IMLebanon

هل تنجح حكومة اللون الواحد؟

كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:

ما هي حظوظ نجاح تشكيل الحكومة المزمع تأليفها والمفترض ان تضم احزاباً واطرافاً سياسية ضمن تحالف واحد ومتقاربة من بعضها البعض مقابل وجود الأطراف والأحزاب المناوئة خارجها خلافاً لما درجت عليه العادة في تشكيل الحكومات الثلاث الماضية؟

في العادة فإن أسلوب تشكيل الحكومات من أطراف واحزاب يصح القول فيها لأنها موالية أو من لون واحد، تتولى زمام السلطة وتحكم وتدمير البلاد مقابل وجود أطراف اخرى خارجها تتولى المعارضة، هي من مرتكزات الأنظمة الديمقراطية بالعالم وليست فريدة من نوعها، بل هي معتمدة حالياً، في حين اعتمادها في لبنان يبدو معقداً أو يخضع لاعتبارات تداخل عوامل عديدة غير موجودة في الدول الديمقراطية التي تسير على هذا النهج من إدارة السلطة.

إذ ان تعدد الطوائف والمذاهب ووجود السلاح غير الشرعي لدى أكثر من طرف سياسي وحزبي، يتطلبان اعتماد صيغة هجينة أطلق عليها حكومة الوحدة الوطنية أو التوافق الوطني وما شابه لارضاء كل الأطراف السياسيين الموالين والمنافسين على حدٍ سواء، ما عطل آلية المحاسبة الديمقراطية المعتادة لمحاسبة الحكومات، كون كل الأطراف يتعذر وجود معارضة طبيعية وفعالة تتولى القيام بمهمة المحاسبة والمساءلة السليمة المنصوص عنها في الدستور والقوانين المتبعة.

واليوم، تبدو عملية تشكيل حكومة جديدة من لون واحد بسبب استنكاف أطراف واحزاب مؤثرة على المشاركة فيها، تبدو مستغربة لدى الكثيرين، في حين تؤشر مجريات التشكيل إلى جنوح بعض الأطراف بداخلها للاستئثار بأغلبة أعضائها والامساك بقراراتها والسيطرة شبه التامة على تحديد سياساتها والتأثير المطلق بمفاصل السلطة من خلالها على حساب الأطراف والأحزاب المشاركة وتجيير فاعليتها لحسابه السياسي، ومصالحه الشخصية المستقبلية كما هو ظاهر من خلال المطالب التعجيزية لرئيس «التيار العوني» الوزير جبران باسيل وتصرفاته في التعاطي مع تشكيل الحكومة الجديدة.

ويلاحظ ان هناك جملة عوامل ووقائع متداخلة في مسألة عملية تشكيل حكومة اللون الواحد تؤثر على مجرى عملية التأليف وتتحكم بنواحي معينة منها ولا بدّ من ذكرها واهمها:

أولاً: التأثير الضاغط للحراك الشعبي المتواصل منذ السابع عشر من شهر تشرين الأوّل الماضي، ورفضه المتواصل ان تضم الحكومة الجديدة في مكوناتها أعضاء من الطاقم السياسي الحاكم المرفوض كلياً من الحراك، ما يستوجب اختيار أعضاء الحكومة الجديدة من ضمن النوعية التي يطالب بها الحراك الشعبي، في حين يلاحظ بوضوح تهرب الطاقم السياسي التقليدي المؤثر في تشكيل الحكومة من المطالبة باستبعاد السياسيين التقليديين، ويسعى بأساليب ملتوية ومختلفة لاختيار شخصيات مموهة ظاهرياً ومحسوبة عليه سياسياً ليبقى تأثيره فاعلاً ضمن الحكومة الجديدة ويسعى من خلاله للحفاظ على نفوذه ومصالحه التي ثبتها على مر السنين الماضية.

ثانياً: اختيار شخصيات مستقلة مشهود لها بالاداء السليم والسمعة الطيبة، وهي مهمة ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة أيضاً، وإنما تتطلب الكثير من البحث والالتقاء والتوفيق بين المواصفات المطلوبة للاشخاص المرشحين لتولي المناصب الوزارية من جهة ورضى وموافقة الأطراف السياسية المؤثرة بعملية التأليف، لأنه لا يمكن اغفال هذه الناحية بالرغم من كل محاولات الرئيس المكلف تجاوز هذه النقطة أو التعاطي معها بكثير من الحساسية والمرونة تجنباً لردود الفعل السلبية أو الاعتراضات التي تصدر عن الأطراف السياسيين المعنيين.

ثالثاً: الأزمة الاقتصادية والمالية المتدحرجة في أكثر من اتجاه والتي تنذر بتداعيات كارثية في حال لم يتم تداركها بتدابير وخطط سريعة وفاعلة قابلة للتنفيذ محلياً وخارجياً.

رابعاً: إزالة الحظر العربي والدولي المفروض على لبنان، وهذا يتطلب اولاً إعادة الثقة بين لبنان والخارج والمباشرة بسلسلة من الإصلاحات الضرورية لتشجيع المجتمع الخارجي لمد يد المساعد للبنان.

خامساً: تحييد وجود السلاح غير الشرعي لحزب الله ومؤثراته وارتباطه بالمصالح الإيرانية في دول الجوار والعالم والالتزام فعلياً بسياسة النأي بالنفس التي أقرّت في البيان الوزاري للحكومة السابقة وما قبلها وتم خرقها من «حزب الله» و«التيار العوني» في أكثر من واقعة وكان تأثير ذلك سلبياً على مسار العمل الحكومي وانتاجية الحكومة ككل.

سادساً: الطموحات الشخصية المتنامية لرئيس «التيار الوطني الحر» في التركيبة الحكومية المرتقبة ومحاولات توظيفها وبشكل نافر في الانتخابات الرئاسية المقبلة على حساب باقي مكونات الحكومة والحلفاء، الأمر الذي يتسبب بنفور وتباينات حادّة من الأطراف المشاركين الآخرين.

كل هذه العوامل والوقائع تشكّل عوامل ضغط وتداعيات قد تجعل مهمة الحكومة ومسارها ليس سهلاً على الأطراف وإنما مفروشاً بعوائق وصعوبات معقدة لا بدّ وان تؤثر سلباً على مهمة الانقاذ المنوطة بها، لا سيما في ضوء التباينات الحادّة وأساليب الاستئثار بمكوناتها وقراراتها، وبالتالي لا يمكن ان تكون نموذجاً لحكومات الموالاة والمعارضة التي يحتذى بها مستقبلاً وإنما يمكن الاستفادة من بعض جوانبها الإيجابية لتحسينها وتطويرها نحو الاحسن.