IMLebanon

انتفاضات أهل السلطة وانتفاضة اللبنانيين

كتب طوني فرنسيس في “نداء لوطن”:

لم يحصل تغيير جدي في المعنى السياسي الاجتماعي والاقتصادي عبر كل محطات الصراع التي شهدها لبنان في تاريخه الحديث.

في العام 1952 تشكلت الجبهة الوطنية الاشتراكية ضد الرئيس بشاره الخوري لمنعه من التمديد لعهده. انقسم سياسيو الحكم بين موال ومعارض، وأضاف المعارضون نكهة اجتماعية اشتراكية على خطابهم بمشاركة كمال جنبلاط في جبهتهم، ثم انتهوا إلى اختيار كميل شمعون رئيساً للدولة بوصفه “فتى العروبة الأغر”.

لم يتحقق تغيير في عمق التغيير الرئاسي. فقط حصل “تداول” في مراكز القوى داخل السلطة، وتكرر الأمر عينه في نهاية ولاية شمعون. انقسم ذوات البلد بين معارض وموال في الموقف من التمديد، تلك الآفة التي تصيب الرؤساء اللبنانيين في كل آن وحين… وكان لا بد من نكهة وطنية وعروبية تضفى على تحرك المعارضين، فصارت المعركة فصلاً من حرب جمال عبد الناصر والمعسكر الاشتراكي ضد أحلاف بغداد والسنتو ( ايران كانت فيها). انتصر المعارضون، الا ان من أضاف معنى إيجابياً للعهد الجديد لم يكن واحداً من المتصارعين او خريج أحد متاريسهم. أدى التوازن المحلي والاقليمي والدولي الى ابتداع شعار “لا غالب ولا مغلوب”، ومعناه تعديل توزيع الحصص من دون المساس بالمواقع العميقة للسلطة، واختير فؤاد شهاب قائد الجيش رئيساً جديداً، فذهب في مشروعه لبناء الدولة أبعد مما كان يطمح اليه اصحاب التسوية بشعارها الآنف الذكر.

الحرب اللبنانية اللاحقة ( 1975- …) لم تخرج في جوهرها عن تعديل الحصص بين مراكز القوى. وتمثلت هذه المراكز بالزعامات الطائفية مباشرة ومن دون وسيط. مات البرنامج الاصلاحي للحركة الوطنية على ضفة التأجيج المذهبي، وانهى الاستخدام الإقليمي الاسرائيلي والسوري ثم الإيراني معناه ووجود رموزه، وفِي الختام كرس اتفاق الطائف توازنات سيديرها الأجنبي ان كان حاضراً او وكيله المسلّح والاقوى نيابة عنه.

للمرة الاولى طرحت انتفاضة 17 تشرين، ولا تزال تطرح، محاولة من خارج السياقات السابقة. لم تستعن بفريق في السلطة ضد فريق آخر، ولَم تحاول بناء جبهات وطنية واشتراكية وخلاصية…

وتمكنت الى حد كبير من زعزعة البناء السلطوي القائم، الا انها تجد نفسها عاجزة عن منعه من تجديد نفسه والتمديد لسلطته. هل يستدعي هذا التحليل وجوب البحث عن خيارات جديدة لهبة اللبنانيين، وما هي هذه الخيارات، وما شروط إنضاجها؟ وهل تكتفي الانتفاضة بأنها حققت هدفاً لا فضل لها فيه، وهو اخراج سعد الحريري من السلطة؟ أم ان النجاح رهن ايضاً بتقليد السلطة في ممارساتها، فهي عندما تشعر بالخطر تجمع أقصى التناقضات لحفظ مواقعها، وعلى الانتفاضة في المقابل ان تفكر على النحو نفسه.