IMLebanon

هل يمكن “تبييض” صورة حكومة اللون الواحد؟

كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:   

“لا يُمكن تبديل الصورة التي ارستمت عن هذه الحكومة منذ تسمية رئيسها ومروراً بكل مراحل المشاورات التي استغرقت أسابيع عدّة لتشكيلها وإنجاز ولادتها بشكل نهائي”

هل تنفع محاولات «تبييض» لون حكومة الرئيس حسان دياب، من حكومة «حزب الله» أو ما أطلق عليها حكومة اللون الواحد، إلى حكومة مستقلين واخصائيين متعددة؟

منذ تشكيل الحكومة الجديدة من أطراف متحالفين مع «حزب الله» حصراً، وهم «التيار العوني» وحركة «امل» والذين يدورون في  فلكهم، مباشرة أو بشكل غير مباشر، تبذل محاولات متواصلة وتنظيم ندوات سياسية واعلامية، للترويج بأن هذه الحكومة، ليست حكومة «حزب الله» أو حكومة اللون الواحد، بل تضم في صفوفها، من رئيسها وباقي الأعضاء، شخصيات مستقلة إلى حدٍ ما ومن مناطق وتوجهات متعددة وكلهم من الاختصاصيين في مجالات عملهم وليسوا من السياسيين أو الحزبيين الملتزمين، وهذا مطلب مهم من مطالب الحراك الشعبي الذي يلحّ على تشكيل حكومة «تكنوقراط» منذ بداية تحركه في 17 من شهر تشرين الأوّل الماضي.

ولذلك، ومن وجهة نظر هؤلاء المسوقين لهذه الحكومة، فإنه من الظلم تسمية هذه الحكومة بحكومة اللون الواحد كما يروّج لذلك خصومها ومعارضيها السياسيين وغيرهم، بل يجب تصوير الحكومة بشكل مختلف ومتنوع واستقلالية تركيبتها واعطائها صورة مغايرة للصورة التي تروج لها.

ولكن في المقابل، لا يُمكن تبديل الصورة التي ارتسمت عن هذه الحكومة منذ تسمية رئيسها ومروراً بكل مراحل المشاورات التي استغرقت أسابيع عدّة لتشكيلها وإنجاز ولادتها بشكل نهائي. وبالرغم من محاولات إظهار هامش الاستقلالية أو وجود مساحة سياسية معينة لرئيسها لتشكيلها، الا ان وقائع الأيام الأخيرة أظهرت بوضوح انه لولا التدخل الحاسم لحزب الله بالضغط على كل الأطراف المشاركين بالحكومة بواسطة موظفين أو مستشارين أو تابعين لهم، لما حسمت عملية التشكيل وانتظم الجميع في التشكيلة الحكومية المرسومة من أوّلها إلى يائها، ناهيك عن ان تسمية رئيسها قد تمت حصرا من القوى السياسية المنتظمة في حلفها من «حزب الله»، في حين رفضت باقي الأطراف والأحزاب الأخرى المنافسة تأييده لتولي رئاسة الحكومة أو امتنعت عن تسميته. انطلاقاً من هذه الوقائع الملموسة فإن حملة الترويج السياسي لنزع صبغة حكومة اللون الواحد عن حكومة الرئيس حسان دياب لا تأتي هكذا من هباء، بل ترمي كذلك إلى ابعاد هيمنة «حزب الله» بشكل رئيسي عليها خلافاً للواقع، والحقيقة بلغت لأجل تقريبها أكثر الى الداخل اللبناني الذي يعارض بمجمله تسلط سلاح الحزب على الواقع السياسي منذ خروج الجيش السوري من لبنان وثانياً لإعادة تطبيع العلاقة مع معظم الدول العربية وتحديداً الخليجية منها وثالثاً للانتفاح على الغرب وعلى الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، على أمل ان يؤدي ذلك إلى التعاون أكثر على صعيد مد يد المساعدة وتمكين لبنان من حل مشاكله المالية والاقتصادية التي يُعاني منها في الوقت الحاضر.

ولكن هذه الأمنيات والطموحات دونها عقبات وعراقيل لا يمكن تخطيها لاقناع الداخل والخارج بأن تشكيل حكومة الرئيس دياب هي بالفعل من المتغيّرات الجديدة المطلوبة وليست متغيرات شكلية تحت مسمى حكومة «التكنوقراط» للتلاعب على مطالب التغيير بالداخل وشروط العرب والمجتمع الدولي للتنوع الديمقراطي والتغلب من هيمنة سلاح «حزب الله» وحلفائه.

فالتركيبة السياسية والميلشيوية التي انتظمت تحت عباءة «حزب الله» والنظام السوري الاسدي وانقلبت على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في العام 2010، وامعنت بالزج بلبنان في سياسة محور الأسد – طهران منذ ذلك الحين واساءت لعلاقات لبنان العربية والخليجية منها، ما زالت هي نفسها، تهيمن على الواقع السياسي والسلطوي، بالرغم من بعض مظاهر التغيير المموه من وقت لآخر، ولكن لم يحصل أي تغيير أو تبديل جوهري باتجاه إرساء علاقات عربية أكثر انتظاماً وإيجابية عن السنوات العشر الماضية.

فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تجاوز سياسة النأي بالنفس التي التزمتها الحكومتان السابقتان في أكثر من مناسبة وحدث خلال السنوات الثلاث الماضية، إن كان من خلال المواقف المنفردة التي كان يتخذها وزير الخارجية السابق جبران باسيل في الجامعة العربية وغيرها من بعض القضايا المطروحة أو الاصطفاف إلى الجانب الإيراني أو النظام السوري في مواجهة الدول العربية والخليجية منها، أو التنصل المستمر من المباشرة في مناقشة موضوع «الاستراتيجية الدفاعية» التي تتناول تنظيم سلاح «حزب الله» الذي يُشكّل وجوده على هذا النحو المتفلت خلافاً كبيراً بين اللبنانيين، في حين يمعن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في معظم خطبه واطلالاته التلفزيونية في توجيه التهديدات المتواصلة للبنانيين الذين يرفضون ويعارضون بشدة استغلال سلاح الحزب في الواقع السياسي الداخلي والزج به في الحروب الاهلية بسوريا والعراق لصالح إيران، واستعمال لبنان منصة للتهجم المتواصل على الأشقاء العرب والخليجيين، ناهيك عن توجيه التهديدات ضد وجود القوات الأميركية بالمنطقة للثأر من مقتل قاسم سليماني في الآونة الأخيرة.

بالطبع مثل هذه الوقائع الموجودة والخطاب السياسي المنحاز للنظام الإيراني والمغاير للمصالح اللبنانية الصرفة، إن كان مع الأشقاء العرب تحديداً أو الغرب عموماً والمجتمع الدولي أيضاً، لا تساعد على إعطاء انطباع بأن حكومة الرئيس حسان دياب، ليست حكومة «حزب الله» أو اللون الواحد، مهما استعملت من عبارات منمقة أو صيغ تجميلية لتغيير النظرة إليها بالداخل والخارج معاً، لأن الحقيقة لا يمكن طمسها بكلمة أو عبارة مموهة من هنا أو هناك.