IMLebanon

«حكومة دياب» محكومة بمهمة مُحددة وسقف زمني

مرحلة سياسية جديدة بدأت مع نيل حكومة حسان دياب الثقة لتصبح حكومة «دستورية» قادرة على أن تجتمع وتقرر. أغلب اجتماعاتها ستكون في السرايا الحكومي، حيث يتمركز ويقيم رئيسها.. وأغلب قراراتها ستكون قرارات صعبة في مهمة محددة بـ «إدارة الانهيار المالي والاقتصادي»، ومحكومة بسقف زمني محدد يقاس بأشهر قليلة. الحكومة الاستثنائية في تركيبتها التي خلت من رموز الطبقة السياسية، الاستثنائية في الظروف التي أوجدتها وتعمل من ضمنها، حصلت على ثقة أقل من عادية، ثقة هزيلة لم تبلغ عتبة النصف زائد واحد (وإنما النصف ناقص واحد). أخذت الثقة بـ «شق النفس» وبـ «القوة».. القوة الأمنية «الفظة» التي حالت دون تمكن المتظاهرين من إقفال الطرقات ومنع وصول النواب لإسقاط الحكومة في الشارع، والقوة السياسية «الناعمة» التي أظهرها الرئيس نبيه بري وعمل للمرة الثانية (بعد جلسة الموازنة) «السبعة وذمتها» لتمرير جلسة الثقة بيوم واحد.

الثقة عادية والجلسة استثنائية في مناخها وانعقادها، وغير مسبوقة في كثير من النواحي والأشياء التي تحدث للمرة الأولى:

٭ للمرة الأولى تنعقد «جلسة ثقة» على وقع شارع مشتعل و«ثائر»، ويكون المجلس النيابي محاصرا بتظاهرات وصدامات وجدران فاصلة وتدابير أمنية مشددة.. وتأتي الثقة مضرجة بدماء في الشارع، حيث يتراجع زخم وحجم الثورة، وتتعاظم قساوة وشراسة «السلطة».

٭ للمرة الأولى تنتهي جلسة الثقة في يوم واحد.. بعدما كانت «جلسات الثقة» تمتد على أيام ثلاثة، ويأخذ النواب وقتهم في الكلام ويصولون ويجولون.. وقد نجح الرئيس بري في إدارة حازمة للجلسة وفرض تقنينا في الكلام وأقنع الكتل بخفض عدد المتحدثين باسمها.

٭ للمرة الأولى تنطلق جلسة نيابية من دون توافر النصاب القانوني. وما حصل أن بري أعلن عن بدء الجلسة بحضور 58 نائبا بعد تبلغه أن 8 نواب قد أصبحوا داخل نطاق المجلس النيابي، بينهم نواب اللقاء الديموقراطي، وأربعة قادمين من المطار. وبينما رفض كل من نواب تكتل «الجمهورية القوية» وتيار المستقبل الدخول الى القاعة لعدم تأمين النصاب، دخل نواب اللقاء الديموقراطي الى قاعة المجلس، ليتحملوا وحدهم تأمين النصاب، ارضاء من جنبلاط لبري.

إذا كان النائب جنبلاط قد وفى بوعده للرئيس بري، فإن علامات استفهام طرحت لدى رئيس المجلس حول تردد الرئيس سعد الحريري، الذي وعده في اتصال هاتفي معه بالحضور، لكنه لم يحضر. وعلقت مصادر بري على أنها ليست المرة الأولى التي يتصرف فيها الحريري على هذا النحو. كذلك أبدى بري استياء من نواب القوات اللبنانية الذين كانوا متواجدين داخل المجلس لكنهم أحجموا عن تأمين النصاب.

٭ للمرة الأولى يكون رد رئيس الحكومة على مداخلات النواب مقتضبا ومختصرا.. مع ملاحظة أن دياب «المتهيب للموقف» رسم لنفسه معادلة صعبة وهي التوفيق بين الانتفاضة التي لا تريد الثقة، وبين ثقة مجلس النواب، وأعطى لحكومته أدوارا كبيرة من غير المعروف عما إذا كانت ستتمكن من القيام بها، خصوصا أن معظم هذه الأدوار «انتحارية» بحسب تعبيره، فضلا عن عبارات أخرى مؤثرة، مثل «الزلزال» الذي أحدثته الانتفاضة، و«كرة النار» التي تحملها الحكومة، مشددا على أن الحكومة محكومة بحمل مطالب اللبنانيين وإطلاق مسار الإنقاذ، معتبرا أن التحديات التي تواجه البلد تكاد تكون كارثية، بينما القدرة على تجاوزها هشة.

أما في الملاحظات السياسية حول الجلسة، فأبرزها:

1 ـ تبلور جبهة المعارضة النيابية الجديدة التي تضم ثلاث كتل وازنة هي المستقبل والقوات والاشتراكي، وقد كانت على موجة واحدة وموقف «متناغم وإن غير منسق» في الحضور وتأمين النصاب وعدم منح الثقة.

2 ـ الجلسة كشفت عن تشققات داخل فريق 8 آذار، هي أيضا من نتاج وتداعيات ثورة 17 اكتوبر وما بعدها. هذا ما أمكن ملاحظته من خلال عدم التزام كتلة القومي (3) بمنح الثقة. والخلاف الطارئ بين فيصل كرامي وجهاد الصمد ضمن اللقاء التشاوري (الصمد حجب الثقة وأصبح عمليا في الموقع الذي يقف فيه نائب صيدا أسامة سعد الملتزم استراتيجيا بمحور 8 آذار المختلف معه تكتيكيا)..

إضافة الى ذلك، تبرز حالة البلبلة داخل «تكتل لبنان القوي» الذي ـ وبعد خروج النائبين نعمة افرام وشامل روكز منه ـ يأخذ النائبان ميشال ضاهر وميشال معوض مسافة ويظهران أكثر فأكثر نزعة تمايز واستقلالية.

3 ـ صدر عن حزب الله والتيار الوطني الحر ما يفيد أنهما غير متحمسين لهذه الحكومة ووافقا عليها و«مشيا» بها على مضض وعن قناعة اضطرارية.. النائب محمد رعد قال ان هذه الحكومة لا تشبه فريقها السياسي إلا أنه وبهدف تسهيل مهمة التأليف ارتضينا بها، والنائب جبران باسيل قال ان السؤال ليس هل نعطي الثقة بل هل نعطي فرصة؟ لأنه لا بديل أمامنا إلا المراوحة والفراغ، ما قد يأخذنا الى مزيد من الانهيار.

4 ـ إذا كان المضمون الاقتصادي المالي طغى في كلمات ومداخلات النواب، وإذا كانت كلمات نواب المعارضة الجديدة، خصوصا المستقبل، ركزت في تسديد ضرباتها للحكومة على بيانها الوزاري وطريقة تأليفها، فإن المضمون السياسي ظهر عند القوات اللبنانية، وتحديدا في الكلمة التي ألقتها النائب ستريدا جعجع، وذهبت فيها الى أبعد من البيان الوزاري.. جعجع التي استعرضت كل المرحلة السابقة متوقفة عند إنجازات القوات فيها وأداء وزرائها والمنحى العام الذي اعتمدته في عملها، ومذكرة بالتحذيرات المتكررة التي أطلقتها حيال الوضع المالي الاقتصادي ومطالبتها السباقة بحكومة اختصاصيين مستقلين.. برز في كلمتها موقفان:

ـ الأول: تأييد إجراء انتخابات نيابية مبكرة.. ولكن على أساس القانون الحالي لأنه قانون جديد أمضينا عشر سنوات للوصول إليه، ولأننا لا نريد للبلاد أن تدخل، وهي في أصعب أيامها، في متاهة جديدة.

ـ الثاني: الدعوة الى النأي بالنفس عن كل الصراعات الحاصلة في المنطقة «لأن الحكمة تقتضي منا جميعا تركيز كل جهودنا لحل مشاكلنا الداخلية».. هذه الدعوة موجهة ضمنا وأولا الى حزب الله.