IMLebanon

تدافع طائفي لتخزين المواد الضرورية

كتب أحمد الأيوبي في صحيفة “نداء الوطن”:

 

ما يؤكد قساوة المجاعة التي ضربت لبنان بين العامين 1915 و1918، وما نتج عنها من أمراض، وجود صور نادرة التقطها حينها المدير العام للجمعيات الخيرية بجبل لبنان، إبراهيم نعوم كنعان، واحدة لامرأة نحيلة برزت عظامها، وكانت تتناول قطعة خبز، وصورة أخرى لجثث هزيلة ملقاة على الأرض، وهو ما وصل صداه في 1916 إلى جبران خليل جبران، المقيم مهاجراً ذلك الوقت في الولايات المتحدة فتأثر بما علم من نكبة كبرى حلت بلبنان، فانكبّ وكتب قصيدته الشهيرة «مات أهلي» التي استمدت فيروز بعض عباراتها لتضيفها إلى ما أصبح أغنية «يا بني أمي» الشهيرة.

تتواتر الأنباء عن إستعداداتٍ متسارعة تقوم بها القوى السياسية والقيادات في المناطق اللبنانية لتوفير الأمن الغذائي للشرائح التي تمثلها أو تعتبر نفسها مسؤولة عنها، لتخفيف وطأة أزمةٍ معيشية إنسانية بدأت أشباحـُها تحوم فوق لبنان، بينما يغرق البلد في فوضى سياسية عارمة يتنازع فيها أركان الطبقة الحاكمة «أسماء رؤساء الحكومات»، واللبنانيون محاصرون بكل عناصر الخراب والإنهيار، بما يهدّد الكيان، وسط إستمرار العواصف الإقليمية المحيطة، والصراعات الدامية، من سوريا إلى العراق، ومن اليمن إلى ليبيا..

قوى «المتاريس الغذائية»!

عملت القوى السياسية الكبرى على الإستعداد بصمتٍ وحذر لصيانة بيئاتها الحاضنة، بدون الإعتراف العلني بحقيقة الأزمة الخطرة، التي ينتظر وقوعها، وفي هذا السلوك مؤشرات إصرارٍ على الأنانيات الضيقة وعلى المقاربات المذهبية والمناطقية، بعيداً عن المعالجة الوطنية الجامعة، لكارثة ستطال جميع اللبنانيين، من مختلف البيئات والأديان والمناطق.

فعندما يعمد هذا الحزب أو ذاك، إلى تعبئة محازبيه ومناصريه وأبناء مناطقه التي يسيطر فيها عبر إجتماعاتٍ مغلقة، وتوجيههم لإتخاذ إجراءاٍت وتدابيرَ إحترازية، تبدأ من تخزين المواد الغذائية ولا تنتهي بالتوجيه نحو الزراعة وتسريع خطوات الإكتفاء الذاتي على الصعيد الغذائي.. نكون أمام قوىً لم تعلّمها الحرب شيئاً، وهي تبدو وكأنها باشرت إقامة «المتاريس الغذائية» تمهيداً لكلّ أنواع المتاريس الأخرى.

والسؤال هنا: هل يُعقل أن يجوع أهل منطقة لبنانية ويشبع أبناء منطقةٍ أخرى؟

مؤشرات «المجاعة».. عند «حزب الله»

مبكراً بدأ «حزب الله» يهيّئ قاعدته لمواسم الجدب العجاف، وباشر الجيش الالكتروني لـ«حزب الله»، إطلاق حملاتٍ لتشجيع الجنوبيين على استثمار أراضيهم، فإنطلقت حملات على غرار «بيادرنا مقاومة» لا سيما في مناطق بنت جبيل ومرجعيون، التي يدير الحزب معظم بلدياتها.

كما عمد الحزب إلى إستقدام كميات من المواد الغذائية المهربة، وبيعها في أسواق الضاحية والجنوب والبقاع بأسعارٍ مخفـّضة، في محاولةٍ منه لتهدئة القلق الواسع الذي يجتاح الشارع الشيعي، جراء الأزمة المتفاقمة وما يحصل في المصارف وتداعياته على الحركة المالية والإقتصادية.

لكن الأكثر مدعاةً للإنتباه، هو ما قامت به بلدياتٌ عدة في الجنوب بالتعاون مع حملاتٍ من المتطوعين بحراثة وزراعة بعض الاراضي بما يمكن زراعته كالقمح وخضروات (بقدونس، كزبرة، روكا، سلق، هندبة)، وبعض المساحات الأكثر اتساعا كانت للحبوب كالفول والبازيلا والعدس والحمص، بشكل رئيسي وغيرها من الحبوب التي يمكن زراعتها في الجنوب.

وكانت بلدية رب ثلاثين، وهي بلدة نائب حزب الله حسن فضل الله، وبلدية مركبا وسواها من البلديات التي توجد فيها مساحات واسعة للأراضي صالحة لزراعة هذه الأنواع (قمح – عدس – حمص).

كما أطلقت بلدية عيناثا القريبة من مدينة بنت جبيل مشروع زراعة الأراضي البور، التي لا يستخدمها أصحابها وليسوا بحاجة إليها، وتجاوزت المساحة المستصلحة مئة دونم، على ان تقوم البلدية بزراعتها واستخدام معداتها (جرارات زراعية) وتأمين البذار، ليصار بعدها إلى حصاد المحاصيل وتخزينها، والتصرف بها من جانب البلدية، وفق مقتضيات الحاجات الغذائية.

و«أمل» تتحرك بقاعاً

أما في البقاع، وفي معلوماتٍ خاصة، فقد نشطت قيادات حركة أمل في التحرك لإستثمار الحدّ الأقصى من الأراضي الزراعية، حيث يقوم مسؤولون في الحركة بجولات واسعة على أصحاب الأراضي والمزارعين، ويقومون بضمان مساحات واسعة، مع تقديم المساعدات اللازمة لتأمين محصول متنوع، يجري إقتسامه بين أصحاب الأرض والضامنين من مسؤولي الحركة، تحت ذريعة توفير الأمن الغذائي.

جنلاط: تأمين الجبل غذائياً

أما النائب السابق وليد جنبلاط فقد دأب على شراء وتخزين كميات كبيرة من الحبوب، وأفادت آخر المعلومات أنه إشترى باخرة قمح قادمة من الصين تكفي لصناعة الطحين لأهل الجبل لأكثر من عام، فيما بدأت عملية توزيع حصصٍ غذائية في منطقة عالية وجوارها من جميع الاتجاهات السياسية للحفاظ على تماسك بيئته الحاضنة له وللحزب الإشتراكي.

وتكثفت جهود القيادات الإشتراكية، حيث باشر الناشطون الحزبيون إجراء مسحٍ سكاني وإجتماعي، مع «شدشدة» المفاصل الحزبية لمواكبة المرحلة.

الكنيسة المارونية

أما بكركي، فإنها عمّمت على أبرشياتها جملة إرشادات تتعلق بالتكافل الإجتماعي في ظل الأزمة المتفاقمة، ولم تنف كل ما جاء في عظة أحد كهنة أبرشية صيدا المارونية التي ألقاها في رعيته، وتحدث فيها عن إجراءات الكنسية لمواجهة المجاعة المتوقعة، وجاء في التوضيح أن وسائل التواصل الإجتماعي «تداولت بعض المواقف والكلام المنسوب إلى البطريركية المارونية والبطريرك، وأخرى تتعلق بما يجري من أحداث في لبنان وكيفية معالجتها والتعاطي معها». وأوضحت أمانة سر أبرشية صيدا، في بيان، أن «ما أعلنه الكاهن المذكور لا علاقة لبكركي ولا لسيدها به، كما إن المواقف التي أطلقها تنبع من حماسته وغيرته الراعوية لتنبيه أبناء رعيته من أجل التضامن كجماعة كنسية في مواجهة أي أزمات قد تستجد على الصعيد الاجتماعي، لكن على ما يبدو قد استفاض في التوصيف وفهم كلامه في غير محله».

لكن المتابعين يستذكرون التوضيحات التي موقف البطريرك الراعي عندما أعلن في 22 آذار 2018 من بعبدا بعد لقائه رئيس الجمهورية عندما أعلن أن «الرئيس عون أكد لي أنّ لبنان مفلس»، ليتضح لاحقاً أن التوضيحات كانت سياسية، وأن الحقيقة المؤلمة أن البلد حقاً مفلس.

تسمية دياب: تمهد الطريق للكارثة

رغم إقرار الجميع بخطورة الوضع في البلد إقتصادياً، ورغم نزول الناس منذ 65 يوماً إلى الشارع، إلا أن أحزاب الطبقة الحاكمة ما زالت تتصرف وكأن الوضع طبيعي، فيواصلون العمل على إقتسام الغنائم الحكومية، ويكملون مسيرة التلاعب بمصير البلد، فيتجهون نحو حكومة اللون الواحد، برئاسة حسان دياب، التي يبدو أنها ستعبّد الطريق نحو وقوع لبنان تحت الحصار، وفي وجهها وعلى عاتقها سيقع الإنهيار، ليبدأ بحث اللبنانيين عن نهضة الفينيق من جديد، بعد دفن طبقة الفساد وتحرير البلد من ربقة السلاح ليعود لبنان إلى طبيعته وأساسه وطناً ورسالة.