IMLebanon

أين تكمن العقدة و«القطبة» المخفية.. وأين حزب الله؟!

رغم اشتداد الإلحاح الدولي والدفع الديبلوماسي في اتجاه قيام حكومة جديدة، ورغم الانزلاق الحاصل في منحى التظاهرات وحركة الشارع باتجاه الفوضى والعنف، ورغم تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية بعدما دخلت في مرحلة الانهيار.. لا تتشكل الحكومة الجديدة ويحصل تأخير غير مفهوم في إعلانها، مع أنها حكومة اللون والفريق السياسي الواحد، ومن المفروض أن قدرة حزب الله على التحكم في عملية التأليف تكون أكبر وأفعل في هذه الحالة، خصوصا أنه أعطى أكثر من إشارة الى أنه يريد حكومة في أسرع وقت، وأن حاجته الى وجود حكومة باتت أكبر مما كانت عليه في الأشهر الماضية لأنه يريد التفرغ للتحديات الإقليمية التي استجدت بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني.. وبالتالي، فإن السؤال الأول الذي يطرح في الأوساط السياسية في بيروت: هل حزب الله يواجه مشكلة مع حلفائه وداخل فريقه، فكان من نتائج الوضع الجديد بعد 17 اكتوبر أنه فقد جزءا من نفوذه وتأثيره عليهم، ولم يعد قادرا على فرض وجهة نظره، أم أنه يجد صعوبة في التوفيق بين المصالح والمطالب المتضاربة بين حلفائه، ما ينعكس ارتباكا وإخفاقا في إدارة الملف السياسي والحكومي؟!

الرئيس نبيه بري وجد أن الوقت مناسب للعودة لاعبا محوريا مستفيدا من الضغوط التي يواجهها حزب الله من الخارج، والضغوط التي يواجهها الرئيس عون في الداخل.. وهكذا بدأ بري التعبير عن الوضع الجديد بأن عاد الى تحريك احتمالات عودة الحريري وجنبلاط الى الحكومة، ولكنه بعدما اصطدم بتحفظ مشترك من الرئيس عون وحزب الله، عاد للانتظام في الصف الحكومي موحيا بأنه مكلف بإدارة عملية التأليف بتكليف وتفويض من حزب الله.. وهكذا بدأ بري لعب دور محوري وعقد أكثر من اجتماع مع الرئيس المكلف حسان دياب الذي زاره قبل زيارته الى قصر بعبدا وبعدها، وبعدما كان دياب اعتمد النائب جميل السيد قناة تواصل وتفاوض، الأمر الذي أزعج بري عندما اكتشف أن جميل السيد هو عرّاب التكليف وربما يصبح عرّاب التأليف.. كما عقد بري اجتماعا مفصليا مع الوزير جبران باسيل ونجح خلاله في إقناع باسيل بعدم الذهاب الى موقف عدم المشاركة في الحكومة.. ولكن الرئيس بري الذي طوَّق محاولة باسيل لفرض شروطه وإلا الخروج من الحكومة، كان يطوِّق على خط آخر محاولة باسيل للحصول على الثلث المعطل بأن تكون حصته وحصة رئيس الجمهورية سبعة وزراء (من دون احتساب مقعدي الحليفين الأرمني والدرزي).. فهذا الثلث لا تقتصر أهميته على عمل الحكومة المقبلة لجهة امتلاك حق «الفيتو» وعرقلة أي قرار أساسي ومهم، وإنما يتجاوز الحكومة الى مرحلة التي يصبح فيها ملف رئاسة الجمهورية المقبلة في حال لم يحصل توافق وحصل فراغ رئاسي وباتت الحكومة هي السلطة التي تدير البلد وتؤثر على الاستحقاق.. وهنا يلتقي موقف بري من عدم إعطاء باسيل هذه الورقة السياسية المستقبلية مع موقف فرنجية الذي يريد ضرب ما تبقى من حظوظ رئاسية لباسيل منافسه المباشر وإفقاده النفوذ الذي كان له في حكومة العهد الثانية.

العقد والأسباب المباشرة التي أدت الى تجميد الإعلان عن الحكومة وتأخيره لأيام إضافية هي من الأسهل الى الأصعب:

٭ عقدة التمثيل الكاثوليكي، وحيث ثمة اعتراض كاثوليكي عام على الحقيبة الوحيدة غير الوازنة (بيئة)، وهذه العقدة يمكن حلها بإضافة حقيبة ثانية للوزير الكاثوليكي.

٭ عقدة التمثيل الدرزي التي حلت جزئيا بتنازل حزب الله عن الصناعة للوزير طلال ارسلان وأخذه وزارة الشؤون الاجتماعية محلها.

٭ عقدة تمثيل الحزب القومي الذي يريد مقعدا مسيحيا وأن تمثله في الحكومة أمل حداد (نقيبة المحامين سابقا) نائبة لرئيس حكومة ووزيرة للاقتصاد، ولكن الرئيس ميشال عون يريد ميشال منسى نائبا لرئيس الحكومة وزيرا للدفاع، ويريد أيمن حداد (المقرب من القومي والمسمى من باسيل) وزيرا للاقتصاد (وهذا ما أدى الى أن يصل دميانوس قطار الى وزارة العمل بعد تنقل اسمه من الخارجية الى الاقتصاد)، وطرحت تسوية بأن تكون أمل حداد نائبة لرئيس الحكومة من دون أن تشغل حقيبة وزارية.

٭ عقدة فرنجية الذي يرفض أن يكون لباسيل «الثلث المعطل» وأن يستأثر بالحصة المسيحية، مادام لا فصل بين حصة التيار الوطني الحر وحصة رئيس الجمهورية.

ويعتبر فرنجية أن تمثيل «المردة» بعد خروج القوات اللبنانية من الحكومة وعدم مشاركة الكتائب يجب أن يكون بوزيرين، في حين يعتبر باسيل أن فرنجية تمثل في حكومة الثلاثين وزيرا بوزير واحد وحقيبة أساسية، ولا يمكنه أن يطالب في حكومة الـ 18 بوزيرين.

موقف فرنجية شكل عقبة فعلية وإحراجا لحزب الله.. فرنجية لديه كتلة من خمسة نواب وموقفه يؤثر على الثقة النيابية بحكومة دياب الذي حاز 69 صوتا في استشارات التكليف وعليه أن يحافظ على هذا العدد.

وفرنجية يؤخذ وضعه وموقفه في الاعتبار عند حزب الله الذي لا يشارك في حكومة لا يكون فيها تيار المردة، مثلما كان لا يشارك في حكومة ليس فيها التيار الوطني الحر، وبالتالي فإن موقف فرنجية بألا يشارك في الحكومة مقابل منحها الثقة «لا يمشي» عند حزب الله وليس مقنعا بالنسبة له.

وثمة تمسك بإرضاء فرنجية، إما بأن يحمل وزيره حقيبتين أو بإعطائه وزيرا ثانيا بعد رفع مقاعد الحكومة من 18 الى 20.. وهذه الزيادة في مقعدين كاثوليكي (يسميه فرنجية) ودرزي (يسميه القومي) من شأنها أن تجد حلا للاعتراضات الأربعة الآتية طائفيا من الكاثوليك والدروز، وسياسيا من «المردة» والقومي.

يجري الحديث في دوائر سياسية عن صراع حكومي مستتر داخل الفريق السياسي الواحد بين محورين: محور حزب الله والرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر من جهة، ومحور الرئيس نبيه بري ومعه الحزب القومي وتيار «المردة» من جهة ثانية.. ويصل الأمر الى حد الحديث عن تنافس بين محورين «إيراني» و«سوري»، وأن دمشق تسعى الى استعادة نفوذها السياسي، وهذا ما بدأته في انتخابات 2018 وتستكمله في حكومة 2020.

ولكن هذا «التوصيف» ليس صحيحا ولا واقعيا، لأن الواقع السياسي يفيد بأن حزب الله، هو الذي يتحكم في مفاصل اللعبة السياسية وعملية تأليف الحكومة، ويأخذ وقته في تفكيك العقد وفي لعب دور «كاسحة الألغام»، آخذا في الاعتبار تناقضات ومصالح حلفائه، وساعيا الى التوفيق بينهم.

صحيح أن لديه قدرة تأثير ونفوذ هائل عليهم، ولكن أيضا ليست له قدرة فرض كل ما يريد، ويبقى لهم هامش مناورة وحركة وموقف.. ولكن في النهاية، فإن موقف حزب الله وقراره هو الذي يسري وتكون له الكلمة الفصل في الوقت المناسب.. فإذا كانت للحزب سياسة «الصبر الاستراتيجي» في المنطقة، ليست لديه مثل هذه السياسة داخل لبنان، حيث الوضع لا يحتمل ترف التأجيل والانتظار وكسب الوقت.. وفترة السماح لولادة الحكومة انتهت، فإذا لم تعلن هذا الأسبوع يصبح مصيرها مجهولا ولا يكون هناك إلا العودة الى مربع حكومة تصريف الأعمال.. ولكن في ظل وضع أكثر هشاشة وخطورة على المستويين الأمني والسياسي مع تحول حركة الشارع والانتفاضة الشعبية من «سلمية» الى «عنفية»، ومع ارتفاع الأصوات والدعوات المطالبة بانتخابات نيابية ورئاسية مبكرة.. المسألة لم تعد مسألة حكومة جديدة وإنما مسألة معادلة سياسية جديدة نتيجة سقوط التسوية الرئاسية التي لا تقتصر على خروج الرئيس سعد الحريري.