IMLebanon

انتخابات رئاسية ونيابية مُبكرة وإلا…

كتب أحمد الزغبي في “اللواء”:

مؤلم وصادم إلى حدّ الذهول ما حصل في وسط العاصمة خلال اليومين الماضيين.. أن تحترق بيروت كرمى لعيون طبقة فاسدة تُمعنُ باحتقار الشعب وإذلاله ونهبه. طغمةٌ لا تريد الشبع، ولا تسمح للموجوعين بالتعبير عن غضبهم وألمهم، أو أن يطمحوا، مجرد طموح، للتغيير. مجدداً، تدفع بيروت ثمن جنون «وكلاء الشيطان» الذين لن يتورعوا عن أي شيء لاستنقاذ مزرعتهم ولو كان الثمن استعادة تاريخ أسود ظنّ اللبنانيون أن الزمن طواه.

أزمة من 4 نقاط

باختصارٍ بالغِ الدلالة قاربت محطة «CNN» الأميركية ما حصل في وسط بيروت من مواجهات وشغبٍ وعنف مفرط، فحددت 4 نقاط معتبرةً أن ما جرى يأتي في سياقها، فعلاً وردّ فعل، من دون اللجوء إلى المخيلة اللبنانية الواسعة الشغوفة بالحديث عن مندسين وعملاء ومخربين ومؤامرات كونية، والنقاط هي:

– لبنان يمرّ بأسوأ أزمة اقتصادية.

– السلطة فشلت في تشكيل حكومة منذ 3 أشهر.

– انهيار النظام المصرفي.

 

– خسارة العملة الوطنية في غضون أسابيع 60% من قيمتها.

إذن، السلطة بعد ستة وتسعين يوماً على انطلاق الثورة، عاجزة عن تقديم حلول سياسية أو دستورية أو اقتصادية أو مالية أو حياتية مقنعة للأزمة الآخذة بالاستفحال، لذلك اختارت – بقرار سياسي – الحلّ الأمني، العنف المفرط، الحسم على طريقة القذافي، اختارت استهداف عيون الشباب المنتفضين وأجسامهم بعدما استهدفت أحلامهم وطموحاتهم.. لا تعرف هذه السلطة اجتراح الحلول، وكل ما تتقنه هو احتراف العجز والفشل والقمع والكذب والرياء والادّعاء والإفلاس.. والهروب إلى الأمام، ولذلك اختارت قتل الثورة وقمع الثوار.

لم تكتف السلطة المذعورة، والمجردة من الشرعية الأخلاقية والشعبية، بالتنكر لمطالب الناس، والسطو على مدخراتهم، بتجويعهم وإذلالهم أمام المصارف ومحطات الوقود والغاز والأفران والمراكز التجارية، ووصف الثائرين تارة بالعملاء وأخرى بالمخربين.. راحت تستنكر العنف وتدين استخدامه!! أو تلجأ للسلطات الدينية طلباً لشرعية باتت مفقودة.. وقاحةٌ تستحضر تقاليد بعض الأنظمة العربية في أدائها البوليسي مع صرخات الموجوعين.

تحرص هذه السلطة، بالتضامن والتكافل بين طرف تحالف الفساد والسلاح، على وضع الناس بين حدّي: القبول باستمرار حكم العصابة بوجوهها وأحزابها وسماسرتها وهيمنتها أو الجوع والإفلاس والانهيار التام.

 

الصهر و«حسان طروادة»

كان الظنّ بأن تركيز المطالبات الشعبية على انجاز تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين سيدفع السلطة لتمرير هذا الاستحقاق، ولو من باب المجاملة لدفع أهون الشرّين بالنسبة لها، أي مواجهة غضب الناس وتداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية، لكن ذهنية المحاصصة واحتقار الناس كانت غلّابة لديها، فكان أن ذهبت لتسمية رئيس مكلف لتشكيل حكومة أحادية يكون بمثابة جسرٍ لإعادة تعويم نفسها. وإذا كان التكليف مشوباً بعيوب دستورية وميثاقية ووطنية، لكن المفاجأة أن دياب شخصياً لم يستطع تحمّل محاصصات الأحزاب ومطامع الصهر فوجد نفسه كمن يبلع الموس، لا هو قادر عن تنفيذ الأجندة التي طرحها كخارطة طريق للانقاذ ولا هو قادر على تلبية مطالب فريق التكليف، لأنه يعلم أن انتاج حكومة مستنسخة عن التي سبقت سيكون مصيرها السقوط بعد الإشراف رسمياً على إعلان لبنان دولة فاشلة ومفلسة.

نحن أمام مشكل عميق لا يتصل بالحكومة فقط، الأزمة في السلطة السياسية كاملة، فهي المسؤولة عن كل ما وصل إليه لبنان من انحدار ونهب وفساد وعزلة إقليمية ودولية، ولا يستقيم هنا صدور كل يوم موقف عن مرجعية دينية للتحذير من المطالبة باستقالة هذا أو ذاك.. الخوف ليس على المواقع في هذه اللحظة الحرجة، بل على لبنان ومصيره ومستقبله، آن أوان انتهاء مهزلة الاختباء وراء الطوائف لشرعنة تدمير الدولة أو التغوّل عليها، الشعب الذي انتفض وخرج إلى الساحات أوعى وأحرص على لبنان، الوطن والدولة والصيغة والميثاق، من بعض رجال الدين، وحتماً من كثير من السياسيين والحزبيين والانتهازيين.

 

عهد بلا مضمون

آن أوان الإعلان بأن المطلوب رئاسة تكون حكماً لا طرفاً، لا تضيع هيبة المقام وتكاد تضيع البلد وترميه في حرب أهلية كرمى لعيون الصهر المتعطش للكرسي.. الصهر الذي بُحّت الحناجر رفضاً لتخريبه البلاد والإدارة العامة ومؤسسات الدولة، فإذا به يُهندسُ حكومة «حسان طروادة» ويناور ويتلاعب ويبرر ويلوّح بإدخال البلد بالسيناريو السوري!!

آن أوان الإعلان بأن طموحات الوزير المقال بضغط الثورة جبران باسيل الرئاسية أنهت العهد منذ زمن طويل، وأدخلته في متاهات الانحياز وتقسيم الشعب ومنع الحلول واللجوء للفتاوى التي تنتهك الدستور طلباً لأوهام مزعومة. يفترض بأي رئيس للجمهورية في هذا الظرف الاستثنائي أن يستنفر فريقاً من كبار الاختصاصيين المستقلين، دون النظر إلى طوائفهم أو مذاهبهم، ليشرفوا على انقاذ لبنان من الدرك الذي وصل إليه، ولو فعل ذلك (ناهيك عن دخوله التاريخ مع الكبار الكبار) هل يتجرأ أحد ليطلب حصة أو مقاعد أو وزارات؟ لكن الانانية والانتهازية والكيدية والمحاصصة حاكمة، وهذا هو بالضبط الحكم الفاشل وإقحام الدولة في التعطيل المتعمّد والنكايات الحاقدة.

العهد، بحسب أحد المتابعين، يبدو خاوياً، مجرد بيانات إعلامية واستقبالات وكلام كثير وفتاوى دستورية غبّ الطلب.. فيما البلد ينازع، لا استقلال، لا ازدهار، لا حريات، لا عدالة.. ثم يأتي من يستنكر المطالبة باستقالة الرئيس صوناً لما تبقى من بلد ودولة!؟

 

«كلن يعني كلن»

أما وقد بلغت الأمور ما بلغته من وضوح، لا خيار سوى التمسك بالمطالب النقية التي قامت على أساسها الثورة، وخرج لأجلها الناس في كل المناطق، قبل أن تتسلل ألاعيب السلطة والأحزاب لحرفها عن مسارها وجرّها للعنف طمعاً باغتيالها، والتي تتلخص بالآتي:

أولاً: حكومة انقاذ مصغرة ببرنامج محدد يقوم على التحضير لانتخابات مبكرة وفق قانون منطقي (وليس كالقانون المسخ الذي صيغ بهدف تنجيح شخص معين)، ووقف الانهيار.

ثانياً: بعد إنجاز الانتخابات النيابية الانتقال لإعادة تكوين السلطة بدءا برئاسة الجمهورية وحكومة فعالة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد وملاحقة الأموال المنهوبة والمحتجزة، وتحسين علاقات لبنان بمحيطه العربي والأسرة الدولية، مع ما يستلزم كل ذلك من قوانين وإجراءات وخطوات، ضرورية أو استباقية أو وقائية.

المدخل الوحيد والأكيد لانقاذ لبنان حالياً هو رحيل هذه الطبقة السياسية الفاسدة كاملة للتقاعد أو المحاسبة، وفي كل ذلك لا بدّ من الاستئناس بالشعار المعبّر «كلن يعني كلن»، وإلا فإن التاريخ لن يرحم. أما بيروت، ست الدنيا، فستبقى أماً للحرية والشرائع والتعدد والشرعية والدولة والعيش الواحد، ومن رحم حزنها ستولد الثورة وتتجدد.