IMLebanon

جبهة الزعيترية – سد البوشرية

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

كان نهاراً ممطراً جداً. كان يوم “كريم” في أسماء العواصف. والحيّ رقم 312-5 من منطقة سدّ البوشرية، ضيّق جدا. ويضمّ سبعة مبانٍ من الجانب الأيسر، من جهة كنيسة مارتقلا، ومدرستين من الجانب الثاني: مدرسة سدّ البوشرية العالية الرسمية للصبيان ومدرسة سدّ البوشرية المتوسطة الرسمية للبنات.

يوماً بعد يوم، يصدح هناك، في هذا الشارع، الصراخ ويرتفع منسوب الغضب بين الساكنين والمارين والواقفين ليقلوا طلابا من المدرستين. لكن، ما حدث يوم الثلثاء الماضي أن الغضب اشتدّ بعدما ألحّ أحد الساكنين في الجوار على ركنِ مركبته مكان باص، يأخذ مكان ثلاث سيارات، ويقفل الطريق. حصل تلاسن و”أخذ وعطا” إنتهى الى توعّد صاحب الباص وثلاثة من رفاقه من أصحاب الباصات بالعودة في اليوم التالي. وعادوا بفائضِ قوّة وبكثير من العصي والسكاكين وبأسلحة “على عينك يا تاجر”.

أكثر من 12 باصاً تأتي يومياً لنقل 1250 طالباً سورياً، يدرسون في دوام بعد الظهر. وتحصل “همروجة” زحمة السير وإطلاق الزمامير والشتائم. أهالي الحيّ أبلغوا بلدية الجديدة التي أنذرت أصحاب الباصات وغادرت. وبقي “الشاطر بشطارته”. و”الشُطار” بقوا يقطعون الدرب، بحسب الأهالي، كما يحلو لهم.

يكاد يُعتبر هذا الأمر، حتى هذه اللحظة في بلدٍ مثل لبنان، طبيعياً. لكن، ما حصل وحوّل الطبيعي الى إستثنائي هو هتاف جماعات، لبّت نداء أصحاب الباصات، بشعاراتٍ حزبية صفراء وخضراء داكنة. فما دخل “حزب الله” و”أمل” في ما حصل بين أصحاب باصات “يعورضون” في نصف الشارع وأصحاب المساكن الذين لا يريدون إلا أن يجدوا موقف سيارة؟ وهل ما حدث هو مقدمة لفتنة؟

 

من جديد، يعود الكلام عن “أشباح الزعيترية”، المنطقة المطلة على السدّ، التي شكّل أهلها “ولاية” في قلب المنطقة. “الزعيتريون”، أو كثير من “الزعيتريين”، الذين يبدون ظاهرياً تحت مرأى الدولة، يستشعرون “بفائض قوة” يجعلهم يصرخون حين يشاؤون، في وجه من يشاؤون، “نحن حركة أمل”. هذا ما فعله أحدهم يوم الحادث حين كان يستقوي على السكان وصرخ فيه عسكري: “إذهب من هنا”. أجابه “أنا من حركة أمل”.

فهل هو حقاً من “أمل”؟ لا يمكن أن نجزم بنعم أو بِلا لكن ما يمكن نقله عن سكان السدّ أن من أتوا ليُساندوا “سائق الباص” الذي توعد الحيّ بالعودة هو من الزعيترية واستعان بمجموعات أتت من الزعيترية. و99 في المئة ممن يسكنون في تلك المنطقة يرفعون راية “أمل”.

المدرستان الرسميتان لم تفتحا البارحة. هناك طلاب أتوا وغادروا. نجول في الأرجاء بحثا عن بزة مرقطة. عن عناصر قوى أمن أو جيش فلا نلمح سوى عنصر من بلدية الجديدة- سد البوشرية يجلس بثيابه الكحلية عند محل “الفراريج” الدائخة القريب من الكنيسة. مديرة مدرسة سدّ البوشرية المتوسطة الرسمية للبنات باسمة سرور تتابع مع الأساتذة وزميلتها مديرة مدرسة سدّ البوشرية العالية الرسمية للصبيان هدى عون ما حدث وتقول: “لديّ في مدرسة البنات 700 طالبة ويوجد في مدرسة الصبيان ما لا يقل عن 500. ونحن أوجدنا بقعة بين المدرستين لاستقبال الباصات، بحيث يصعد التلميذ من المدرسة رأساً الى الباص”. وماذا حدث يوم الحادث؟ هل أصيب أحد الطلاب والطالبات السوريين بأذى؟ تجيب: هم يغادرون في تمام الساعة السادسة عصراً لكن بسبب الإمتحانات كان مقرراً أن يخرجوا عند الخامسة والثلث لكن الحادث حصل عند الخامسة. فأقفلنا أبوابنا ووضعنا الطلاب في الأروقة واتصلت بالقوى الأمنية. واليوم (امس) قيل لنا أنه سيكون هناك نقطة ثابتة للجيش في المكان، الى جانب المدرستين، للحيلولة دون تطور أيّ حادث مماثل”.

نخرج من مدرسة البنات فنجد عبارات دوّنها صبي من المدرسة المحاذية: “لا تغيبي يا زهراء عني جايي أخطبك”. يبدو أن أكثر من أحزنتهم الحادثة، هم الطلاب والطالبات، كونها تزامنت مع عيد الحبّ. نلتقط أرقاماً كثيرة منشورة على جدران المدرستين لأصحابِ باصات لنقل الطلاب. نتصل بباص نورس فيُخبرنا أن الباص الذي ينقل الطلاب باسمِها يملكه سائقه زكي حوري من رويسات الجديدة. والسيد زكي، مثله مثل سواه، يتكلم كلاماً كثيراً. و”كلّ يغني على ليلاه”.

أهالي القاع كثر في الحيّ. هناك محال مقفلة. هي أقفلت قبل الحادث بعد أن تأزم وضع أصحابها الإقتصادي. ومختار البوشرية شربل الخوري الذي جُرح في الحادث، خضع طوال يوم أمس لأسئلة وأجوبة في مخفر الجديدة.

نفس الأسلوب من الخندق الى الزعيترية الى جنباتٍ كثيرة في لبنان! إنتهت القصّة هنا؟

إنتهى فصل من فصول!