IMLebanon

عبوات المياه وأكياس الطعام.. “سرطان” داخل منزلك

كتب مازن مجوز في “نداء الوطن”:

عندما ترفع زجاجة المياه إلى فمك، حتى يذهب الظمأ وتبتل العروق، فاعلم أنك لا تزود جسمك بـ”سائل الحياة” فحسب، وإنما بمواد مسرطنة أيضاً..هذه ليست مبالغة، أو شائعة، فتعبئة المياه في العبوات البلاستيكية مراراً وتكراراً، تجعل من عبارة: “الماء فيه سم قاتل”، صحيحة إلى حد ما، والأضرار على صحة المواطن لا ينحصر خطرها بالعبوات البلاستيكية المعبأة بالمياه أو بالمشروبات الغازية أو بِـ “العصائر” بل ينسحب أيضاً على استخدامه المستمر لأكياس البلاستيك، لما تمثله من مشاكل بيئية خطيرة.

لم يقف اللبنانيون مكتوفي الأيدي أمام هذه المخاطر، وصولاً إلى تحقيقهم إبداعات محلية وعالمية، فروح التحدي سمة جامعة وكانت الحافز الأكبر لدى الشابة الشمالية كارولين شبطيني وراء إطلاقها مبادرتها البيئية “جمعوها ما تكبوها” والتي سمحت للبنان بدخول سجل غينيس للأرقام القياسية أواخر الشهر الماضي، بفضل شجرة “عيد الميلاد” التي شيدتها بالتعاون مع بلدية شكا، ضمن المنافسة التي تخوضها بعض الدول في موسم الأعياد، حيث بلغ إرتفاعها 28.5 متراً، وصنعت من 120 ألف عبوة مياه بلاستيكية، وتجاوزت الشجرة التي شيدت في المكسيك بـ98 ألف عبوة في العام 2018، وبحسب موقع “روسيا اليوم” فقد استغرق تكوين هذه القطعة الفنية نحو 20 يوما.

وتأتي إضاءة الشجرة مساء 15 كانون الثاني الماضي بعد تحضيرات طويلة دامت نحو سبعة أشهر “حوالى 5000 مواطن إستجابوا للحملة التي أطلقتها شبطيني “هاشتاغ # 100 الف عبوة بلاستيك” من الشمال والجنوب وبيروت والبقاع، “لاقت المبادرة إندفاعاً وتفاعلاً إيجابياً عبر مواقع التواصل الإجتماعي” تقول شبطيني في حديث لـ ” نداء الوطن” لافتةً إلى أن هذه الإستجابة الخيالية دفعتني للبحث في “google” عن أكبر شجرة ميلاد “صديقة للبيئة” بعد أن صنعت شجرة ميلاد لإبنتي من 500 عبوة بلاستيكية في العام 2018، فوجدت أنها مكسيكية المنشأ، عندها قررت التحدي وسألت نفسي لماذا لا تكون لبنانية وبعدد أكبر؟”.

وتضيف أن مصير هذه العبوات لن يكون جمالياً وحسب بل إنسانياً وبيئياً إلى أبعد الحدود، لأنها تثبت أهمية الحفاظ على البيئة، وسأعيد تدويرها وسأتبرع بعائداتها لصالح الصليب الاحمر اللبناني، وتحديداً إلى معمل SCOA = sorting center of amion لإعادة التدوير الذي أقامه الصليب الأحمر في الكورة، والكل يمكنه المساعدة كل من موقعه”.

وتؤكد شبطيني أن مبادرتها نجحت في تأكيد قدرة اللبناني على الفرز من المصدر والضغط على البلديات لإعتماد الحلول البيئية للتخلص من البلاستيك، بدل أن يتم التخلص من آلاف عبوات البلاستيك يوميا في لبنان، عبرسحقها وطمرها مع النفايات العضوية، مشددةً على أنه بات في إمكان اللبناني اليوم جمعها وفرزها وإعادة تدويرها بشكل سليم.

والطريف أن حياتنا كلها أصبحت تعتمد على المنتجات البلاستيكية أو منتجات (الفوم ) أي الفلين… لدرجة أن العديد من ألعاب الأطفال مصنوعة كلها من تلك المنتجات التى يتم التحذير منها. ومن هنا هل فكرت أن قهوتك الصباحية التي تأخذها على عجالة منك في كوب من البلاستيك قد تتسبب في إصابتك بمرض خطير؟ يُفيد تقرير أعدته جامعة نيوكاسل (أستراليا) لحساب الصندوق العالمي للطبيعة أن الفرد قد يبتلع خمسة غرامات من البلاستيك أسبوعياً، أي ما يوازي وزن بطاقة إعتماد، وهو ما يعادل 240 الى 250 غراماً سنويا؛ ويأتي هذا التلوث البلاستيكي من “المواد البلاستيكية الدقيقة”، وهي جزيئات أصغر من خمسة ملليمترات. والمصدر الأول للبلاستيك الذي يبتلعه الإنسان هو المياه خصوصاً إن كانت في عبوات. ومن بين السلع الاستهلاكية الأخرى التي حللت، تحوي ثمار البحر والجعة والملح النسبة الأكبر، بحسب التقرير.

والواقع أن شراء اللبناني للعبوات والأكياس البلاستيكة على أنواعها هو في تصاعد مطرد، في ضوء المعطيات التي تشير إلى أن معدل استهلاك الفرد من الأكياس البلاستيكية سنوياً في لبنان يتراوح بين 360 و400 كيس، وفق تقديرات غير رسمية، على الرغم من الدعوات الى التخفيف وأبرزها خطة وزير البيئة فادي جريصاتي، والقائمة على تسعير كيس النايلون بـ 100 ليرة وكيس بديل يدفع ثمنه مرة واحدة بين 500 وألف ليرة بحسب حجمه ونوعه، خطة كان من المفترض أن تنطلق في 15 تشرين الأول الماضي، لكن يبدو أن تطبيقها أصبح ضبابياً بعد إنطلاقة ثورة 17 تشرين الثاني.

هذا الواقع، لم يقف حجر عثرة في وجه العديد من المبادرات البيئية، ومن بينها مبادرة تحمل عنوان “بس تجمع غيرك بيسمع”، والتي أطلقتها مجموعة “ضاحيتي بيتي” ليس بهدف إعادة إستعمال أغطية العبوات البلاستيكية، وإعادة تدويرها في منشآت خاصة فحسب، بل امتدت لتشمل بعداً إنسانياً، لتمول هذه الأغطية – التي ترمى في سلة النفايات من دون الإستفادة منها – شراء سماعات طبية لأشخاص يعانون من إعاقات سمعية، ولمشاريع أخرى تساهم في تمكين الفئات الأقل حظاً في المجتمع.

فأثناء تجولك في تعاونية العاملية الإستهلاكية في محلة معوض في الضاحية الجنوبية يلفتك الصندوق المخصص لتجميع أغطية العبوات البلاستيكية المخصصة للهدف عينه، ويكشف الحاج جعفر ( أحد المسؤولين في التعاونية ) أن التعاونية أطلقت مبادرة ذاتية بالتوازي مع هذه المبادرة تقوم على عرض الأكياس المصنوعة من القماش بقياسين ( صغير وكبير ) وبسعر رمزي 500 و1000 ليرة، على أن تكون عملية الشراء إختيارية للزبون وذلك كخطوة تشجيعية للتخلي تدريجياً عن إستعماله الأكياس البلاستيكية المضرّة بالبيئة، وعند تكرار إستخدامه لها يكون لديه فرصة الحصول على هدايا معينة.

وتشكل فكرة فرز أغطية العبوات البلاستيكية أحد المشاريع التي يقوم بها المركز البيئي – التربوي الذي أنشأته جمعية “الإصغاء” إلى جانب إعادة تدوير المواد البلاستيكية ومن ضمنها العبوات البلاستيكية، إضافة إلى الورق والكرتون والنايلون والتنك، ويوضح رئيس الجمعية الأب جان ماري شامي “هدفنا البيئة من أجل البيئة والبيئة من أجل الانسان، إنطلقت مبادرتنا منذ حوالى 20 سنة آنذاك لم تكن فكرة إعادة التدوير معروفة كما اليوم، وعملنا التطوعي محصور ضمن نطاق بيروت وجبل لبنان، ونعمل بيئياً إستناداً الى رسالة البابا فرنسيس “كن مسبحا” والتي تطال كل شرائح الشعوب من دون تفرقة، باشرنا باستقبال التلاميذ للتوعية على مبادرتنا في العام الماضي، وهذا العام بدأنا التحضير لمشروعنا التربوي بطريقة جديدة”.

وفي السياق عينه أطلقت اللجنة البيئية الإجتماعية في بلدة سحمر – البقاع الغربي، حملةً واسعة لتبديل أغطية العبوات البلاستيكية بالبندورة، وذلك بهدف الحفاظ على البيئة وإعادة تدوير ما يمكن من البلاستيك، كما وبهدف تأمين سماعة أذن لأحد أبناء البلدة عبر تبديل هذه الأغطية.

وبالعودة الى معمل SCOA تشرح ريتا نهرا الناشطة في قسم وحدة إدارة الكوارث – الصليب الاحمر:” هدفنا الاول بيئي وإنساني، والوصول إلى بيئة نظيفة خالية من المخاطر ولا سيما الأمراض كالسرطان، وإبعادها عن كاهل الجيل الصاعد عبر ادخال ثقافة التوعية الى لبنان وهي “فرز النفايات من المصدر”، خصوصاً بعد أزمة النفايات التي تفاقمت في العام 2015 “، مشيرةً إلى أننا بدأنا تنظيم محاضرات في المدارس حول كيفية فرز المواد البلاستيكية والورق والكرتون، حيث التلاميذ يستوعبون الفكرة وينقلونها الى أهاليهم في المنازل، وتحديداً في منطقة الكورة وجوارها”.

مع غياب الدولة وغيبوبتها المستدامة وعدم إيلاء الشأن البيئي الإهتمام اللازم،لا بد من أن تتحرك البلديات في هذا المجال ولا يكتفي رؤساؤها بتشييد القصور من أموال المكلّفين.