IMLebanon

من “الإختصاصيّين”… إلى حكومة “الفنّيين” السياسيّين

كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:

يروّج أركان الأكثرية الحاكمة أن حكومة الرئيس حسّان دياب تألّفت على أساس أنها تُلبي المطلب الشعبي منذ بداية الثورة وهو حكومة تكنوقراط مستقلة، لكن هذه التركيبة الجديدة تعرّضت لهجمات عنيفة من قبل الثوّار على اعتبار أنها حكومة سياسية ونسخة منقحة عن الحكومة التي سبقتها، والدليل على ذلك إقرار الأكثرية البرلمانية للموازنة التي هي من صنيعة الحكومة “الراحلة”.

لم يكن مُصطلح “تكنوقراط” حاضراً بقوة في السنوات الثلاثين الماضية أثناء تأليف الحكومات، لكنه عاد ليظهر مع بداية الثورة على اعتبار أن الطبقة السياسية فشلت في تحقيق طموحات الشعب لا بل إن قسماً كبيراً منها شريك في نهب الدولة وإيصالها إلى الإنهيار.

علمياً، إن مفهوم التكنوقراط هو أن يتولى زمام الوزارات أشخاص يملكون الخبرة والقدرة على معالجة التحديات الموضوعة أمامهم من منظار تقني لا سياسي. لكن الواقع أن حكومة دياب تألفت من أشخاص يملكون شهادات وخبرات في مجالات عدّة، لكن هذه الشهادات غير كافية لاجتياز أزمة مالية وإقتصادية بهذا القدر من التعقيد والتي تضرب لبنان منذ ما قبل بداية الثورة.

ويشبّه البعض حال هذه الحكومة من ناحية إختيار التقنيين بمثل الإستعانة بفني ميكانيك لتصميم محرك طائرة بدلاً من الإستعانة بمهندس مختص، ولذلك فإن إختصاص الميكانيك موجود في سيرته الذاتية لكنه لا يكفي لتصميم المحرك.

ومن الناحية العملية، فإن هذه المرحلة تتطلب خبرات متقدمة في إدارة الأزمات ورسم السياسات والتعاطي مع المجتمع الدولي في الشؤون المالية والإقتصادية والتفاعل مع القطاع المصرفي والمستثمرين. ويؤكّد عدد من الخبراء أن مشكلة الكهرباء والإتصالات ليست تقنية فنيّة فحسب، بل هي تنظيمية وقانونية ومالية، والبنى التحتية والطرق تعاني أيضاً من مشاكل إدارية وتحتاج لتخطيط وتمويل، والوضع الإقتصادي كما الصناعي والزراعي يحتاج إلى إعادة النظر في السياسات العامة وذلك من أجل جذب التمويل والإستثمارات ورقابة الأسعار والحفاظ على المنافسة لصالح المستهلك، وإعادة النظر باتفاقات مما يتطلب معرفة وخبرة واسعة في هذه المجالات.

وفي نظرة عامة على نوعية الوزراء الجدد، فإن أياً منهم (باستثناء قلّة قليلة) ليس لديهم سوابق في إنجازات عملية أو خبرة في الحالات الصعبة إقتصادياً أو إدارياً المطلوب حلها، ومع إحترام المستويات التعليمية والخبرات التي يتمتعون فيها إلا أنها ليست مرتبطة بطبيعة الأزمة، ففي هذه الحالة، من الصعب إعتبار أن هذه الحكومة هي مؤلفة من ذوي الإختصاص فعلاً.

وفي وقت ثار الشارع وطالب بحكومة مستقلين غير مرتبطة بالقوى السياسية التي أوصلت البلاد إلى هذا المستوى من الغرق، يظهر من طريقة تأليف الحكومة أن التنازع على الحصص والوزارات من قبل أحزاب الأكثرية بدا واضحاً، إذ يؤكّد المعارضون أن لا نية لتركها تعمل باستقلالية، لذلك فما معنى أن تطالب جهة سياسية بالثلث المعطّل أو بوزارة معينة إذا لم يكن لها قدرة على التحكم بقرار الوزراء الذين يُعيّنون في هذه المواقع؟

ويبقى في نظر من يريد إعطاء الحكومة فرصة أن هذه المرحلة تتطلب حكومة تحصل على ثقة غير مسبوقة من المواطنين اللبنانيين والمجتمع الدولي، لتتمكن من اتخاذ خطوات صعبة وغير شعبية من دون أن تلقى إعتراضات في الداخل أو عزلة من الخارج. فهل هذه الحكومة ستكون قادرة على ذلك أم ستصبح درعاً هشاً تختبئ خلفه القوى الحاكمة لتقي نفسها من غضب الناس عندما يحصل الإنهيار التام؟

من هنا، فان حكم الناس يجب أن يكون على السياسيين الذين يقفون وراء إختيار هذه الحكومة وليس فقط على الوزراء المعينين فيها سواء نجحت أو فشلت، علماً أن أزمة لبنان لا تحتمل المزيد من الفشل والتجارب والفرص والمماطلة.