IMLebanon

دميانوس قطّار… وزير برتبة “عقل اقتصادي”

كتبت كلير شكر في “نداء لبنان”:

نادراً ما يكون بمقدور سياسي ما أن يعلق في ذهن الرأي العام، وهو لم يمضِ على كرسي السلطة أكثر من ثلاثة أشهر. دميانوس قطّار فعلها. لم تمنحه حكومة نجيب ميقاتي أكثر من مئة يوم من الخبرة الوزارية أشرفت خلالها على الانتخابات التي أعقبت زلزال اغتيال رفيق الحريري، كان خلالها في الواجهة المالية، وأحيل بعدها إلى التقاعد الوزاري المبكر.

لكن رصانته وقدرته على تبسيط المسائل المالية والاقتصادية المعقّدة وتقديمها بقالب “شعبي”، جعلته ضيفاً محبباً على شاشات التلفزة، مستفيضاً في تقديم رؤيته وتصوره لكيفية معالجة الوضع الاقتصادي وإدارة الدولة، لدرجة أنّ اسم الرجل أدرج على اللائحة الذهبية للمرشحين لرئاسة الجمهورية، فقط لأنّه متحدث لبق صاحب فكر متكامل. ولو لم يتبيّن خير هذا الفكر من شرّه.

عملياً، كانت بدايات قطّار مع رئيس الجمهورية السابق اميل لحود، حين كان يشكّل أحد أركان الفريق الاستشاري في قصر بعبدا، ويتردد أنّ جان لوي قرداحي كان صلة الوصل بينه وبين “اللحودية”، وعمل في حينه ضمن فريق بعبدا مع فريق الحريري الأب على أكثر من ملف اقتصادي ومالي، إلى أن اختاره نجيب ميقاتي وزيراً للمالية في حكومة العام 2005، قبل أن يزكّيه المهندس شادي مسعد أمام صديقه رئيس الحكومة المكلف حسّان دياب، الذي أُعجب بأفكاره وطروحاته ليصير واحداً من دائرته اللصيقة، ويحسم قراره باكراً في إعادته إلى المسرح الوزاري.

لحظة انطلاق قطار التأليف، بدا جلياً أنّ دياب يعتبر جلوس قطّار إلى جانبه على طاولة مجلس الوزراء، حاجة ماسة. إختاره بداية لحقيبة الخارجية ليكون رئيساً للدبلوماسية اللبنانية نظراً لكونه يجمع في “محفظة تحوّطه”، شبكة واسعة من العلاقات الخارجية. لكن “وسواس” الرئاسة، حال دون “بلْع” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل هذه السكين، فأبلغ المشاركين في الطبخة الحكومية: أي ماروني آخر إلا قطّار.

هكذا قفز اسمه من حقيبة إلى أخرى، وجرى التعامل مع حالته على أنّها “جوكر” قابلة للتوظيف في أي وزارة يرسيه عليها المدّ والجزر الحكوميان. إلى أن استقرت بورصة التداول عند وزارتي البيئة وشؤون التنمية الادارية.

بين الولايتين الوزاريتين، لم يجلس قطّار على رصيف الانتظار، لا بل عمل على تطوير نفسه، كما يقول عارفوه، سواء من خلال تعميق مخزون تجربته الاقتصادية عبر التنقل بين عدة مناصب اقتصادية ـ استشارية، أو من خلال توسيع مروحة علاقاته الداخلية والخارجية وتحديداً الغربية، ومنها بشكل خاص الحاضرة الفاتيكانية انطلاقاً من بوابة بكركي، حيث كان يوصف بأنّه كان أحد المقربين من البطريرك الراحل نصر الله صفير، الذي أوكل اليه مهمة رئاسة اللجنة الاقتصادية، ما جعله واحداً من الأسماء التكنوقراط الحاضرين دوماً على لائحة “موارنة الصفّ الأول” المرشحين للرئاسة.

إبن جزين، قدّم نفسه في العام 2014 “مشروع رئيس جديد للبنان”. قالها بوضوح: “أنا مرشح، وبرنامجي هو مسيرتي في حكومة نجيب ميقاتي الأولى ومجموعة الأعمال التي قمت بها ومحاضراتي”.

قد يؤخذ عليه أنّه من الذين ينتقلون برشاقة من محور إلى آخر، لكن عارفيه يجزمون أنّ الرجل ليس من طينة المستزلمين. وحدها كفاءته هي جواز مروره التي أبقت اسمه نظيفاً غير مخدوش بخدش الالتزام السياسي. بروفيله الاقتصادي المنكّه بالنكهة الغربية، يغلب على ما عداه. ولذا تمسّك فيه دياب ليكون “عقله الاقتصادي” في حكومة، قد يغفر لها كل أخطائها السياسية، لكن لن يسمح لها بارتكاب أي هفوة اقتصادية أو مالية.

أما جلوسه في صالون رئيس الحكومة يوم أمس الأول خلال استقبال بعض السفراء الغربيين، فلن يكون مشهداً تقليدياً، وقد حصل فقط لأنّ قطّار سبق له أن استهل دخوله مجدداً عالم “السلطة والمال”، من خلال سلسلة اتصالات ولقاءات قام بها خلال الأسابيع الأخيرة مع صناديق دول مانحة وداعمة، ولذا، ومن باب “اللياقات”، شارك في أولى الجلسات الرسمية مع الدبلوماسيين المعنيين.

لكن تركيز وزير البيئة سيكون على الملف الاقتصادي بشكل خاص، ليكون ذراع رئيس الحكومة التنفيذية في هذا المجال إلى جانب الوزراء المختصين وتحديداً وزيري المال والاقتصاد.

حتى الآن، نجح قطّار في مخاطبة الرأي العام، فكان وقع توزيره طيباً عند شرائح كثيرة. وهو اليوم يواجه أصعب امتحاناته العملية، فإما “يكرم وإما يهان”.