IMLebanon

“بيارق الثورة” تُرفرف في المتنين

كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:

لم تترك الطبقة السياسيّة أي خيار أمام الناس إلا الثورة، بعدما انقضت عليهم وقضمت لقمة عيشهم وأوصلتهم إلى درجات غير مقبولة من الفقر.

في حين كانت الثورة تندلع مجدداً في كل أنحاء الوطن وتصدح أصوات الثوّار على مقربة من القصر الجمهوري في المتن وبعبدا، كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يؤكّد أمام السلك الديبلوماسي أهمية إنشاء “أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار” وتعداد إيجابيتها، فيما بات قسم من الشعب يبحث عن رغيف الخبز ويصرخ بأعلى صوته مطالباً بإنقاذه من المأزق الذي يعيش فيه.

“كشّر” الطلاّب عن وطنيتهم ونزلوا إلى الشارع في كل لبنان مطلقين مجدداً الحركة الثورية، ومشعلين أسبوع الغضب ضدّ طبقة سياسية لا تعرف إلاّ إذلال شعبها وتفقيره، معتمدةً السياسة الإقطاعية القديمة وهي تجويع الشعب كي تبقى متحكمةً به.

وعاد مشهد الثورة في الساحات ذات الغالبية المسيحية ليفرض نفسه ضيفاً ثقيلاً على أهل السلطة، حيث عادت ثورة وطنية شاملة وليس كما حاول البعض تصويرها في الأسابيع الماضية بأنها ثورة سنيّة، هدفها المطالبة بعودة الرئيس سعد الحريري إلى السراي الحكومي.

بداية إنطلاق الثورة في المتن كانت ساحة الجديدة، هناك تجمّع طلاّب من كل أنحاء القضاء، هؤلاء طلاّب فقدوا الأمل بالغد، وبات حلمهم إنهاء دراستهم والمفاضلة بين البلدان التي يحلمون أن يهاجروا إليها، بدل استعمال خبراتهم لتطوير بلدهم الأم.

وفي نفوس الطلاّب وعيونهم ثورة داخلية، ثورة على من أوصل أهلهم اليوم إلى هذا الحدّ من العوز، ومن سيوصلهم في المستقبل إلى مصير أهلهم نفسه لا بل أسوأ، والظاهرة الأجمل هي مرافقة الأهل لأولادهم حيث اجتمعت الأجيال لنبذ هذه الطبقة السياسية الفاسدة.

الأسرة متّحدة بوجه السلطة

وفي الموازاة، لا يريد الأهل تسليم مستقبل أولادهم إلى من هم في السلطة حالياً، إلى رئيس جمهورية يترك صهره يسرح ويمرح ويخرّب كل شيء من دون ضبطه، وهذا الصهر يحرق البلد من أجل أن يقول “أنا الملك” وسأصبح رئيس جمهورية مهما كلّف الأمر. كذلك لا يريدون أن يعيش أولادهم في ظل مجلس نواب “فاشل” يشبه الحالي، حيث يتربع رئيسه منذ 1992 على رئاسة عرشه من دون أن ينتج تشريعاً مفيداً يحمي حقوق الناس، في حين يتحدّث البعض عن تراكم الثروات الهائلة، فيما يريد رئيس حكومة مكلّف إثبات أنه يلبي مطالب الثورة لكنه يعيش على وعود كاذبة قدمتها القوى التي سمّته، من دون أن تُسهّل مهمّة التأليف وتريد الآن التخلّص منه بأي ثمن.

وما ينطبق على الرئاسات ينطبق على السياسيين أنفسهم، أبرزهم أمين عام حزب مسلّح مرجعيته المرشد الأعلى في إيران ويضرب علاقات لبنان الخارجية ويضع البلاد تحت الحصار، وآخرون يهتمون بتكديس الثروات من سرقة مال الشعب، كلها عوامل رفعت منسوب الغضب الشعبي ودفعت المسيرة التي انطلقت من ساحة الجديدة ومرّت بنهر الموت والزلقا الى أن تصل إلى جسر الثورة، جسر جلّ الديب.

واللافت في كل ما حصل أن المواطنين الذين كانوا يتذمرون من قطع الطرقات باتوا هم في المقدّمة، وانضموا إلى الثوّار رافعين العلم اللبناني فقط لا غير، ومطالبين برحيل السلطة الفاسدة، ووصل بعضهم إلى حدّ حرق الدواليب والدعوة لإحراق من أوصل البلاد إلى هذا المستوى من الإهتراء.

هذا في المتن الشمالي، أما في المتن الجنوبي، أي بعبدا، فاستفاقت منذ صباح أمس على حرق الدواليب في فرن الشباك، فالمنطقة قريبة من قصر بعبدا وأهميتها أنها تشكّل إحدى أهم الطرق المؤديّة إلى القصر الجمهوري.

وكانت الدواليب ومستوعبات النفايات السلاح الذي يملكه الثوّار لتنفيذ هذه المهمّة، لكن الصعوبة التي واجهتهم أن الدواليب كانت رطبة ولم تشتعل، فعمدوا مرّات عدّة إلى رمي البنزين فوقها، في حين أن التعليق على عدم إعطاء البنزين النتيجة المرجوة في الإشتعال هو أن وزيرة الطاقة ندى البستاني لا تستورد المواد العالية الجودة.

القاسم المشترك بين “بعبدا” و”المتن” هو كلمة “طفح الكيل”، حيث لم تكن هناك سقوف لمطالب المتظاهرين، فعاد شعار “كلن يعني كلن” ليتقدّم على غيره من شعارات الثورة وسط الإستلشاق بتأليف حكومة إختصاصيين مستقلة، وكذلك عادت أغنية “هيلا هيلا هو” لتحتل المراتب الأولى، وهذه الأغنية كانت تطلق وتستهدف الجميع من دون استثناء.

وقف رجال الأمن من جيش وقوى أمن داخلي وأمن دولة على مقربة من الثوّار في المتنين وكأن لا قرار بعد بقمع الثورة، وهم الذين فقدت معاشاتهم نصف قيمتها بسبب الأزمة المالية التي تضرب البلاد، ولم تحصل أي إشكالات كبيرة، لأن العسكري لا يستطيع ضرب شعب ثائر يطالب بحقوقه ويُذل على أبواب المصارف، فالمعاناة تضرب الجميع من دون استثناء ولا خيمة فوق رأس أحد.

تريد الثورة الإبقاء على خطة تحرّكها طيّ الكتمان كي لا تقوم السلطة بهجوم مضاد، في حين أن معظم أهل السلطة مربكون أمام ما يحصل ولا يملكون حلولاً مقنعة تنقذ البلاد من الورطة التي أوصلوها إليها.