IMLebanon

حزب الله عاجز عن إطاحة حاكم مصرف لبنان

يراقب مجتمع المال في العواصم المعنية بشؤون لبنان كما المؤسسات الدولية الكبرى، لاسيما صندوق النقد والبنك الدوليين، باهتمام الحملات التحريضية التي يتعرّض لها في الأسابيع الأخيرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من بعض الجهات اللبنانية المرتبطة بحزب الله.

وترى مصادر دبلوماسية أن الحملة التي يتعرّض لها سلامة ذات بعد سياسي وقد تكشفها أجندة حكومة حسان دياب السياسية إذا ما جرى تبنّي هذه الحملات رسميا، خصوصا أن هذا المنحى معارض لما سبق للولايات المتحدة والأمم المتحدة وعدد من عواصم الدول المانحة في مؤتمر سيدر أن عبّرت عنه، من دعم لشخص سلامة وإشادة بأدائه لحماية النظام المالي للبلد وحسن اتساقه مع القواعد والمعايير المعمول بها في العالم.

ولفتت المصادر إلى أن التقييم الخارجي يبرئ سلامة من أي مسؤولية عن الأزمة الاقتصادية والمالية التي وصل إليها لبنان، وأن البلد كما مصرف لبنان كان ضحية لسياسات حكومية اعتمدت على مدى العقود الأخيرة أنهكت خزينة الدولة وامتصت مداخيل البلد كما المساعدات والقروض الخارجية التي منحت له.

ويعدّ لبنان أحد أكبر دول العالم المثقلة بعبء الدين مع بلوغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 150 بالمئة. وتتعرّض حكومة لبنان الجديدة لضغوط متنامية لمعالجة عبء الدين ويتعيّن عليها أن تتخذ سريعا قرارا بشأن كيفية التعامل مع سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار تُستحق في مارس.

وتوضح مراجع اقتصادية محلية أن ما يحصل من مشاكل مالية عائد لسياسات الحكومات المُتعاقبة المسؤولة عن تراكم الدين العام، حيث أن العجز التراكمي في الفترة المُمتدّة من العام 2007 إلى العام 2019 يفوق الـ50 مليار دولار أميركي. كما بلغت كلفة قطاع الكهرباء 40 مليار دولار أميركي منذ العام 1992 وحتى 2019، ناهيك عن الفساد الذي يكلف الخزينة العامّة أكثر من 5 مليارات دولار أميركي سنويا بشكل مباشر و5 مليارات دولار أميركي بشكل غير مباشر (وفق البنك الدولي).

ما يحصل من مشاكل مالية عائد لسياسات الحكومات المُتعاقبة، إذ أن العجز في الفترة المُمتدّة بين2007 و2019 يفوق 50 مليار دولار أميركي
وترصد أوساط سياسية تقاطع دوافع متعددة للإطاحة بحاكم مصرف لبنان، على الرغم من تأكيد رئيس الحكومة حسان الدياب أن لا خطط لحكومته لإقالة سلامة “حاليا”.

وتؤكد المصادر أن حزب الله لا يخفي عداءه لسلامه بسبب ما يعتبره الحزب التزاما مفرطا من جانبه بالعقوبات التي تفرضها وزارة الخزينة الأميركية على الحزب، لاسيما أن التزام المنظومة المصرفية بقيادة رياض سلامة طال عقوبات فرضت على مقرّبين من الحزب داخل البيئة الشيعية، فيما تتحدث أنباء عن أنها ستطال شخصيات ومؤسسات جديدة تنتمي إلى طوائف أخرى، لاسيما مسيحية، ممن ثبت لدى الولايات المتحدة دعمهم للحزب وعملياته.

وتوضح مصادر أن الخطوات التي اتخذها سلامة لم يكن الهدف منها سوى حماية النظام المصرفي اللبناني وإنقاذ سمعة لبنان المصرفية من تهمة تقديم تسهيلات مالية مشبوهة.

وتذكر بأن عدم الالتزام بعقوبات واشنطن وقواعدها ومعاييرها لمراقبة حركة الأموال ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب قد أطاح بمصارف لبنانية بشكل مباشر (البنك اللبناني الكندي جمّال ترست بنك)، وأنه من غير المفيد تعريض بقية المصارف لمصير مماثل.

وتقرّ المصادر الدبلوماسية بأن ما يتعرّض له سلامة حسابات أخرى منها ما هو أيديولوجي يحرّك محتجين لمهاجمته ومهاجمة المصارف في لبنان، غير أن هذه التحركات قد لا تكون بعيدة عن حزب الله نفسه بحكم العلاقة والتحالف القائمين بين بعض اليسار والحزب، وأن الإجراءات التي اتخذتها المصارف بتقييد السحوبات يمنح التحرك ضد النظام المصرفي والحملات ضد حاكم مصرف لبنان غطاء شعبيا يصب في حسابات حزب الله.

وتقرأ بعض الجهات بعناية تقارير تتحدث عن ضغوط تمارسها العونية السياسية، لاسيما رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لإبعاد كل من حاكم مصرف وقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون لكونهما من الشخصيات المارونية المطروحة لتبوّء سدّة رئاسة الجمهورية خلفا لميشال عون. ولا تستبعد هذه الجهات أن تكون بعض الحملات المكثفة ضد سلامة تنهل أسبابها من هواجس المعركة الرئاسية التي تظهر في كل تفصيل مرتبط بحركة باسيل السياسية.

ويرجح أن الموقف الدولي سيتأسس على الخطوات الدقيقة التي ستتخذها الحكومة الجديدة في مقاربة المأزق المالي لتبني على الشيء ومقتضاه قبل أن يكون لهذا الخارج موقف محدد من مستقبل التعامل مع ملف لبنان المالي والمصرفي.

وأمام حكومة دياب قرار مفصلي يتعلق بتسديد استحقاقات اليوروبوندز الشهر المقبل، ما يعني إخراج 1.2 مليار دولار من احتياطي مصرف لبنان، أي من أموال المودعين اللبنانيين، وفتح الباب أمام تسديد استحقاق أبريل بقيمة 700 مليون دولار، وبعده استحقاق يونيو بقيمة 600 مليون دولار.

ويقول الخبراء إن قيام الحكومة بدفع مستحقاتها، كما كان لمّح دياب قبل نيل حكومته الثقة، يعني دفع المستحقات إلى جانب مبلغ 2.7 مليار دولار كقيمة للفوائد على الدين العام، ما يرفع المبلغ إلى نحو 5 مليارات دولار.

وتتحدث بعض السيناريوهات عن ذهاب الحكومة إلى عدم السداد ما سيؤدي إلى انخفاض إضافي لتصنيف لبنان، علما أن هناك آراء متخصصة تعتبر أن هذا التصنيف لم يعُد مهما بالنظر إلى جسارة الانهيار الاقتصادي في البلد.

وبناء على هذه الآراء فإن التوقف عن السداد يعني الذهاب إلى خيار إعادة جدولة الديون بما يستلزم الاستعانة بصندوق النقد الدولي بصفته المؤسسة المالية الدولية التي عادة ما تمرر الجدولة من خلالها، مع ما سيستتبع ذلك من قواعد وشروط وقيود سيفرضها الصندوق على لبنان مستخدما لغة الأرقام لا لغة السياسة ومعاندة الإمبريالية التي يروّجها حزب الله واليسار.

وقال مصدر حكومي لوكالة “رويترز” الأربعاء، إن لبنان سيطلب من صندوق النقد الدولي مساعدة فنية لوضع خطة لتفادي انهيار مالي، بما في ذلك كيفية إعادة هيكلة دينه العام.

وأوضح المصدر “هناك تواصل مع صندوق النقد الدولي لكن لبنان سيرسل طلبا رسميا خلال الساعات المقبلة ليكون لديه فريق مخصّص للتعامل مع المساعدة الفنية”.

وتشير تصريحات سابقة لرئيس مجلس النواب نبيه بري إلى معارضة لبنان لبرنامج كامل لصندوق النقد الدولي والاقتصار على الحصول على مساعدة فنية من الصندوق.

ونُقل عن بري قوله إن لبنان بحاجة إلى مساعدة فنية من صندوق النقد الدولي لصياغة خطة لإنقاذ الاقتصاد، لكنه أضاف أن البلد لا يستطيع أن “يسلم أمره” لصندوق النقد نظرا “لعجزه عن تحمّل شروطه”