IMLebanon

إطار دياب الوزاري على حافة الانهيار الكبير!

ماذا يعني الإشتباك الرئاسي حول الحكومة؟ وهل يرتبط، فقط بالمصالح والمكاسب الداخلية، أم أنه جزء متفرّع أو متصل، بمجرى الإشتباك الاقليمي- الدولي حول تحولات الجيوبوليتكا في الشرق، من أدناه إلىأقصاه، وبالعكس، ووسطه، أي الشرق الأوسط، أو ما يعرف بغرب آسيا وشمال أفريقيا؟

تدلّ الوقائع، قبل المعلومات أن الاشتباك اللبناني حول الحكومة، التي تعددت أوصافها قبل أن ترى النور، وربما قد لا ترى النور، أن الأصل، في ما يجري انهيار الإستقرار النقدي والسياسي، والحكومي جاء في لحظة زمنية، كان فيه الاشتباك الإيراني- الأميركي الظاهر للعيان، والإشتباك التركي- العربي، الذي أصبح إحدى حقائق الجيو-سياسية الجديدة من آسيا إلى ليبيا، في استعادة لمشهدية السلطان العثماني والخديوي المصري، وتفكك الإمبراطورية المريضة، والجهود لنشأة دول الخليج العربي التاريخية، كالمملكة العربية السعودية والعراق، واليمن، وسائر مجموعة اتحاد التعاون الخليجي أو مجلس التعاون الخليجي.

يعني الاشتباك الرئاسي، في أبسط تعبيراته، رفض الرئيس ميشال عون التشكيلة التامة والناجزة للرئيس المكلف حسان دياب، وبالتالي توجيه ما يشبه الضربة القوية لما وصفته أوساط دياب بجهود الأسابيع الثلاثة الماضية، على تكليفه في 19 ك1 2019، تأليف حكومة جديدة.

وذهب «المنظر الدستوري» لفريق الرئاسة الأولى، وتيارها «الوطني الحر»، والذي يعترض على تمثيله مجدداً في الوزارة، التي ألفها دياب، إلى إصدار مطالعة، بتسمية «إذاعة بيان» ردَّ فيه على الرئيس المكلف دياب بوصفه العامل أو المكلف «بتأليف الحكومة» لجأ في البيان إلى ايراد النصوص الدستورية في المادتين (53) صلاحيات رئيس الجمهورية والـ64 صلاحيات الرئيس المكلف، يخلص إلى التوسع في استنتاج صلاحيات الرئيس لجهة ان الصلاحيات تجعل من رئيس الجمهورية مبادراً في عملية التسمية، ومكملاً لها وشريكاً اساسياً فيها من التأليف أو الإعتذار.

ويذهب جريصاتي في الاشتباك إلى مدى أبعد بإعلان ان «رأي وقرار الرئيس وازنان في التشكيلة الحكومية»، بل انهما حاسمان بالمفهوم الدستوري، ليخلص ان «رئيس الجمهورية ليس ساعي بريد أو صندوق اقتراع في عملية التكليف وتسميته»، داعياً للتوقف عمّا أسماه «حرب صلاحيات ومهاترات وبكائيات»، رافضاً ان تكون رئاسة الحكومة، التي هي من «أحجار الزاوية في النظام الدستوري اللبناني» مكسر عصا…

قد تكون مسألة «مكسر عصا» التي طرحها الرئيس المكلف، في بيانه ليل الجمعة- السبت الماضيين، من انه لن «يرضخ للتهويل» ولن «أقبل أن تصبح رئاسة الحكومة مكسر عصا»، معلناً عزمه على مواصلة «مهمتي الدستورية لتشكيل حكومة تنسجم مع الإطار العام المتفق عليه…».. في ضوء لاءات ثلاث: «لن أرض للتهويل»، ولن «اتقاعس عن استكمال مهمتي»، ولن أقبل أن «تصبح رئاسة الحكومة مكسر عصا»، تقتضي العودة إلى النصوص الدستورية الناظمة لصلاحيات التأليف..

تضع الفقرة «2» من المادة 64/و/ المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 الإطار الدستوري، المفهومي والإجرائي لصلاحيات رئيس مجلس الوزراء، وهي تنصّ: «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، وعلى الحكومة ان تتقدّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيل الثقة إلَّا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال…»، وذلك قبل نيل الثقة، أو بعد الاستقالة أو اعتبارها مستقيلة..

 

بداية، لم تعد الحكومة حكومة رئيس الجمهورية، فتعديلات الطائف، نسخت النص السابق للمادة 53. وكان نصه: رئيس الجمهورية يعين الوزراء، ويسمي منهم رئيساً ويقيلهم…».. وحلَّ مكانه النص في الفقرة «2» من المادة 53: «يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها»..

من النصوص المعنية بمسألة الصلاحيات هذه يتضح:

1 -ان رئيس الحكومة أصبح في وضعية مستقلة عن رئيس الجمهورية، فالكتل النيابية هي التي تسميه، وليس الرئيس، فمن الممكن ان يكون الرئيس الذي يلزم الدستور رئيس الجمهورية بتسمية غير متفاهم أو متوافق مع رئيس الجمهورية مثلاً.

وعليه، لا يُمكن ان تكون حكومة رئيس الحكومة هي حكومة العهد، كما دأبت أوساط التيار الوطني الحر ان تروّج، منذ انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية..

هذا أولاً، وثانياً، ان الرئيس المكلف، هو الذي يجري الاستشارات النيابية بهدف محدَّد: هو تأليف الحكومة، التي يتعين ان تكون، وفقاً لرؤية الكتل، وما تصبو إليه، سواء على صعيد الأشخاص، أو البرامج، أو التمثيل أو أي شأن آخر..

ثالثاً: المسار الطبيعي، صدور المراسيم، بتوقيعين: الأوّل لرئيس الجمهورية باعتبار ان الدستور خوله حق التوقيع، وثانياً لاستكمال دورة العمل المؤسساتي.. السؤال: كيف تجري عملية التوقيع الأولى، وليس الثانية، (أي توقيع رئيس الحكومة)؟ هل هي مسألة تلقائية أم مسألة سلطة وقرار، قبول أو رفض.. التجربة دلت على أن التوقيع، بما هو صادر عن سلطة، أو حق دستوري، سلطوي، يرتبط بالقبول أو الموافقة، أو ما اعتبره اللبنانيون، بلغتهم اليومية «الحصة الرئاسية»، ولم يخرج عن هذا الاعتبار أي رئيس جمهورية منذ الطائف إلى اليوم.

إذاً، ما الجديد؟

الجديد، في تبدُّل النظرة: الفريق المسيحي- الذي اوصل العماد عون إلى الرئاسة الأولى: يعتبر التوقيع على مراسيم الحكومة فضلاً عن كونه، حقاً، دستورياً، إجرائياً، يعتبره حقاً ميثاقياً، لذا فالرئيس يعتبر نفسه المعني بالتمثيل المسيحي، مع الحق بالفيتو، أو عدم توقيع مراسيم الحكومة..

هذا ما يحصل الآن مع الرئيس المكلف دياب، وهذا ما حصل قبل ذلك مع الرئيس سعد الحريري، الذي بلغت معه مرحلة الاستياء، مما كان يصفه بالسطو على صلاحياته، ان حدث الطلاق الكبير مع رئيس الجمهورية، ومع التيار «الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل، الذي تحدث في «مكان ما» عن ان لا عودة للتعاون مع الرئيس الحريري، ولا بأي شكل من الأشكال!! (طبعاً على حدّ تعبير مصادر المعلومات).

وفقاً للمجتهد الدستوري المتوسّع جريصاتي، فالرئيس ليس «باش كاتب» ووفقاً لبيان دياب المشار إليه فرئاسة الحكومة ليست مكسر عصا..

إذاً، المسألة مسألة صلاحيات، أم مسألة سياسات؟

عندما يعلن الرئيس المكلف عن إطار حكومته: مصغرة من 18 وزيراً ووزيرة، فصل النيابة عن الوزارة، أي لا نواب وزراء، حكومة اختصاصيين غير حزبيين، أي لا حزبيين في الحكومة، مشاركة وازنة للمرأة، إلغاء منصب «وزير دولة»، عدم مشاركة وزراء حكومة تصريف الأعمال التي اسقطها الحراك الشعبي».. هذا يفترض السؤال: هل الكتل التي استشارها طالبة بوضع هذا الإطار؟

هو يجيب بـ «لا»، معلناً في ما نشر على «التويتر»، وتولى قراءته، والكشف عنه المستشار الإعلامي لديه الزميل خضر طالب، عبر الـ «L.B.C.I», «تم الاتفاق منذ البداية مع الأفرقاء كافة، عليه..

إلَّا أنَّ الوقائع خلاف ذلك، فلا يُمكن للكتل ان تلغي نفسها. فهل حزب الله لا يريد التمثيل بحزبي مثلاً أو أي طرف آخر.. وكذلك «امل» والتيار العوني، وأحزاب 8 آذار، كالمردة والطاشناق وغيرها؟!

إن إطار حكومة الوزير دياب، الذي انطلاقاً منه، وضع مسودة حكومته، التي نامت في ادراج قصر بعبدا، واعقبت الحركة الكلامية، السياسية، بعنوان دستوري، مسبوقة بموقف تشاؤمي من الرئيس نبيه برّي، يعني صداماً مباشراً مع الطبقة السياسية التي لا تواجه دياب وحسب، بل هي تواجه وضعاً سياسياً، مالياً ونقدياً مأساوياً، كشفه أو عمقه، الحراك الشعبي، تحت عناوين «الثورة» والانتفاضة.. مع دفع البلد إلى حافة «الانهيار الكبير»، بدل «إنقاذ لبنان» كما تفيد مقاربة الرئيس المكلف، واطارها الوزاري، الذي يتعذر ان يرى النور، أو ان نوره انطفأ منذ الأحد الماضي، قبل ان يستعد برّي لاطلاق رصاصة الرحمة على التكنوقراط والتكنوقراطيين، برفضه حكومة لا تكون حكومة «لم الشمل».. أي العودة إلى نقطة البدء اللبنانية في بحر أزمات المنطقة العابقة بالحديد والنار والبارود، من المناطق الجرداء والخضراء.