IMLebanon

انتقادات لمسودة البيان الوزاري.. وغموض لإجراءات الإصلاح الاقتصادي

كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الاوسط”:

اختلفت مقاربة السياسيين لمسودة البيان الوزاري بين من رأى فيه نسخة عن سابقاته لجهة الوعود بعيداً عن الآليات التنفيذية، وبين من يعتبر أن الحكومة تستحق أن تمنح فرصة لتبقى العبرة في التنفيذ.

مع العلم أنه ورغم رفض أكثر من وزير تبنى النسخة المسربة، فإن مصادر عدّة أكّدت أن تعديلات بسيطة اضيفت إليها في جلسة الحكومة أول من أمس، وبالتالي هي التي ستكون محور بحث جلسة مجلس الوزراء اليوم، في الوقت الذي بدأ رئيس الجمهورية ميشال عون دراسة المسودة لوضع ملاحظاته عليها على أن تكون منجزة قبل موعد جلسة الحكومة غداً (الخميس).

وأبرز الانتقادات التي وجهت لمسودة البيان ترتبط بالخطط الاقتصادية والمالية التي ترتبط بدورها بقضايا الفساد، إضافة إلى خلو البيان من الإشارة إلى انتخابات نيابية مبكرة تلبية لمطلب الشارع.

ويصف وزير الداخلية السابق زياد باورد البيان بـ«الطموح الذي يستحق أن تمنح الحكومة فرصة بموجبه رغم بعض الملاحظات». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من الجيد أن ينطلق من الإقرار بالاعتراض الشعبي الواسع ودعوته للتواضع واستعادة الثقة بالأفعال وليس الأقوال». هذا في الشكل، أما في المضمون، فيلفت بارود إلى أن البيان حاول الارتكاز على برنامج عمل وتحدث عن خطة طوارئ مجدولة بين مائة يوم وثلاث سنوات، وإن كانت هذه السنوات مبالغاً فيها، خاصة أنها تجعلنا أقرب إلى موعد الانتخابات الرئاسية». ويرى إيجابية فيما لفت إليه البيان لجهة «النأي بالنفس عن التجاذبات السياسية الداخلية، ودعا إلى مراقبة الحكومة ومحاسبتها».

وفي الإصلاحات التي تحدث عنها البيان، وخاصة المرتبطة بإنجاز القوانين المتعلقة باستقلالية القضاء وتحديث القوانين، يشير بارود إلى أن هذا الأمر وإن كان جيداً، لكنه يبقى رهن مجلس النواب الذي يمثل الأحزاب في نهاية المطاف، ولا نعلم إذا كان سيتجاوب معها وسيجعلها قابلة للتحقيق.

ويصف بارود حديث البيان عن استعادة الأموال المنهوبة، بالخطوة الطموحة، لكنه يذكّر أنه وانطلاقاً من التجارب في الدول الأخرى، فإن هذا الأمر يتطلب مساراً طويلاً والتعاطي مع الخارج، وبالتالي فإن تحديد مهلة تنفيذه بأقل من سنة، يبدو غير واقعي.

وفي حين يجد وزير الداخلية السابق أن لمسات وزير المال غازي وزني ووزير الاقتصاد راوول نعمة إضافة إلى وزير التنمية الإدارية دميانوس قطار، واضحة في القضايا الاقتصادية والمالية، وتبقى العبرة في التنفيذ، يلفت إلى أن هناك متابعة للسياسات السابقة، إنْ لجهة «مؤتمر سيدر» أو لجهة الورقة الاقتصادية التي تقدم بها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.

من جهة أخرى، يتوقف بارود عند اكتفاء البيان بالتطرق إلى قانون الانتخاب عبر جملة في نهاية النص، في الوقت الذي كان إجراء انتخابات نيابية مبكرة هو أحد أبرز مطالب الحراك الشعبي، ومع أنه يتوقع ألا يلاقي البرلمان الحكومة في هذا الأمر، لكن كان على مجلس الوزراء أن يشير إلى إمكانية إجرائها لأن الشارع يتطلع إليها.

في المقابل، يلتقي رأي الخبيرة الاقتصادية فيوليت بلعة مع موقف أستاذ الحقوق والناشط علي مراد، اللذين يعتبران أن البيان نسخة عن سابقاته. وترى بلعة أن الحكومة وإن تعمدت إجراء بعض التغييرات على الشكل، لكنها لم تأتِ بجديد في الجوهر إنْ لجهة مطالب الحراك الشعبي أو لجهة الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي، ولا سيما منها توصيات مؤتمر «سيدر»، كما خطة «ماكينزي» لنقل الاقتصاد من ريعي إلى منتج. وتوضح بلعة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «البيان تقليدي لم يتضمن أي جديد لإنقاذ الاقتصاد وخفض تكلفة الدين العام باستثناء خفض معدلات الفائدة على القروض والودائع من دون أن يحدد سقفاً لها».

وتضيف «في الشق الاقتصادي والمالي كان يفترض أن يتضمن خطة طوارئ مبرمجة زمنياً ترسل إشارات إيجابية للمواطن اللبناني، لكنه في الواقع لم يكن أكثر من عناوين خالية من آليات التنفيذ». وتشير إلى ما تضمنه البيان من إجراءات مؤلمة، موضحة «هذه بدورها كان يجب أن تكون واضحة ومفصلة لتمهيدها للبنانيين، خاصة أنه يبدو أنها ستترجم عبر مزيد من الضرائب والرسوم وغيرها، كما أنها لم تأتِ على ذكر الإجراءات التي يفترض أن تحمي صغار المودعين والمحافظة على سلامة النقد الوطني.

الموقف نفسه عبّر عنه الأستاذ الجامعي والناشط علي مراد، معتبراً أن البيان في معظمه هو عبارة عن عناوين عامة ونسخة عن البيانات السابقة وإن أتى فيه بعض التخصيص، لكن في مجمله هو إعلان نيات أكثر مما يعكس خطة متكاملة.

ويوضح مراد: «في الشأن الاقتصادي لم يتضمن البيان خيارات اقتصادية ومالية واضحة رغم حجم الأزمة التي يعاني منها لبنان، وبالتالي ليس واضحاً ما إذا كانت ستأخذ قراراً لتغيير جذري للنهج الاقتصادي، أم ستبقى على النهج نفسه الذي اوصل لبنان إلى ما هو عليه، والأمر نفسه بالنسبة إلى موضوع نقل الاقتصاد من ريعي إلى إنتاجي، بعيداً عن خطوات واضحة، كما أنه لا يجيب عن طبيعة العلاقة التي ستكون عليها المرحلة المقبلة مع المؤسسات الدولية».

وفي محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة، يقول مراد «الحكومة تقارب هذا الموضوع وكأنها تقلب الصفحة عن كل المراحل السابقة في الوقت الذي كانت هناك منظومة معروفة يفترض أن تتحمل كامل المسؤولية عما حصل في السنوات الماضية».

وعن تحديد المهل للتنفيذ، وهو أحد مطالب المجتمع المدني، يشكّك مراد في قدرة الحكومة على التنفيذ. ويوضح «المشكلة في هذه الحكومة أنها تحتاج إلى قرارات سياسية وليست تقنية؛ وذلك لكونها مسيّرة من خلال الفرقاء السياسيين التقليديين أنفسهم، وهو ما يجعلنا نجدد التأكيد على ضرورة التفكير بأساس الأزمة التي هي أزمة حكم وليس أزمة نظام».