سيكون داعماً لحكومة دياب لقناعته أنّها حكومة انتقالية بمهمة موقتة، لا يشكّل رئيسها خطراً على حضور الحريري الشعبي ولا على قواعده ولا على موقعه السياسي. ولذا لا مانع من مساعدته في محاولاته لوقف الانهيار الحاصل.