IMLebanon

حليب الأبقار لا يكفي لإعالتها

كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة “نداء الوطن”:

أضحت “الأعلاف والأدوية البيطرية ومشتقاتها” وقود “ثورة الفلاحين” القادمة، فبينما يرى وزير الزراعة في حكومة الممانعة الجديدة أولويته في التوجه إلى سوريا، يُعلّق خمسون ألف مزارع لبناني آمالهم المعيشية على المساعدات المادية التي ستنتج عن زيارة وفد الإتحاد الأوروبي ومنظمة الفاو غداً الأربعاء، “برعايته وحضوره”، وإلّا “ثمانون بالمئة من الأراضي الزراعية ستبقى بوراً ولدينا 45 يوماً فقط لتدارك الموسم الزراعي ناهيك عن مشاكل مربي المواشي” وفقاً لتصريح أمين عام العلاقات العامة للنقابات الزراعية علي شومان.

تحتدم بين المزارعين والوضع الإقتصادي الراهن “حرب وجودية” عبّر عنها المزارعون ومربو المواشي بوضوح عندما أعلنوا للملأ عدم قدرتهم المادية على زراعة أرضهم هذه السّنة، وعن خسارتهم في انتاج الحليب، في بلدٍ يبدو أنه يعتمد بالكامل على الدولار في تسعيره للمواد الأولية التي يحتاجونها. فبعد أن كانت كلفة العلف تعادل ستمائة ألف ليرة لبنانية للطن الواحد بات الطن يكلف بين ثمانمائة ألف ومليون ليرة حسب صعود أو نزول سعر الصرف! ويقول شومان “صارت البقرة الحلوب مع فرق العملة تأكل بمبلغ قدره خمسة وثلاثون ألف ليرة لبنانية في اليوم، وتدرّ حليباً بين العشرين والأربعة عشرين ليتراً أي ما يقارب الخمسة وعشرين ألف ليرة، فبعد أن كنا نربح يومياً خمسة آلاف ليرة في بيع الحليب، صرنا نخسر على البقرة بين التسعة والأحد عشر ألف ليرة، ما أدى إلى اتجاه أغلب مزارعين لذبح ابقارهم وبيع لحومها”.

هذا وقد حذّروا عبر “نداء الوطن” من “ذبح أعداد هائلة من الثروة الحيوانية في هذه الضائقة الإقتصادية التي تمر بها البلاد والتي تجبر العديد من مزارعي إنتاج الألبان على تعليق أنشطتها وبيع لحومها بدل الألبان”. وأفادوا أنه “من المتوقع أن تنخفض أعداد البقر وانتاج الحليب بشكل هستيري وعلى وجه الخصوص في الإقليم الشمالي وفى البقاع حيث يتركز حوالى 70 في المائة من الأبقار المدرة للألبان”.

فشل الوزراء المتعاقبين

ومع تراجع اهتمام الدولة بالقطاع الزراعي كأحد الحلول الضامنة لأمن لبنان الغذائي، وبعد فشل الوزراء المتعاقبين في طرح إصلاحات ولو سطحية تتضمن تعزيز قدرة المزارعين ومربي المواشي على أخذ القطاع الى مكان أفضل، دُمجت وزراة الزراعة بالثقافة، كما تذهب الحكومة في الأيام المقبلة إلى التشدد في السياسات و”الإجراءات الموجعة” على المواطنين وأهمها رفع تعرفة الـTVA. وفي حين أن وزير الزراعة والثقافة يستخدم حجة تصريف إنتاج المزارعين ورقةً سياسيةً لإعادة العلاقات الديبلوماسية مع نظام الأسد، يعاني المزارعون من المعابر غير الشرعية التي بسببها يحولون دون قدرتهم على تصريف منتوجاتهم.

ثمة غموض في تفاصيل حلول الوزير المرتقبة على كل الصعد، أما الآتي فيبدو أعظم إذ بدأ مربو المواشي عمليات التقنين في إطعام الأبقار أو ذبحها، وهناك تخوّف من انخفاض المعايير الصحية المطلوبة لضمان جودة حليب البقر لمن لم يتجه منهم لبيع اللحوم، ويقول منتجو الألبان لـ”نداء الوطن” إن التغيير في المواصفات الناتج عن غلاء سعر العلف، سيقلل من الإنتاج بشكل كبير وسيخفض من كميات شراء أصحاب المعامل للحليب الطبيعي التي يستلمونها دورياً من المزارعين.

أسعار الحليب ثابتة

أما قبل وصول الحال إلى ما هي عليه اليوم، وقبل ارتفاع سعر الدولار في السوق اللبنانية وبعد ضغوط، رفعت معامل ومصانع الألبان والاجبان وتعاونيات إنتاج الحليب والنقابات المعنية ومنتجو الحليب، السعر النهائي للحليب وتسليمه للمعمل من 800 لـ1130 ليرة لليتر الواحد يصل منها 900 ليرة فقط للمزارع الذي صار يكلفه الليتر 1200 ليرة، أي بخسارة 300 ليرة في كل ليتر يبيعه بعد تدهورٍ طال العملة اللبنانية. بعدها، ارتفعت أسعار مشتقات انتاج الحليب على المواطن اللبناني، فيما أسعار شراء المصانع للحليب من المزارعين بقيت هي نفسها، حتى صار حليب البقرة لا يكفي حتى لإعالتها، فما بالك بإعالة المزارع وتغطية أعبائه المعيشية التي يكابدها.

وبحسب الحاج علي شومان “إن الحلّ لا يكمن في رفع سعر بيع الحليب وتكبيد الكلفة للمصانع فقط، بل بوضع خطة متكاملة تعزز الأمن الغذائي وتدعم مربي الأبقار وبناء قدراتهم التقنية لإنتاج 800 ألف ليتر من الحليب السائل يومياً وهو الرقم الذي نستهلكه بالفعل، مع العلم أننا ننتج حالياً 350 ألف ليتر من الحليب من دون أي مساعدة أو رقابة أو تدخل من وزارة الزراعة”.

غياب تام للحلول المستدامة

واعتبر شومان أنه “نظرًا لغياب الخطط التنموية الناجحة وبما أننا لا نغطي ما نحتاجه من منتج الحليب، يستورد لبنان ما يقارب الـ12 مليون ليتر حليب سائل من المملكة العربية السعودية بلا ضرائب جمركية بموجب اتفاقية التيسير العربية، ناهيك عن سعره الذي يصل إلى المرفأ بأسعار متدنية جداً وأقل كلفةً من منتجاتنا المحلية، إذ أن السعودية تدعم منتجات الألبان والأجبان، حتى وصل الأمر ببعض المصانع اللبنانية “للتعليب” من السعودية مباشرةً واستلامها كمنتج نهائي في لبنان. كما تستورد السوق اللبنانية من البلدان الأوروبية نحو 15 ألف طن من الحليب البودرة، بلا ضريبة أيضاً، بموجب اتفاقية التجارة العالمية”.

من جهته، أكّد مربي الأبقار أنطون ساسين لـ”نداء الوطن” أن “البعض يتطلع إلى فرض الضرائب على الحليب والأجبان المستوردة ضمانة لاستمراريتهم، رغم علمنا أنه من الصعب ايقاف الإتفاقيات الدولية التي دفعت بالمصانع لاستخدام 60 بالمئة من الكميات المستوردة من الحليب لصناعاتهم، ولكن ما إن يستطيع المزارع اللبناني انتاج كفايته من الحليب، ستتغير سلوكيات المستهلك اللبناني وسيتوقف الإستيراد تدريجياً بل سنقوى على التصدير وسيزدهر قطاع الزراعة خلال مدة أقصاها أربع سنوات، لكن ما تقوم به الدولة حالياً لا ولن يجدي نفعاً، خاصة مع تعرض عدد كبير من صغار المربين الذين يعتمدون على الثروة الحيوانية في عيشهم لخطر الجوع”.

وختم “جُلَّ ما نريده من الوزارة هو الاستماع لهواجسنا وإعانتنا على تحقيق منتجات ذات حجم اقتصادي أكبر وتعزيز قدرتنا التفاوضية حول أسعار ألباننا التي ننتجها. الحلول بسيطة اذا كانوا يريدون فعلاً تحسين القطاع، يمكنهم إقامة مشاريع تؤمن لنا مثلاً حاويات للترشيح والضخ ومعدات المختبرات ووسائل تخزين الحليب من شاحنات ومرافق مبرّدة وحاويات من الفولاذ مضادة للصدأ للنقل، أو مثلاً إنشاء مراكز للجمع والتبريد التي تفتقر اليها معظم مزارع الألبان الصغيرة في البلاد حالياً، وبالتالي مساعدتنا على الحد من اعتمادنا على مصانع الألبان التي تتحكم بدورها بالأسعار”.

مبادرة “إزرع”

وفي ظل كل ما يجري من مشاكل وانعدام ثقة بحلول الدولة المنتظرة، لفتنا ما يقوم به خمسة ناشطين وهم: “سليم زوين، نديم أبو سمرا، يوسف يمّين، حنّا مخايل وريمون نهرا” في مبادرة مساندة ودعم كل من يحب الزراعة، أذكتها الأزمة الإقتصادية، تحت اسم “ازرع” عبر مجموعة على فايسبوك. يطرحون من خلال منبرهم حلولاً علمية وجذرية لمشاكل المزارعين في ارضهم ومع ماشيتهم. ومؤخراً كتب ريمون نهرا، عن أحد أهم الحلول لأزمة شراء العلف وأسعاره الباهظة، وطرح حل “زراعة الشعير في الأقبية” مع نقاط تعليم وصور من الألف الى الياء. وفي حديث لـ”نداء الوطن” يقول ريمون نهرا أن “أغلب الأعلاف المتوافرة لتغذية المواشي والحيوانات مستورد من الخارج، وما قبل أزمة الدولار كان الإنتاج المحلي من العلف المنتج من الشعير والقمح غالياً بسبب تصديره إلى الأردن حيث الربح أعلى، واليوم أكبر ما يواجه مربي المواشي هو مشكلة غلاء العلف لذا حاولت طرح حل للموضوع وتعليم القرّاء على أحد الأساليب التي يمكن أن تساعدهم”.