IMLebanon

“الحزب” وحلفاؤه… مخيّم بخيام كثيرة

كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:

 

منذ رحيل قوات النظام السوري من لبنان في نيسان 2005 تولى “حزب الله” رعاية مصالح حلفائه وجمعهم ضمن ما يسميه محور الممانعة. كان مسؤولا الإستخبارات السورية غازي كنعان ثم رستم غزالة يديران المنظومة السياسية والأمنية التابعة لهم من عنجر والرملة البيضاء فصارت هذه المجموعة تدار من حارة حريك. “حزب الله” غير مرتاح لأداء هؤلاء ولكنه لا يجد مفرّاً من هذه المهمة التي لم تكن مريحة في تجربة تشكيل الحكومة وتقاسم الحصص.
لا شك في أن “حزب الله” عانى من حالة فقدان للتوازن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 ثم بعد انتفاضة 14 آذار. كان يعتقد أن الإغتيال سيزيل رجلاً وحالة شعبية ويعيد تكريس دوره ودور النظام السوري في لبنان إلى مرحلة جديدة لا حدود لها، ولكن النتائج لم تكن كما خطط لها نتيجة التدخل الدولي المباشر على خط الأزمة، وإرسال لجنة تقصي الحقائق لكشف من يقف وراء جريمة الإغتيال. قبل أن تأتي هذه اللجنة كانت عائلة الرئيس الحريري الغارقة في الحزن تطلب من الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله إذا كان من الممكن أن يساعد في التحقيق.

وراثة دور الاسد

على رغم قرار رئيس النظام السوري بشار الأسد في 5 آذار 2005 الإنسحاب من لبنان والإنصياع لتهديدات الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن، حاول السيد نصرالله أن يؤخر هذا الإستحقاق.

في 8 آذار لم تكن لديه مخاوف أمنية كبرى من النزول إلى ساحة رياض الصلح مع سائر الحلفاء ليقولوا “شكرا سوريا”، ولكن هذا الشكر لم يمنع الأسد من الرحيل. كان أدرك مرغماً أن ساعة ترك لبنان قد حانت وأنه لم يعد باستطاعته أن يقف في مواجهة مسار التاريخ، وأن ما كان منذ كانون الأول 1975 قد انتهى.

الرد على 8 آذار كان في 14 آذار. البعض يعتبر أنه لو لم يكن يوم الشكر لسوريا لما كانت تلك الثورة. لقد ساهم “حزب الله” بولادتها من دون أن يقصد. التخبط الذي دخله “الحزب” حاول أن يتداركه ولكن من دون جدوى. استقال الرئيس عمر كرامي. حاول بكل قوة أن يعيد تسميته فلم تنجح المحاولة. إرتضى أن يكون الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً لحكومة انتقالية تؤمن الإنتخابات في موعدها ربيع العام 2005، وبقبوله هذا لم يكن باستطاعة رئيس الجمهورية إميل لحود أن يمانع، فقد كان “الحزب” يمون عليه أيضاً باعتبار أنه من ضمن عدة شغل عهد الوصاية. ومن ضمن هذه التسوية المرحلية ارتضى “الحزب” أيضاً أن يدخل في تسوية انتخابية خصوصاً أنه كان في موقع ضعف نتيجة التحولات الشعبية، وهذا ما ظهر بوضوح في انتخابات دائرة بعبدا حيث لم يجد السيد حسن نصرالله حرجاً في تبني شعار الـ10452 كلم مربع. كان قبوله اضطراراً لا خياراً. كان يعرف أنه يدخل إلى انتخابات أعطت قوى 14 آذار الأكثرية وشكلت انقلاباً على عهد الوصاية وعليه، ولذلك كان عليه أن يسعى لاحتواء هذا التحول.

“الخط” زائد “التيار”

في ظل هذه الظروف ذهب في 6 شباط 2006 إلى تفاهم مار مخايل مع “التيار الوطني الحر” ورئيسه العماد ميشال عون الذي عاد في 7 أيار 2005 إلى بيروت معتقداً أن هذه العودة ستحمله حكماً إلى قصر بعبدا. كان هذا التفاهم في بدايته زواج مصلحة ولكنه تحول إلى تحالف لم يعد من مصلحة أي من طرفيه الخروج منه. ولكن مرتبة التفاهم بين الطرفين ظلت أرفع من علاقة “الحزب” بباقي أعضاء فريق الممانعة.

على مدى 15 عاماً تفاوتت العلاقة بين هؤلاء الحلفاء ولكنها بقيت ثابتة على ثابتة وحيدة هي مونة “الحزب” عليهم جميعاً وهو كان يتولى تحديد حصصهم وأدوارهم. ولكنهم في توزيع الحصص في تشكيل الحكومة الحالية أتعبوه مع تسجيل فوارق في العلاقة مع طرفين أساسيين من الحلفاء النائب أسامة سعد و”الحزب الشيوعي”.

صحيح أن النائب طلال أرسلان يقيم في خيمة “التيار الوطني الحر” ولكن مقره الأساس هو في مخيم “الحزب”. وهو لا يستطيع أن يرفض طلباً له. هو الذي يحدد له متى يكون في الحكومات ومتى لا يكون، وأي حقائب يتولاها مع الأخذ بالإعتبار طبيعة العلاقة مع “الحزب التقدمي الإشتراكي” ورئيسه وليد جنبلاط.

جهد “الحزب” لاختراق التثميل النيابي السني في الإنتخابات النيابية الأخيرة على حساب “تيار المستقبل”. لم يكتف بذلك بل أراد أن يفرض على الرئيس سعد الحريري تسمية وزير يمثل ما سماه “اللقاء التشاوري”، الذي ضم النواب السنة الستة الذين يدعمهم. لم يستطع الحريري أن يمانع ولذلك صار حسن مراد وزيراً. ولكن مع تشكيل الحكومة الحالية سجل النائب جهاد الصمد معارضة وأعلن أنه لن يمنح هذه الحكومة الثقة مع أنها ضمت وزيراً يمثل هذا اللقاء. منذ الإنتخابات لم يلتق نواب هذا اللقاء إلا تحت خيمة “الحزب” وحتى لو اختلفوا مع بعضهم فيظل “الحزب” يجمعهم.

رئيس تيار المردة سليمان فرنجية حالة مختلفة. هو في الأساس ينطلق من حيثية شعبية ومناطقية، لا يحتاج إلى دعم “الحزب” على الأرض بل في السياسة. دائماً يعتبر أنه في “الخط” ولا يمكن أن يخرج منه ولكن هذا الأمر لا يحول دون بناء علاقات مع الجميع، ولذلك يقول أنه يلقى قبولاً من الجميع. وعلى هذا الأساس كانت المصالحة مع “القوات اللبنانية” ولقاء رئيسها سمير جعجع في بكركي. وعلى هذا الأساس أيضاً لا يجد حرجاً في لقاء الديبلوماسيين الغربيين ومن بينهم السفراء الأميركيون. منذ اتفق فرنجية مع الرئيس سعد الحريري على أن يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، انخدشت علاقته مع “الحزب” ولكن هذا الأمر لم يمنعه من عدم الخروج عن كلمة السيد حسن نصرالله، بالنسبة إلى التسليم بأحقية ترشيح العماد عون والإمتناع عن النزول إلى مجلس النواب، حتى عندما كان يمكن أن يتم انتخابه رئيساً. وهو في مباحثات التشكيلة الحكومية أتعب “الحزب” بمعارضته لما يمكن أن تكون عليه حصة الوزير جبران باسيل وبما يريده هو من حصة، وبحكم ثبات موقعه السياسي في الضفة المسيحية أعطي الحصة التي أرادها ليشارك على قاعدة أنه لا تتشكل حكومة من دونه.

الأمر لم يكن على هذا المقياس مع “الحزب السوري القومي الإجتماعي”. من أجل أن تولد الحكومة لم يتم التمسك بتمثيله فيها. ثمة أجواء سلبية داخل القاعدة الحزبية تجاه “حزب الله” وإن كانت بمستوى أقل مما هي عليه تجاه “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل. ولكن على رغم ذلك لا يخرج “الحزب القومي” من تحت عباءة “حزب الله” لأنه يبقى جزءاً من مخيمه.

تصدّ محدود

ثمة تصدع في لائحة الحلف الممانع برزت في مواقف النائب أسامة سعد. فهو لم ينضم إلى اللقاء التشاوري ولم يشارك في بازارات التوزير. أكثر من ذلك هو مشارك في ثورة 17 تشرين وفي خيمة الحراك في صيدا، وهو لم يسمّ الدكتور حسان دياب لرئاسة الحكومة وقد لا يمنح الحكومة الثقة. إنه معارض على طريقته وهذا الإختلاف مع “حزب الله” لم يحسن علاقته بالطرف الآخر خصوصاً “تيار المستقبل” مثلاً، ولا هو خرج من مخيم الممانعة إلى 14 آذار مثلاً. إنه مرتاح في الخيمة التي نصبها في صيدا وهو باق فيها، يعرف أنه يمكن أن يكون نائباً في المرة المقبلة ولا يمكن أن يكون وزيراً ولا مرشحاً لرئاسة الحكومة.

“الحزب الشيوعي” بدوره يبتعد عن “حزب الله”. لم يضع “الحزب”، مرة، شرطاً بأنه لا يمكن أن تتشكل حكومة مثلاً من دون أن يتمثل فيها “الشيوعي”. ولم يرتضِ أيضاً الحزب، مرة، أن يرشح شيوعياً أو شخصاً يرشحه “الشيوعي” على لوائحه أو على لوائح “أمل”. “الشيوعي” الذي يبحث عن هوية سياسية جديدة وعن تموضع وعن إرث مفقود، يبقى في عزلته الخاصة مشاركاً في ثورة 17 تشرين على طريقته وفي خيم كثيرة وتحت مسميات عديدة، ولكنه في الإجمال لا ينتقل إلى مخيم آخر.

مع “التيار الوطني الحر” مرت علاقة “حزب الله” بطلعات ونزلات ولكنها لم تقع. أكثر ما اهتزت في مرحلة الإنتخابات الأخيرة خصوصاً في دائرتي جبيل والبقاع الشمالي. حاجة كل من الطرفين إلى الآخر تجعلهما يقفزان دائما فوق الإعتبارات الأخرى.

أيّ منهما من دون الآخر سيكون ضعيفاً. غطاء “حزب الله” لـ”التيار” كبير وهو الذي أمّن له دائماً الحضور الوزاري. وتغطية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار” لـ”الحزب” كبيرة أيضاً. لأنه من دون ذلك يصبح خارج أكثرية السنة والمسيحيين والدروز. وهذا يعتبر انتحاراً له باعتبار أنه يفقد أي فرصة في الحصول على الأكثرية النيابية أو على الثلث المعطل في مجلس النواب. وهو من دون شك يقيس كل فترة نسبة التراجع في شعبية “التيار”.

مع الرئيس نبيه بري المسألة مختلفة. الثنائي الشيعي يدرك أنه لا يمكن أن ينقسم في هذه المرحلة. لم يكونا معاً ولكن الأمر الواقع يجعلهما معاً، حكماً. التحديات التي خاضها “الحزب” جعلت مصير معظم التركيبة الشيعية في دائرة الخطر. التحالف مع “الحزب” دخول أعمى في الخطر. والخلاف معه انتحار. ولذلك يتحمل “الحزب” الرئيس نبيه بري و”الحركة” ويحاول أن يستوعب خلافاتهما مع الحلفاء الآخرين، ولكنه في النهاية لا يترك أي مجال لتفضيل العلاقة مع من تختلف معه “الحركة” والرئيس بري.

يدرك “الحزب” أنه يدخل مرحلة خطيرة ومصيرية. وفي الوقت نفسه يراجع ما كان من علاقات متباعدة بين الحلفاء المفترضين، معتبراً أنهم لم يكونوا بالمستوى نفسه تجاه تقدير حجم المخاطر، بحيث أنهم ذهبوا إلى التمسك بمصالحهم الخاصة أكثر من تمسكهم بمصلحة تيار الممانعة. هذا الأمر يزيد من حدة ارتياب “الحزب” تجاه ما يمكن أن يذهب إليه حلفاؤه في حال كبرت حدة المواجهة وتعرض لضغوط أكثر. وبالتالي هو يحسب ما يمكن أن يأخذوه من مواقف في حال خفت قدرته على الضبط. لأنه لن يكون باستطاعته أن يمون عليهم في كل وقت وأن يرضيهم في كل وقت.