IMLebanon

عطية متفرّغ للتعليم الجامعي ويداوم… بعد الدوام

كتبت فاتن الحج في “الاخبار”:

طلب رئيس هيئة التفتيش المركزي، جورج عطية، من رئيس الحكومة حسان دياب الحماية من ضغوط السياسيين، ليستطيع ممارسة صلاحياته. إلاّ أن تجربة الرئيس في قيادة الجهاز الرقابي طيلة السنوات الثلاث الماضية لم تكن مشجّعة على غير صعيد. فالمخالفات تبدأ من الحضور بعد الدوام ولا تنتهي بتجاهل هيئة التفتيش

بات أهل التفتيش المركزي مقتنعين بأن الرئيس جورج عطية لم يُعيّن ليفعّل جهازاً رقابياً أحجم منذ أكثر من 5 سنوات عن اتخاذ قرارات فعلية في قضايا إدارية ومالية، بل أتى لـ «يكمش» الجهاز ويضبط الملفات على إيقاع أجندات السياسيين، إذ لا يزال تجميد عمل التفتيش متقدماً على جدول الأعمال، ولا أحد من الإدارة أو السلطة السياسية يريد أن يعيد إلى هذا الجهاز هيبته واستقلاليته وصلاحياته.

الأداء داخل الجهاز لا يعكس، بحسب مصادر المفتشين، رغبة الرئيس في العمل. إذ لا شيء يبرّر تعطيل هيئة التفتيش وعدم التئامها منذ شباط الماضي. والحجة المعلنة في شأن الخلاف مع المفتشة العامة التربوية لا قيمة لها ما دام الرئيس قادراً على طرح الملفات على التصويت، لكون القانون يجيز اتخاذ القرارات بالأكثرية. فالمادة 10 من المرسوم الاشتراعي 115 بتاريخ 12/6/1959 (إنشاء التفتيش المركزي) تنص على: «تجتمع الهيئة بكاملها مرتين في الشهر على الأقل وكلما دعت الحاجة، وتتخذ القرارات بأكثرية الأصوات». علماً أن الهيئة تضم إلى الرئيس المفتش العام المالي والمفتشة العامة التربوية.

في حوزة المفتشين قصص لا تنتهي عن جهود لا تصل إلى خواتيمها، فالمفتش يضبط المخالفة في الإدارات ويجري التحقيقات ويرتب المسؤوليات وينتظر قراراً… لا يصدر، فيصيبه الإحباط، ويخجل من العودة إلى الإدارة مرة جديدة لمواجهة موظفين يوهمهم عبثاً بأنّ هناك تفتيشاً ومحاسبة، فيما هو مقتنع بأن لا أحد «يقبضه» أو يخاف من مساءلته.

مصدر هذا الشعور بالفشل، بحسب تعبير أحد المفتشين، هو «أنّنا غير محميين ولا نستمد سلطتنا وهيبتنا من جهازنا. واللي قاعدين بمكاتبهم يشترون ويبيعون على ظهرنا ولا يمانعون أن نصطدم بكل الوزارات، وبالتالي فإنّ كل مفتش يحمي نفسه بالطريقة التي يرى أنها تحفظ كرامته». ويسأل: «لماذا لا تناقشنا إدارة التفتيش في تفاصيل الملفات التي نحقق فيها والتوصيات التي نقترحها؟ لماذا لا تنشر قرارات الهيئة كما كان يحصل في السابق؟ لماذا يحجب حق المفتش في الفئة الثانية في فرض العقوبة المنصوص عنها قانوناً وخصوصاً أن هذا الحق يعطينا جزءاً من هيبة؟».

لا تتردد المصادر في القول إن «الرئاسة تسلب منا الملفات التي تصل إلى نتائج دقيقة، ومنها الاختلاسات التي تحصل في البلديات مثلاً». لا تخفي كيف يتصل عطية مباشرة بالمفتشين التابعين لكل المفتشيات العامة ويفرض عليهم نتائج تحقيق معينة، مثل إعفاء موظف من العقوبة أو تخفيفها، أو أن يصل التحقيق إلى حفظ الشكوى أو إلى وضع توصيات دون فرض عقوبات أو غيره.

ورغم أن المادة 19 من المرسوم الاشتراعي 115 تفرض عرض كل الملفات دون استثناء على هيئة التفتيش المركزي لاتخاذ قرارات بشأنها، ينفرد عطية بالقرارات ويحوّلها إلى مراجع أخرى من دون أن تمر عبر الهيئة، منها ملف حوّل أخيراً إلى الهيئة العليا للتأديب بحق أحد الموظفين، وآخر إلى ديوان المحاسبة خاص بشكوى من دفاتر شروط مفصّلة على قياس جهة معينة تتعلق ببلدية بيروت، من دون أن يجري التفتيش أي تحقيق بالأمر ومن دون العودة إلى الهيئة في مخالفة صريحة للقانون، والديوان هو الذي يحقق حالياً بالملف. وتقول مصادر إدارية بأن لا قيمة قانونية لهذا التحويل ما لم يمر عبر هيئة التفتيش، وهو بمثابة كتاب لمواطن عادي. كذلك جرى تجاوز الهيئة في تحويل ملف أو ملفين خاصين بالبلديات إلى النيابة العامة التمييزية. وأدّى الرئيس، بحسب المصادر، دور ساعي البريد حين حوّل أكثر من 50 ملفاً متعلقة بالبلديات إلى وزارة الداخلية من دون علم الهيئة وبحجة عدم الصلاحية، «ووضع الملف في ملعب مرجع ثانٍ هو دليل إفلاس»، وفق المصادر التي تسأل: «إذا كانت محاسبة رؤساء البلديات لا تدخل ضمن صلاحيات التفتيش، أليس هناك موظفون أو مراقبون ماليون في ملفات البلديات يخضعون لرقابة التفتيش المركزي؟».

صحيح أن المادة 15 من المرسوم 2862 بتاريخ 12/6/1959 (أصول التفتيش) تعطي صلاحية لرئيس التفتيش أن يبلغ تقارير المفتشين العامين التي تتناول قضايا مالية إلى المدعي العام لديوان المحاسبة للتدقيق فيها وإعادتها، لكن هذا التبليغ هدفه، بحسب المصادر، أن يضع المدعي العام رأيه في مدى وجود مخالفات مالية تستدعي الملاحقة أمام ديوان المحاسبة بحيث تُعرض مطالعته ضمن الملف على هيئة التفتيش المركزي لاتخاذ القرار النهائي، ويتضمن هذا القرار إحالة الملف إلى ديوان المحاسبة لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأنه. ومن المخالفات التي تتحدث عنها المصادر نقل موظفتين من وزارة الثقافة إلى التفتيش المركزي بلا موافقة هيئة التفتيش، إحداهما زوجة مرافق رئيس التفتيش.

تتحدث المصادر أيضاً عن سلطة استنسابية يمارسها رئيس التفتيش واختيار سياسي طائفي للملفات التي تجري مقاربتها، والكثير منها يُحفظ في الأدراج، أو يصطحب بعضها ليلاً إلى منزله و«في هذا الأمر ريبة وليدلنا على ملف واحد ذهب فيه حتى النهاية».

لا يسجل عطية، كما قالت المصادر، كل المعاملات الصادرة والواردة لدى القلم الرسمي في التفتيش، بل أنشأ قلماً إضافياً تستلمه أمينة السر.

إلى ذلك، لم تعرض برامج التفتيش السنوية على الهيئة للمرافقة عليها، بل أصدر الرئيس تعميماً يقضي بتنفيذ برامج العام الماضي استثنائياً، فما هو الظرف الاستثنائي؟ تسأل المصادر.

أما مشروع الموازنة فلم يحل إلى وزارة المال، كما تقضي الفقرة ج من المادة 11 من المرسوم الاشتراعي 115، أي بموجب قرار صادر عن هيئة التفتيش.

تسأل المصادر كيف يمكن للرئيس التفكير بتقييم إنتاج موظفي الفئة الأولى والمديرين العامين وهو يحتاج إلى من يقيّمه، إذ يأتي إلى الدوام بعد الساعة الثانية بعد الظهر، لكونه متفرغاً للتعليم والتنسيق في كلية الحقوق في جامعة الحكمة ويتقاضى مبلغاً ثابتاً، كما يدرّس أيضاً في فرع الاقتصاد في الجامعة اليسوعية، والمفارقة، كما قالت المصادر، أنّ عطية يجري اتصالات مسائية بالمفتشين العامين ورؤساء المصالح كي يثبت أنه يبقى حتى ساعة متأخرة في المكتب لإنجاز العمل. كما أن ثمة مشاريع تُنفذ في التفتيش بتمويل خارجي، ومن دون موافقة مجلس الوزراء ومن دون عرضها على هيئة التفتيش.

عطية، في اتصال مع «الأخبار»، أكد أن لديه موجب تحفظ عن الاتهامات التي توجه إليه على خلفية تعطيل عمل هيئة التفتيش وأنه لن يرد عليها عبر الإعلام، باعتبار أن الحل يكون بالقنوات الإدارية. ولفت إلى أنه رفع أخيراً تقريراً مفصلاً الى رئاسة مجلس الوزراء، باعتبارها الهيئة المسؤولة مباشرة عن الجهاز الرقابي والمعنية بمعالجة كل شؤونه. واكتفى بالقول: «ما حدا مجروح قدي بهيدا الملف».

وعن مخالفة القانون لجهة إرسال ملفات الى مراجع قضائية ورقابية من دون التحقيق فيها، أجاب: «ما حدا بيعرف بالقانون قدي، فقد أمضيت ١٥ عاماً في تعليم القانون في الجامعة، ولا أخالفه قيد أنملة بل أمارس صلاحياتي وفق ما تنص عليه المادة ١٨ من المرسوم الاشتراعي ١١٥ التي تفرض عليّ مخاطبة المدعي العام لديوان المحاسبة».

ولفت عطية إلى أن الشكاوى التي تلقاها التفتيش خلال سنتين ونصف سنة من بداية ولايته هي «أضعاف ما كان يتلقاها سابقاً نظراً للنظام الجديد في تسجيل الشكاوى بإشراف مفتش عام ولا يُرجع فيها إليّ». وأشار إلى أنه «جرى إنجاز عمل جبّار رغم عديد الجهاز الذي يتدنى بصورة كبيرة».

وإذ اعتبر أنه «أم الصبي» في التفتيش حيث يقضي ساعات عمل طويلة ويواصل إنجاز الملفات في المنزل، أكد أنه ليس لديه حرج من أي ملف، بل «على العكس حررت الملفات من القيود. ففي ملف البلديات طبقت مبدأ أن ملاءمة الأعمال ليست من صلاحيات التفتيش إنما شرعيتها تخضع لرقابتنا، لذا أرسلنا 85 ملفاً إلى وزارة الداخلية للتحقيق في الأمر وإفادتنا بالنتيجة». وأوضح أن الملفات التي لها أثر مالي فقد حوّلها إلى المدعي العام لديوان المحاسبة. كما لم يكن لديّ خيار، كما قال، سوى تحويل ملف مطمر العباسية إلى النيابة العامة التمييزية بعدما تبين أن ما يُطمر فيه من أمصال وأعضاء بشرية سيسبب وباء، وهذا ملف لا ينتظر، إذ قدم كتاباً إلى كل من وزير الصحة ومحافظ الجنوب، بعد التحقيق الذي أجرته المفتشية العامة الصحية.