IMLebanon

بعد “صفقة القرن”… لبنان يواجه صفعة التوطين

كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:

الخطر الداهم يطرق أبواب لبنان، فالبلد الذي قاوم التوطين منذ النكبة العام 1948، يقاتل الآن وحيداً من أجل ألّا تصبح هذه الكأس المرّة أمراً واقعاً يقضي على ما تبقّى من الكيان الذي تتقاذفه الرياح الإقليمية والدولية.

ليس هناك أوضح من مقدمة الدستور اللبناني التي صيغت في الطائف العام 1989 بعد 14 عاماً على اندلاع الحرب اللبنانية التي أشعلها الوجود الفلسطيني المسلّح، فأتت مقدمة الدستور جازمة وأكدت أن أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين، فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان وما من تجزئة ولا تقسيم ولا توطين.

قد يظنّ البعض أنّ هذه المقدمة مُجرّد حبر على ورق، لكن الأساس يبقى في ما يريده الشعب اللبناني وليس في ما ترغب به الدول الكبرى وتحاول فرضه على اللبنانيين.

والوضع اليوم ليس أسوأ من العام 1975، ففي تلك المرحلة كان الملف الفلسطيني محور خلاف بين المكونات الداخلية، يومها كان السنة والدروز وغالبية الشيعة والأحزاب والحركات اليسارية مع الوجود الفلسطيني المسلّح، بعدما تحوّل أبو عمّار إلى حاكم فعلي للبنان، في حين تصدّت المقاومة المسيحية له وأجبرته على التراجع وحرّرت مناطق عدّة مثل مخيمات الضبية والكرنتينا وتل الزعتر.

ويختلف الوضع كثيراً بين الأمس واليوم، فالمسيحي ما زال على رفضه للتوطين، والشيعي يُعد من الأشرس معارضةً لهذا الملف، والدرزي مع حقّ العودة فيما السني أيضاً مع تطبيق “اتفاق الطائف” ورفض التوطين والتمسّك بحقّ العودة وسط تغيير في أولوياته.

وعلى رغم الأزمة الإقتصادية التي تضرب لبنان، وهي الأشدّ وطأة منذ عشرات السنوات، إلا أن هذا الموضوع لا يعني أن التوطين قد فُرض حكماً.

وتؤكّد مصادر لبنانية رسميّة أن القرار الرسمي بمواجهة التوطين مُتخذ ولا ينتظر إقرار صفقة القرن أو الإعلان عنها، وهذا الأمر متعلّق بصلب السياسة الداخلية والخارجيّة لأنه من الثوابت غير القابلة للتغيير.

وعلى رغم خطورة صفقة القرن التي تطال لبنان في الصميم وتؤدّي إلى توطين الفلسطينيين في دول الشتات، إلا أنّ الأمل يبقى لدى الدولة اللبنانية بنجاح مساعيها في أن يستمرّ العالم بتفهّم الحساسية اللبنانية والتركيبة الداخلية الهشّة.

وتراهن الجهات الرسمية على الموقف الأوروبي، إذ إن “القارة العجوز” وعلى رأسها فرنسا تعلم جيداً أن أي قرار رسمي بالتوطين سيؤدّي إلى تغيير طبيعة لبنان الديموغرافية، ويضرب التوازن فيه بشكل كبير إذ إن نسبة الوجود المسيحي ستتقلص وتنهي الصيغة اللبنانية القائمة على التوازن الإسلامي- المسيحي.

وإضافةً إلى موقف فرنسا، فان لبنان يتكل على مساندة الفاتيكان في هذه النقطة، ويعتبر الكرسي الرسولي أن هذا البلد يشكّل أكبر نموذج للتعايش الإسلامي- المسيحي، وبالتالي فان الحفاظ على الصيغة اللبنانية هو مطلب الفاتيكان، وإن كان لا يتناسب مع سياسات الدول الكبرى.وأمام كل ما يحدث، يُتوقّع أن تطلق الديبلوماسية اللبنانية حملة واسعة لشرح مخاطر التوطين على لبنان، وطلب المساعدة من الأصدقاء العرب والأجانب لتجنيب البلاد هذه الكأس المرة. ويرفع لبنان سلاح التمسك بالمبادرة العربية للسلام التي أقرتها القمة العربية التي انعقدت في بيروت في العام 2002، لا سيما لجهة حق عودة الفلسطينيين الى أرضهم وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.

وعلى رغم خطورة ما يحصل في المنطقة، إلّا أن قسماً من الفريق الداخلي يتلهى بالقشور من أجل تحقيق المكاسب محاولاً استغلال هذه اللحظة الخطيرة، خصوصاً أن بعض نواب وكوادر فريق “8 آذار” يرددون أن الثورة هي من أحد إنتاجات صفقة القرن ولذلك اندلعت في هذا التوقيت، في حين أن كل السياسات الخاطئة وطريقة إدارة الدولة أوصلت لبنان إلى أن يكون ضعيفاً وغير قادر على المواجهة كما يجب.

في السابق، وقف الشباب اللبناني وواجه التوطين وكل المخططات الخبيثة وسقط عدد لا يستهان به من الشهداء، واليوم المشكل ليس مع الفلسطيني بل مع الخطط الخارجية، وبالتالي فإنّ الدولة مطالبة بوضع خطة مواجهة لكي لا يتحوّل التوطين أمراً واقعاً.