IMLebanon

القصة الكاملة لـ”القطيعة” بين الحريري والمشنوق

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

هو الخروج الرسميّ والعلنيّ، من أحد عشر عاماً أمضاها النائب نهاد المشنوق في كتلة المستقبل النيابية، منذ 2009، نصفها متربّعاً على كرسي وزارة الداخلية والبلديات، بين شباط 2014 وشباط 2019. سنوات لعب خلالها دور “السدّ” الأوّلي، دفاعاً عن رئيس الحكومة ورئاسة الحكومة وبيت الوسط، مكلّفاً بأصعب الملفات الأمنية والسياسية، التي لا تبدأ باحتواء “الإرهاب”، وطابعه سنّي، ولا تنتهي بجلسات الحوار مع “حزب الله”، في رعاية حركة “أمل”، وما بينهما من مناوشات مع جبران باسيل و”وهم” المارونية السياسية الذي كان يؤرق وزير الداخلية والنائب عن بيروت.

تبدأ الحكاية من يوم كان المشنوق وزيراً. من دون سابق إنذار، كانت تنطلق حملات ضدّه من داخل قيادة “المستقبل”، مستعينة ببعض “اللصيقين ببيت الوسط”، كما سمّاهم المشنوق في واحدة من بياناته الأخيرة. ثم تتوسّع لتشبه “الرأي العام”، وهو في غالبه “مصطنع”، هدفه “تحجيم” وزير كان مستشار بيت الوسط يرون فيه خطراً على “زعامة” الحريري الناشئة.

كان يُطلب منه تنظيم الأوضاع التي زادت فوضاها عن حدّها في سجن رومية، وحين يفعل يأتي من يتّهمه بـ”ضرب السنّة”. وكأنّ هؤلاء المتهمين بالإرهاب يكونون إرهابيين حين يريد سعد الحريري سجنهم لئلا ينافسوه في “شعبيته” الطرابلسية، ويصيرون “أهل السنّة” إذا ضربهم عنصر في قوى الأمن الداخلي خلال ولاية المشنوق في “الداخلية”. هذا رغم أنّ المشنوق يؤكد أنّ التحقيقات أدّت إلى سجن 3 عناصر وعقوبات شديدة بحقّ 3 ضبّاط، في سابقة لبنانية وعربية، حين يعتدي سجّان على سجين، فيصير سجيناً مثله.

يُزكّيه الحريري ليعقد جلسات الحوار مع “حزب الله”، هو والنائب سمير الجسر وابن عمّة الحريري، نادر، وللتنسيق مع رئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا في الملفات الأمنية، وحين يتدخّل لإنقاذ 1500 “سنّي” من بلدة الطفيل البقاعية، تفلت عليه “أبواق” قريبة من بيت الوسط لتتّهمه بأنّه “رجل وفيق صفا” وعرّاب هزيمة “الطفيل”. وكأنّ الطفيل هي ستالينغراد التي دفعها المشنوق للاستسلام، وليست قرية أهلها مدنيون كادوا “يروحون فرق عملة” لولا المشنوق.

زادت الاتهامات عن حدّها في كلّ الملفات، حتّى اكتملت قناعة المشنوق “بوجوب سرد الحقائق على صراحتها، ومثلما هي تماماً، لوضع حدّ للتهجمات التي لا تستند إلا الى روايات من نسج خيال صانعيها”.

إنطلق الخلاف بين الحريري والمشنوق على إدارة التسوية الرئاسية، التي لا ينكر المشنوق أنّه كان أحد أركانها. لكنه منذ لحظة الإعلان عنها لم يعد شريكاً في إدارتها “لأنّ الحريري قرّر أن يسلك مساراً تنازلياً واستسلامياً”، بينما كان المشنوق يريدها “تسوية الشجعان والأقوياء”، بهدف “الصمود والصلابة” لحظة انهيار القوى المواجهة لـ”حزب الله” وتقدّم المشروع الإيراني في حينه.

في هذا الجانب تكثر ملاحظات المشنوق وتزيد لتصل إلى حدّ اتّهام الحريري بأنّه “فضّل الإستسلام والتراجع إلى حدّ التفريط بصلاحيات رئيس الحكومة والدور السني بشكل عام”.

شكّلت هذه النقطة وفق المشنوق “لبّ الإختلاف مع الحريري”، ولم يتوانَ عن التعبير عنها في محطات عدّة من خلال تحفّظاته، وتسجيل اعتراضاته بصوت خفيض، بينه وبين أمين عام رئاسة مجلس الوزراء السابق فؤاد فليفل، بدلاً من العلنية، احتراماً لمقام الرئيس الحريري، في محاضر مجلس الوزراء، أكثر من مرّة، على قرارات “تراجعية” و”استسلامية”، أبرزها التعيينات الإدارية والقضائية وقانون الانتخاب. فلحظة إقرار القانون خرج المشنوق ليصفه بأنّه قانون “لئيم وخبيث لأنه يخلق تنافساً داخل اللائحة الواحدة” ولم يتردد في التصويت ضدّه، وعلناً، في مجلس النواب، ووصفه خلال حملته الانتخابية بأنّه “قانون قابيل وهابيل”.

كلّ هذا أزعج الحريري، وهذا طبيعي، لكنّ الخلاف بين الرجلين كان يبدأ في السياسة وينتهي فيها. في حين كان القريبون من الحريري يشنّون الحملات على مواقع التواصل، لإظهار المشنوق “عدوّ السنّة”. وكان المشنوق يصمت، باعتبار أنّه “يحمي” رئيس الحكومة، ويأخذ الطعنات بصدره بدلاً منه. ليتبيّن له لاحقاً أنّها “طعنات الغدر وليست طعنات الأصدقاء”.

وفي 31 أيّار من العام الماضي، تحدّث المشنوق من على منبر دار الفتوى محذّراً من تمادي باسيل في الاعتداء على رئاسة الحكومة، وتمادٍ مقابل من الرئيس الحريري بالسكوت على الاعتداء، تحت شعار “التضحية”، مطلقاً مقولته الشهيرة” عيد الأضحى مرّة واحدة في السنة وليس كلّ يوم”. وفتحت المعركة منذ ذلك اليوم في مقدمة تلفزيون المستقبل ولم تنتهِ حتى اليوم.

وكان هذا التوجّه قد بدا واضحاً في “الطعنة” التي أفصح عنها المشنوق، قائلاً إنّها أتته من “ماكينة تيار المستقبل في الانتخابات”. لم يقل “من الحريري”، بل من “الماكينة”. الحريري أكمل الطعنة بقرار “فصل النيابة عن الوزارة، والذي كان المشنوق مستهدفاً به، وحده وليس أحد غيره”. عند هذا الحدّ انتهت العلاقة لتطوي حقبة تاريخية عايش خلالها المشنوق رفيق الحريري من بدايات مشواره السياسي حتى آخر أيّامه، وحاول أن يكون إلى جانب الإبن لكنّ الأخير “لا يريد أصواتاً من حوله، بل أصابع تبصم، وأصداء صوته فقط”.

كثيرة هي ملاحظات المشنوق، لا تبدأ بسكوت الحريري عن إهانة الرئاسة الثالثة في أوّل اجتماع للحكومة بعد التسوية، حين وُزّع خبر يتحدث عن “اجتماع برئاسة رئيس الجمهورية، وبحضور رئيس الحكومة”، ولا تنتهي بسكوت الحريري عن “تطاول” باسيل على العرب، وذات يوم وصف السياسة الخارجية للبنان بأنّها “شاردة”، قاصداً الاعتراض على تصويت لبنان ضدّ مرشّح مصر، مع مرشّح قطر في “اليونيسكو”.

طوال ولايتيه الوزاريتين، رفض المشنوق أن ينسّق مع باسيل، بل كان يواظب على زيارة رئيس الجمهورية مرّة كل أسبوع ليضعه في أجواء عمل وزارته. بينما “قبل الحريري أن يكون ندّاً لباسيل، وصولاً إلى تطاول باسيل عليه وقوله له: معاً في الحكومة أو معاً خارجها”، بعد ثورة 17 تشرين.

هو المشنوق، ينتمي إلى “سلاسة كلاسيكية” في السياسة اللبنانية. بدأ حياته في السياسة قبل أربعين عاماً، قبل الطائف بكثير، وعايش حقبات سياسية متعدّدة، ويدرك أهميّة “الطائف” وما منحه للسنّة والمسلمين من صلاحيات يستحقّونها “لا يجوز التفريط فيها”. والنقطة الأخيرة هذه تشكّل نقطة الخلاف الأساسية أو مربط فرس الخلاف الآخذ في التوسّع بين الرجلين، خصوصاً حين يعتبر المشنوق أنّ “دياب بدا أكثر تماسكاً” خلال تشكيله الحكومة. حكاية خلاف الحريري – المشنوق لم تنته فصولاً بعد. فالسجالات الإعلامية لا تزال مستمرّة ومرشحة للتزايد طالما أنّ الطرفين موجودان على حلبة السياسة ذاتها، خصوصاً في ظل غياب “ضابط إيقاع” يحدّ من التوتر بينهما أو يعيد تقريب وجهات النظر.