IMLebanon

15 عاماً على استشهاد الحريري: حلقة سياسية جديدة

كتب د.ناصر زيدان في صحيفة نداء الوطن:

منذ الاستقلال في منتصف أربعينيات القرن الماضي تمر على لبنان حلقات سياسية كل 15 عاما، ولهذه الحلقات خصائص غالبا ما تنتهي بحروب او ثورات ويسبقها تغييرات كبيرة فيها مخاض قاس يستمر سنة او سنتين. هذا ما حصل بين ثورة العام 1958 وانطلاق الحقبة الشهابية في العام 1960، وما حصل بعد حرب 1973 التحريرية واندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وبعد التمرد في العام 1988 والذي انتهى باتفاق الطائف عام 1990، والدورة التي تلت هي ما سبق اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 وما أعقبها في 14 آذار ـ ثورة الأرز ـ وما يجري اليوم بعد مرور 15 عاما، يشكل حلقة سياسية جديدة سبقتها صعوبات مالية وسياسية كبيرة، منها ثورة 17 أكتوبر 2019.

تبدو الحلقة الجديدة التي تنتظر لبنان أخطر من سابقاتها على الإطلاق، وفيها ملامح سياسية ذات أبعاد مخيفة، لأن لبنان اليوم يتيم الأم والأب بعد أن تخلى عنه اخوانه وأصدقاؤه من جراء شيطناته الأمنية والسياسية التي أصابتهم في الصميم، وهو يبحث عن مقومات البقاء بين أكوام «أنظمة التفاهة» على حد تعبير آلان دونو، وسط قنوط شعبي لم يسبق أن حصل على هذا القدر في السابق، وفي ظل إدارة سياسية فاشلة باعتراف غالبية القوى الداخلية والعربية والدولية، وهي ساهمت في إيصال البلاد الى هذا الزمن القاسي، خصوصا على المستوى المالي والاقتصادي. والأصعب، أن الأفق شبه مقفل، فلا كلام رئيس الجمهورية الأخير مقنع، ولا البيان الوزاري ـ لاسيما فقرة الكهرباء فيه ـ يبعث على الأمل، ونشطاء الانتفاضة خسروا جزءا كبيرا من العطف الشعبي لأنهم تخلوا عن الأجندة الأساسية للحراك، والمعارضة النيابية ليس لديها أي مشروع إلا الحفاظ على نفسها، او الحفاظ على استمرار الدولة.

وتنذر رعونة الحلقة السياسية الجدية بمخاطر كبيرة، قد تؤدي الى انفراط العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، وقد تنتج فوضى مالية لم يسبق أن حصلت حتى أثناء الحرب الأهلية المقيتة، ولا إبان الاجتياح الإسرائيلي الوحشي للبلاد، ذلك أن التسهيلات المالية كانت في تلك المرحلة السوداء من تاريخ لبنان أفضل مما هو عليه الوضع اليوم. ولم يكن القطاع المصرفي مهددا على الشاكلة الحالية. ووقف أشقاء لبنان وأصدقائه الى جانبه أكثر مما هو عليه الحال راهنا.

مما لا شك فيه أن قرار اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه من القيادات الاستقلالية منذ 15 عاما، كان يهدف لإلغاء الفكرة اللبنانية برمتها، وتدجين لبنان في قفص المحاور لخدمة توجهات عقائدية وتوسعية، واستطاع اللبنانيون تحويل هذا الحدث الأليم الى قيامة استقلالية أزاحت كابوس الذوبان من أذهان المواطنين، وأعادت لهم الأمل ببناء وطن حر وعربي ومستقل يشبه الرقي اللبناني.

القيمون على الانهيار الذي أصاب المرحلة السياسية الماضية، والذي أجهض طموحات ثورة الأرز، هم ذاتهم الذين يدفعون باتجاه تهديد طموحات ثورة 17 أكتوبر التغييرية. وهؤلاء ذاتهم الذين ساوموا على المقاربات الاستقلالية الماضية لأهداف شخصية وفئوية، نجحوا فيها في الوصول الى أهدافهم الخاصة، لكنهم أغرقوا البلاد في الفوضى والفساد وفي الاختناق المالي والاقتصادي وفي الانعزال الدولي.

هل تكون محطة الاحتفال في الذكرى 15 لاستشهاد رفيق الحريري مناسبة لاستنهاض المشروع الوطني الاستقلالي، الذي يحفظ كل المكونات اللبنانية وحرياتهم جميعا، والذي يؤمن في الوقت ذاته عوامل البقاء لوطن مهدد بالاندثار؟

الدورة السياسية الجديدة شديدة التعقيد، ولكنها قد تكون فرصة لإحداث تغييرات جوهرية باتجاه قيام نظام مدني لا طائفي، محايد خارجيا، ومواجه برمته لعدوان إسرائيل. لكن الأمر يحتاج الى شجاعة اتخاذ القرارات، لاسيما قرار الانكفاء عند الشعور بالعجز والفشل على حد تعبير المطران بولس عبد الساتر في خطبة عيد مارمارون.