IMLebanon

عشية الأعياد طرابلس تئن

كتبت ساندي الحايك في “نداء الوطن”:

 

في الأسبوع الأخير قبل الأعياد، لم يتغيّر وضع طرابلس كثيراً عن الأيام السابقة، تبدو مدينة متروكة رهينة ثلّة من الزعران حوّلوها إلى محلّة مهجورة، تواجه وحيدة مصيراً مجهولاً.
لا حركة أعياد في شوارع طرابلس. الزينة هنا تتسوّل المارة للنظر إليها أو التقاط الصور بجانبها. شارع عزمي الذي كان يضج بالحياة وزحمة المارة شبه فارغ، يشكو وحدته لأصحاب المحال التجارية الذين يئنون من خسارة وديون تتراكم فوق أكتافهم وتُهدد لقمة عيشهم. فبحسب رئيس جمعية تجار شارع عزمي طلال بارودي “تراجعت نسب المبيع في الأشهر الثلاثة الأخيرة بين 70 و80 في المئة، وهو معدل لم يسبق أن سُجل حتى في أصعب مراحل الاقتتال التي مرت في تاريخ المدينة”.

ويكشف بارودي أن “حوالى 50 مؤسسة ومحلاً تجارياً أقفل في شارع عزمي ومحيطه، وهذا العدد مرشح للارتفاع في الأيام المقبلة ولا سيما بعد عيد رأس السنة”، مشيراً إلى أن “السبب الأساسي في مضاعفة الأزمة يتمثل في حجز أموال المواطنين من قبل المصارف. إن هذا الأمر أدى إلى تضخم في السوق ترافق مع تجفيف للسيولة في أيدي الناس، فضلاً عن أزمة الدولار التي جعلت الليرة اللبنانية فاقدة للقيمة الشرائية”، مضيفاً أن “الهلع لدى الناس هو نفسه لدى التجار الذين بدأوا يفقدون الأمل بأي تطور أو تحسن في المدى المنظور”.

أصبح الركود التجاري والاقتصادي في المدينة واقع ملازم لتجارها، وقد زادت وطأته مع قطع الطرق المستمر في المدينة منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول، حيث عُزلت طرابلس بشكل شبه كامل عن محيطها، وباتت كالجزيرة المنفية. فقطع الطريق في محلة البالما منع أهالي البترون وشكا من زيارة “أم الفقير” في هذا الموسم، فمن المعروف أن هؤلاء يرتادون المدينة للتبضع نظراً لتوافر سلع أقل ثمناً من تلك الموجودة من مناطقهم. كذلك، إن قطع الطريق في منطقة البداوي أعاق وصول أبناء دير عمار والمنية والضنية إليها. أما بالنسبة إلى أبناء عكار، فالوضع أكثر سوءاً إذ بات عليهم المرور بمشوار مضنٍ للوصول إلى عاصمة الشمال إثر قطع الطريق المستمر في ساحة حلبا ومناطق عكارية أخرى. ووفق بارودي إن “الضنية والمنية وعكار هي خزّان طرابلس الاقتصادي، فمعظم المبيعات تأتي من سكان تلك المناطق الذين يتبضعون من أسواق المدينة”.

الازدياد المضطرد في عدد المحال التجارية المهددة بالإقفال سيؤدي إلى ارتفاع إضافي في حجم البطالة والفقر في المدينة،التي تئن أصلاً من نسبة العاطلين من العمل التي قاربت مستويات خطيرة.

قد لا تختلف معاناة طرابلس عن معاناة سائر المدن اللبنانية الأخرى على صعيد الركود الاقتصادي بصورة عامة، فالأزمة السياسية في البلاد وحجم التضخم وندرة السيولة في أيدي الناس، دفع السواد الأعظم من المواطنين إلى الاكتفاء بشراء الضروريات فقط والاستغناء عن أشياء أخرى كثيرة. إلا أن لطرابلس واقع مختلف لأنها المدينة الأكثر حرماناً على امتداد الوطن. وفي جولة على أسواق طرابلس ينطق لسان تجّارها بحال واحدة. تتكرر كلماتهم عن المعاناة المشتركة والظروف الضاغطة. يقول محمد قدوري، صاحب أحد المحال التجارية في شارع عزمي أن “الواقع اليوم بات ضاغطاً أكثر من قدرتنا على تحمله، وكلما راهنا على موسم ما لنتنفس ونتخلص من جزء من ديوننا نتفاجأ بأنه أصعب وأكثر وطأة علينا من المواسم السابقة”، موضحاً أن “الرهان في بلدنا يبدو خاسراً وسط أزمات تتصاعد شيئاً فشيئاً من دون أي بوادر لحلول في الأفق”.

متى تعود الدولة إلى طرابلس؟ يتساءل أحمد سقال، صاحب محل لبيع ألبسة الأطفال في ساحة التلّ. يقول: “منذ العام 2012 تُغدق الوعود على طرابلس بمشاريع إنمائية وتجارية من شأنها رفع الظلم عنها وتحريك الدورة الاقتصادية فيها، ولكن جميعها بقيت حبراً على ورق. فإلى متى هذا التجاهل للمدينة وأهلها؟ وإلى متى ندفع نحن الثمن الأعلى كلفة للخلافات السياسية بين الزعماء والسياسيين؟”.

ويفضل أصحاب المحلات والمؤسسات التجارية الإحجام عن استيراد البضائع نتيجة سوء الأوضاع الحالية وعدم قدرتهم على تصريفها، لا سيما في ظل توقف حركة البيع بشكل كبير رغم التنزيلات والإغراءات التي تقدم للزبائن.

الأجواء الاحتفالية غائبة

عيد بأي حال عدت يا عيد. جملة تختصر حال طرابلس، فالمدينة التي كانت تضرب في السنوات السابقة مواعيد مع احتفالات متنقلة بين معرض رشيد كرامي الدولي والرابطة الثقافية ومركز الصفدي الثقافي، تستقبل العيد هذا العام وهي متشحة بسواد غبار الإطارات المحروقة في غير مكان. لم يفتح المعرض هذا العام أبوابه للزوار على غرار السنوات السابقة حيث كانت تُنظم أيام ميلادية تشهد فيها المدينة سلسلة من النشاطات الترفيهية على وقع أنغام ميلادية وعروض مبهجة للصغار وألعاب تومبولا. كما كان المعرض يضج بسوق الأكل الميلادي حيث يُشارك العديد من المحال المتخصصة في طرابلس ويقدمون مأكولاتهم ومنتوجاتهم الخاصة، ولا سيما الحلويات الشرقية التي تعتبر طرابلس المدينة الأشهر في تقديمها. كذلك بالنسبة إلى مركز الصفدي الذي كان مسرحه يضج بتصفيق الطرابلسيين الذين يؤمونه للمشاركة في راسيتال ميلادي تُقدمه مجموعة من الجوقات بمشاركة عدة فنانين لبنانيين. غابت الأجواء الاحتفالية عن المدينة وكرّست الواقع القاتم فيها، حيث يُحرم أبناؤها من أي متنفس مُبهج قد يُساعدهم على تجاهل همومهم الكثيرة ولو للحظات، والشعور بفرح العيد.