IMLebanon

ما ستشهده الثورة في الساعات المقبلة

بعد 90 يوماً على انطلاقتها، استعاد اللبنانيون مشهدية الأيام الأولى لانتفاضة 17 تشرين الأول الفائت، مع تجدد الاحتجاجات الشعبية وامتدادها الى مختلف المناطق اللبنانية. وتحت شعار “أسبوع الغضب” نزل المحتجون الى الساحات والشوارع فقطعوا الطرقات الرئيسية واعتصموا امام المرافق العامة من الشمال الى الجنوب مرورا ببيروت. ما ينبئ بتجدد المواجهة بين المنتفضين والسلطة التي حاولت مراراً في السابق وبكل ادواتها إخماد الانتفاضة.

يوم الغضب العارم مهدت له تحركات المحتجين المسائية في صيدا وبيروت حيث جرى إقفال جسر الرينغ، ولاحقاً تحطيم الجدران الخشبية أمام مصرف لبنان وقطع الطريق أمامه، وحفزت لعودة فئات عديدة للنزول الى الشارع، لا سيما الطلاب الذين شاركوا بأعداد كبيرة في الاحتجاجات وقطع الطرق. ومع ساعات الصباح الأولى عمد المحتجون الى قطع الطرق الرئيسية في مختلف المناطق من البقاع إلى صيدا، مروراً بالمدينة الرياضية في بيروت وفرن الشباك والحازمية والمتن وذوق مصبح وجونية وشكا وطرق عدة في الكورة وفي طرابلس وفي عكار. ونفذوا مسيرات واعتصامات أمام عدد من الإدارات العامة.

فأقفل محتجون مركز أوجيرو في جبيل ومبنى شركة الكهرباء في عمشيت. وفي صيدا جابت مسيرة طلابية شوارع المدينة واعتصم الطلاب أمام عدد من المصارف والمرافق العامة في المدينة.

ومع تشابه يوم أمس بأيام انتفاضة 17 تشرين الأولى، فإنه أمكن رصد عاملين جديدين على المشهد: مشاركة لافتة للمناطق المسيحية لا سيما في المدن الكبرى كجونيه وجبيل، وكذلك انضمام شبان ينتمون الى الثنائي الشيعي الى المحتجين لا سيما على جسر الرينغ، أما العامل الثاني فهو تعامل القوى الأمنية مع المحتجين بطريقة محايدة الى حد ما فلم تلجأ الى القوة لفتح الطرق وتدخلت لفض بعض الاشتباكات أحيانا أو لمنع احدهم من احراق نفسه.

وردت مصادر القوات اللبنانية، لـ”القبس”، المشاركة المسيحية اللافتة امس الى ان الأمور وصلت الى مكان لم يعد بالإمكان ضبطها، وأضافت ان الغضب عارم في جونيه وجبيل كما في طرابلس وصيدا جراء استهتار ومكابرة هذه السلطة السياسية، وبالتالي فقدان الامل لدى الناس وخوفهم وقلقهم على مصيرهم بغياب أي أفق لم يترك لهم من خيار سوى تجديد المواجهة بالشكل الذي نراه اليوم.

واعتبرت هذه المصادر أن الجيش “استُهلك” وهو يحاول قدر المستطاع عدم الاصطدام مع المتظاهرين للحفاظ على الاستقرار، مشددة أن غياب المعالجات السياسية هو السبب الأساسي في انتفاضة الناس المتواصلة، لا سيما تفاقم الازمة الاقتصادية والمالية بشكل خطير وكارثي.

والحال ان المراقب لا يحتاج جهدا كبيرا في تعليل أسباب تجدد الانتفاضة التي راهنت كل القوى المعادية لها -المتمثلة بأحزاب السلطة الرئيسية- على عامل الوقت لاخمادها. وظنت انها كسبت الرهان بعد تراجع أعداد المحتجين في الأسبوعين الاخيرين واختزال الاحتجاج بتحركات موضعية كمطاردة السياسيين وإخراجهم عنوة من الميادين العامة، فالتقطت أنفاسها وبادرت الى تلميع صورتها على الشاشات بعد اختفائها القسري عنها في أيام الانتفاضة الأولى. وكما كانت هذه الطبقة السياسية بفسادها وسوء إدارتها، سبباً رئيساً في تأجيج انتفاضة أكتوبر الفائت، كانت هذه المرة أيضاً عاملاً في إحيائها بسبب مماطلتها وإنكارها ما يدور في الشارع على مدى 90 يوما، مع فارق ان المسار الانحداري للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قد يحول مسار الانتفاضة السليمة حتى الآن، ويدفعها باتجاه وسائل عنيفة لتحقيق أهدافها. فالصور التي تتوالى من مختلف المناطق تنذر بكوارث اجتماعية على كل المستويات: فالجوع بدا يطرق أبواب العائلات الفقيرة مع تضاعف أسعار السلع الغذائية وفقدان عدد كبير من الموظفين لوظائفهم، في حين الناس ينتظرون في طوابير طويلة امام المصارف لأخذ حصتهم من أموالهم بينما تواصل إجراءاتها بحق المودعين الصغار الذين خسروا اكثر من 40 في المئة من مدخراتهم.