IMLebanon

هل تقذف بيروت إلى خط الزلازل الكبرى؟

هل ثمّة علاقة بين الحرب الدائرة للسيطرة على إدلب السورية وبيروت عاصمة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية المدمرة (1975 – 1990) (وفقاً لبعض التصنيفات الإخبارية الدولية)؟

وهل ثمّة علاقة بين جيل الغضب اللبناني، الذي مضى إلى المصارف، وعلى رأسها مصرف لبنان المركزي (الذي يعد واحداً من إنجازات البرجوازية اللبنانية التي بنت الازدهار اللبناني في فترة الستينيات من القرن الماضي) يُمعن تكسيراً، و«تطبيشاً» (إذا لم نقل عبارات أخرى) ومفكري إيديولوجية العنف الثوري من جورج ساند (وهي امرأة فرنسية) إلى كارل ماركس الألماني، وروزا لوكسمبورغ، وصولاً إلى ليون تروتسكي مضياً إلى تشي غيفارا؟

في مقاربة السؤال الأول، يُمكن الحديث عن انتقال الحروب الدينية والأثنية الهوجاء والمتوحشة، إلى لبنان، والتي ارتدت أقنعة الدول الإقليمية الكبرى، والمتهالكة، أو الفتية، وأقنعة الدول العظمى، من الولايات المتحدة الأميركية إلى الاتحاد الروسي، فعاصمة الكومنولث، بريطانيا العظمى، التي خرجت للتو من الاتحاد الأوروبي، لتقيم تحالفاً مكيناً مع الولايات المتحدة، التي تلعب على أرض الشرق الأوسط، لعبة العودة إلى أحلاف التقاسم والإستعمار، مع دولة كبرى أخرى يقف على رأسها «النمر الروسي» ممثلاً بفلاديمير بوتين، الذي اقتربت أيام خروجه من الكرملين، ما لم تحدث المعجزة!

وفي المسألة، أبعد من ربط البلد (لبنان) بصراعات المحور، أو ما يجري في بغداد وصنعاء، والمنامة، ودمشق، ومدن إيران وأقاليمها الواسعة على مساحة قد لا تزيد عن مليون وستماية ألف كلم مربع إلَّا قليلاً.

من تصفية «بنك جمّال» (وهو مصرف كانت ميزانيته لا تقل عن مليارات الدولارات، وفيه معظم الأموال والرواتب التي تدفع لموظفين شيعة أو عاملين في مؤسسات مختلفة تدور في فلك بعض دول المحور الإيراني وأطرافه) إلى الإجراءات المريرة التي قضت بوضع اليد على أموال المودعين، وجلُّهم من الذين جمعوا أموالهم في دنيا الاغتراب من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية، إلى التصرَّف بودائع الصغار والكبار، الذين ظنوا ذات يوم، بعد مرور 100 عام على ولادة لبنان الكبير، ان اموالهم وودائعهم وجنى اعمارهم في حصّن المصارف الحصين، إلى فشل النظام السياسي في إدارة أزمة أو إنتاج تسوية، تجعل من مؤسسات الدولة ملاذاً لثقة المواطن، بحماية حقه إلى الثقة باستعادة هذا الحق.

لا حاجة لاستعراض مفاصل الهريان، أو الموت البطيء في الدولة اللبنانية، لم يبق إلَّا القوى العسكرية والأمنية، تملك حداً معقولاً من فعالية الحفاظ على الأمن والإستقرار، والباقي تفاصيل، سواء في تفسير هذا الموقف أو ذاك، وهذه المهمة أو تلك، هذه مقاربة عامة، لا تكفي لفهم أدوار الدول على مسرح الأرض الرخوة التي اسمها لبنان.

وفي مقاربة السؤال الثاني، لا أحد بإمكانه أن يظن لوقت ان «هند» المرأة التي قالت لـ«رويترز» في شارع الحمراء، في اليوم التالي لاندلاع المواجهات امام مصرف لبنان أنها: «تدعم الاحتجاجات ضد البنوك».

هند، قد تكون واحدة من عشرات أو مئات، لم تسمع مرّة واحدة، لا «بعامية انطلياس» (1858م) اللبنانية، ولا بكومونة باريس (1848م) الفرنسية ولا بأي شيء من أدبيات الصراع الاجتماعي أو الطبقي، لا في الدول الصناعية، ولا في الدول الآسيوية، ذات الاقتصاديات الزراعية المختلفة.. هند هذه، لم تقرأ، أو لعلها لم تسمع مرّة واحدة بعقائد الثورات، ولم يطرز ثوب أفكارها «تجار العقيدة» (على حدّ تعبير شاعر جنوبي راحل). انها المرأة التي قالت انها تأتي إلى الحمراء «منذ ثلاثة أيام، لأنها لم تتمكن من سحب 300 دولار».

تضيف: في لغة مأساوية: «… إننا نتسوَّل، أعمل 55 عاماً لآتي وأتسول في نهاية المطاف..».

تحوّلت الواجهة الخارجية لمصرف لبنان إلى ساحة حرب منذ بداية الأسبوع الماضي. فقوى الأمن ألقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين ردوا برشقها بالحجارة والمفرقعات النارية.

شهود العيان، رأوا أحد المحتجين يلقي ببطارية سيّارة على واجهة أحد البنوك، في وقت ضربها آخر بعمود من حديد.

ليس وحده يان كوبيتش، المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، الذي توجه إلى الطبقة السياسية قائلاً: «لا تلوموا الشعب بل لوموا انفسكم على هذه الفوضى الخطيرة»… بل هو الانطباع العام لدى السفراء العاملين في بيروت، فضلاً عن التجار الصغار والكبار والمثقفين، ورجال الإعلام والاقتصاد، الذين لم ينفكوا يتخوفون من انعكاسات بالغة التعقيد على الاستقرار العام.. انهم السياسيون اللبنانيون هم سبب الفوضى… هذا هو انطباع المواطن الساذج والبسيط في كل لبنان، من العاصمة إلى أبعد نقطة سكنية في الأرياف النائية..

تزامنت الأحداث الاحتجاجية التي اندلعت في 17 ت1 الماضي مع إجراءات بالغة الخطورة أقدمت عليها المصارف، التي نجت من عمليات الاستهداف حتى ما بعد تكليف حسان دياب تأليف «حكومة إنقاذ»، من اخصائيين، لا شأن لهم بالسياسة، أو غير مكشوفي الانتماء جهاراً نهاراً، تمثلت إجراءات المصارف بالحد من إعادة أموال اللبنانيين بالدولار إلى أصحابها، وتقنين العملية وحصرها، وفقاً لتعاميم المصرف المركزي، بـ200 دولار أو 500 كحد أقصى، ضمن تعليمات محدودة لموظفي المصارف، الذين تجاوز بعضهم حدوده، وطفق يتصرف كعنصر في «ميليشيا» وليس كموظف، يتقاضى راتبه، الذي يمتد إلى 16 شهراً من أموال المودعين، التي تشغلها المصارف، وتوفر لها الأرباح الطائلة..

من 1 (ت2) إلى 13 (ك2)، كانت المصارف تشهد عراكات ومشاجرات، قدّرتها الجهات الأمنية اللبنانية بـ101 هجوم… على ان تقديراتها جاءت صائبة لجهة ان هذا النوع من الهجمات مرشّح لأن يتحوّل إلى كرة ثلج.. إنها لحظة الإختناق… فماذا تنتظر؟

كان الرهان على ان المدخل إلى تهدئة التدهور، يكمن في حكومة جديدة، حُدّد أكثر من موعد لتأليفها، لكنها لم تُؤلف.. والله وحده يعلم متى يُفرج عنها، إذا أُفرج عنها! خرجت المسألة من يد المؤلف، أو المكلف، وحتى المؤلفين، المباشرين أو الأوصياء، أو الوسطاء، أو «سعاة الخير» (مثل جميل السيّد ووئام وهاب!).. فلم يعد ثمة معنى للإنتظار..

ماذا تنتظر قدرة المصرف المركزي على درء الخطر؟ ما حدث قد يحدث بعض الانفراج، مثل إعلان «OMT» ان بإمكان الزبائن قبض التحويلات من 1000 وكيل على مساحة لبنان، بالعملة الخضراء (أي الدولار)… لكن لا صلاحيات استثنائية لرياض سلامة (حاكم المركزي).

كانت القوة، قبل ان يتطور الموقف إلى «العنف الثوري» هي السبيل لانتزاع المبلغ المسموح به، 400 دولار فقط بالاسبوع.

بقيت صيحات: «اريد أموالي.. أريد أموالي» الخبز اليومي لموظفي المصارف، الذين وحدهم، من موظفي القطاع الخاص حافظوا على رواتبهم كاملة وعطاءاتهم، ووظائفهم أيضاً.. إلى ان كان يوم «العنف الأسوأ» في وسط بيروت، وامام ساحة البرلمان.. عندما جاءت مجموعة بالغة التنظيم والاستعداد تحت عنوان «حراس المدينة» لتبدأ من هناك رحلة جديدة من رحلات العنف جعلت الكثير يخشى من دوران فلك السلم الأهلي باتجاه الكسوف الكلي!

عندما ينفي النائب الأوّل لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين ان تكون المصارف، التي لديها 75 فرعاً خارج لبنان، مع رساميل لا تقل عن 11 مليار دولار، وتمتلك ملاءة لا تقل عن 250 مليار دولار، في أزمة.. يصبح السؤال: لماذا الأزمة، إذاً؟

دع عنك، حديث الإفتراضات والشبهات، والأسئلة الجديرة، وغير الجديرة.. ولاحظ ما يجري؟ إنها انتقالات الأزمات الكبرى، إنها الأسلحة كلها تستخدم: اغتيالات، تصفية أجساد، تصفية مصارف، انهيارات مالية، تفكك دولة، انفصالات مجتمعية… بانتظار ما؟ بانتظار أمر كان مفعولاً «يُحضر للمنطقة»، ولبنان جزء من المنطقة؟!