IMLebanon

أسبوع الغضب الساطع… “أرضك عم تندهلك ثورة”

كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:

إنتهت فترة السماح التي منحها الثوّار للسلطة الحاكمة، وانطلقت من جديد التحركات المطلبية التي لن تعرف السقوف ولن يستطيع أحد الوقوف في وجهها.

إنه الغضب الساطع، إنه أسبوع غاضب، هكذا يطلق الثوّار التسميات على تحركاتهم الجديدة، هذه التحركات لن تقتصر على منطقة واحدة بل ستشمل كل الأراضي اللبنانية اليوم وسيكون عمادها الأساسي الحركة الطالبية.

الشمال ينبض بالثورة، والجنوب أيضاً والبقاع وبيروت، والمشهد الذي سيعود هو ساحات الإعتصام في جبل لبنان الشمالي، تلك الساحات التي خفّ وهجها في الأسابيع الماضية، قبل أن تعود الدعوات عبر وسائل التواصل الإجتماعي للثورة في جبيل وكسروان والمتن.

لبنان اليوم على موعد مع إعادة تزخيم ثورته، ففي موجة الثورة الأولى التي انطلقت في 17 تشرين وقفت التظاهرات عند حدّ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، لكن اليوم، يؤكّد الثوّار أن الأمر سيصل حتماً إلى حدّ المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، والدعوة إلى انتخابات نيابيّة مبكرة لإعادة إنتاج السلطة التشريعيّة التي هي مصدر كلّ السلطات.

ويشدّد الثوّار في كلّ المناطق على أن الأرض جاهزة للتحرّك، والناس وصلوا إلى حدود الفقر ما يدفعهم إلى الثورة مجدداً، في حين أن السلطة الحاكمة كلّفت رئيس حكومة قالت إنه سيشكّل حكومة إنقاذية سريعاً وها هي تعرقله، فيما المحاصصة مستمرّة بين الطبقة السياسية وشدّ الحبال يتواصل وخصوصاً بين بري والوزير في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل وكأن لا أزمة في لبنان، بينما إهتمام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله منصبّ على إيران وتداعيات إغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، أما لبنان فتفصيل عادي في أجندته الإقليمية.

رفض الذل

ويساعد غسل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يديه من الأزمة المالية، واستمرار حجز أموال الناس في المصارف وإذلالهم في التجييش الشعبي في كل لبنان، في عودة تزخيم الثورة مجدداً من دون حدود وبشكل يمكن أن تصل إلى حدّ إسقاط كل السلطة الحاكمة، ويترافق ذلك أيضاً مع الأزمات الإجتماعية المتلاحقة، من إنقطاع في بعض الأدوية المستعصية، إلى أزمة المازوت والكهرباء والغاز والمأكولات والإرتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، وغياب ضمير الممسكين بالسلطة حيث لم يعد أمام الشعب إلاّ النزول مجدداً والضغط لإنقاذ الوضع.

وبعد غياب بعض الساحات لأسابيع، لم يستطع ثوّار جل الديب الذين كانوا في طليعة الثورة ضبط أعصابهم وانتظار أن يأتيهم الخبر اليقين الذي يعمل عليه أهل السياسة وهو “إنهيار البلد”، بل إنهم قرّروا التحرّك في أسبوع الغضب الذي أطلقه الثوّار في كل لبنان، كاسرين كل المحرمات التي وضعت في دربهم والتهديدات بأن السلطة مستشرسة في مواجهتهم.

ولا تزال أصداء الثورة تتردّد في جل الديب، ويطلق اسم ثوّار جلّ الديب على كل من ثار في تلك المنطقة وليس فقط على أبناء “الجلّ”، نظراً لما تشكّل هذه المنطقة من أهمية جغرافية وسياسيّة.

“حصرمة بعين السلطة”

في بداية الثورة، كانت جلّ الديب “الحصرمة بعين السلطة” عموماً و”التيار الوطني الحرّ” خصوصاً، وحاول أهل السلطة فتح الطريق بالقوة، ونزل بعض الأشخاص الموالين لـ”التيار” على الأرض، وقد أطلق أحدهم النار على المتظاهرين، لكن تدارك الموضوع ساهم في تخفيف الإحتقان.

اليوم، يعود ثوّار جلّ الديب إلى الساحات، وقد تغير الاسم ومكان التظاهر، فبالنسبة للتسمية، باتت شمولية أكثر وأصبحت “ثوّار المتن” لأنها تضم كل أبناء القضاء والقاطنين فيه الذين يحقّ لهم التظاهر أينما وجدوا، وقد تمّ تنظيم صفوف الثوّار وأصبح للمتن هيئة تنسيق أطلق عليها “هيئة ثوّار المتن”، وهذه الهيئة تجتمع في ما بينها وتتألف من الثوّار الذين شاركوا في الثورة من كل أنحاء القضاء، وتهدف إلى رصّ الصفوف للإنطلاق من جديد.

وبالنسبة إلى مكان الثورة الجديد، فانها انتقلت اليوم من أوتوستراد جلّ الديب والجسر الشهير إلى ساحة الجديدة، وقدّ تمّ إختيار نقطة الجديدة لأنها عاصمة القضاء ويوجد فيها أكبر تجمّع لمؤسسات الدولة.

أما الأمر الثاني الذي دفع بالثوّار إلى اختيار الجديدة، فلأنه توجد فيها ساحة معروفة، ولأن قطع أوتوستراد جل الديب سيؤدّي إلى مشاكل مع الجيش اللبناني وهذا الأمر لا يريده الثوّار، وكذلك هناك عدد من الأهالي يخافون على أبنائهم من هكذا صدامات خصوصاً أن التحرّك في جزء كبير منه طالبي ومن أبناء المدارس والجامعات.

إنطلاقة متجددة

ويؤكّد الثوّار أن ساحة الجديدة ستكون الإنطلاقة للثورة مجدداً اليوم، لكن الأمور لن تقف عند هذا الحدّ، بل ستكون الإعتصامات متنقّلة وجوّالة في أكثر من منطقة، لأن هذه السلطة تصمّ آذانها عن سماع صوت الشعب.

ويحضّر ثوّار المتن للأيام المقبلة وللتصعيد المرتقب والذي يعتبرون أن لا حدود له بعد المماطلة الحاصلة في إيجاد حلول. ويعمل الناشط شربل القاعي ورفاقه على توحيد الصفوف والإنطلاق في مسيرة نضال جديد، إذ إن الأولوية هي لحشد الناس، وسط التأكيد أن الخوف غير موجود في النفوس، والحقيقة سنقولها مثلما هي إذ لم يعد هناك وقت للمواربة أو المماطلة، وسط التأكيد على عدم التصادم مع الجيش والقوى الامنية… “وإذا لم ننتصر على الأرض فإنّ الله سيأخذ حقنا من هؤلاء الفاسدين”.

وتعقد الآمال على بداية تحرّك اليوم، إذ إن شرارة الثورة يجب أن تنطلق من جديد، وهذه المرّة ستضمّ أشخاصاً لم يشاركوا في اليوم الأول للتظاهرات، بل إنّ العوز الإجتماعي يطاول الجميع من دون إستثناء، وبالتالي لا يمكن الفصل بين مواطن حزبي ومواطن غير حزبي.

ولا يمكن فصل المتن والثورة فيه عن بقيّة المناطق في لبنان، إذ إنّ الثوّار حدّدوا وجهة تحركاتهم الجديدة، بعدما بات الناس مقتنعين أنه لا يوجد فرج قريب، بل إنّ الأمور متجهة نحو مزيد من التأزّم.