IMLebanon

شهادات الإيداع “بروفا” تسبق “أكشن” اليوروبوندز

كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:

تحوّلت سندات “اليوروبوندز” خلال الأيام الماضية إلى شغل السياسيين الشاغل، ومن خلفهم الرأي العام والمحللين. فالإستحقاقات التي أوقعها فقدان الدولار تحت الضوء، بعدما كانت تمرّ في ما مضى مرور الكرام أو ما بين نقاط الهندسات المالية، ما زالت تُخفي في ظلها استحقاقات أخرى لا تقلّ عنها خطورة.

في الوقت الذي أرجَأ فيه الإجتماع المالي الذي عقد في قصر بعبدا قرار تسديد أو التخلف عن دفعة الـ 1.2 مليار دولار التي تستحق في 9 آذار على سندات اليورو، وترك الإحتمالات مفتوحة أمام تشكيل لجنة مختصة لمزيد من البحث، جرى التعتيم على مصير شهادات الإيداع (CDs) التي تستحق هذا الشهر.

فبعد ستة أيام وتحديداً في العشرين من الحالي يتوجب على مصرف لبنان دفع مبلغ 591 مليون دولار للمصارف التجارية كبدل عن شهادت الإيداع، كما يستحق في السادس والعشرين من الشهر نفسه مبلغ آخر بقيمة 31 مليون دولار.

قيمة استحقاقات شهادات الإيداع تبلغ نحو 622 مليون دولار أو ما يعادل تقريباً نصف قيمة المبلغ المستحق في التاسع من آذار عن سندات “اليوروبوندز”.

شهادات الإيداع التي يمكن وصفها بسند ادخار بتاريخ استحقاق ثابت ومعدل فائدة محدد، كانت إحدى وسائل استدانة مصرف لبنان من المصارف التجارية في الفترة الماضية من أجل تمويل الإنفاق العام وتغطية عجز الموازنات، أي مثلها مثل كل الأدوات المالية التي استخدمت للغرض عينه.

 

مصدر السيولة… والتجديد التلقائي

مقابل كونها أداة تسليف، تُعتبر شهادات الإيداع استثماراً مجدياً بالنسبة إلى المصارف و”المصدر شبه الوحيد المتبقّي لتحصيل عوائد مالية تؤمّن للبنوك تغطية الفوائد التي تدفع على الودائع”، يقول الخبير الإقتصادي جان طويلة. وبرأيه فإن “المصارف تدير شكلين من السيولة: الأول، يتعلق بالمبالغ المتناقصة في المصارف المراسلة في الخارج أو ما يعرف بـالـ correspondent bank، والثاني، هي المبالغ المالية التي يؤمّنها الإستثمار بشهادات الإيداع. وعليه فإن من مصلحة المصارف تجديد هذا الإستثمار، على ان يترافق مع تخفيض الكلفة التي يتحملها مصرف لبنان من خلال الفوائد، انسجاماً مع التعميم الأخير الذي يقضي بتخفيض الفوائد الدائنة”.

 

المستشار المالي غسان شمّاس يلفت الإنتباه إلى “الإختلاف الجوهري بين شهادات الإيداع وسندات اليوروبوندز، فالأخيرة تعتبر سند دين تعاقدي يتحتّم دفعه بتاريخه، فيما شهادات الإيداع لا تعدو كونها وديعة قابلة للتجديد قسرياً او تلقائياً، توضع في مصرف لبنان مقابل فائدة. من هذا المنطلق ليس هناك من مشاكل ترافق عملية تأجيل دفعها أو الأصح قوله تجديدها، فهي تشبه تجميد الأفراد للودائع مقابل فائدة ما، من الممكن تجديد التجميد باتصال هاتفي”.

بغضّ النظر عن مبلغ الـ CDs المستحق، وإن كان دفعه كاملاً أو تسديد قسم منه وتجديد الباقي قد يشكل خطراً أو فرجاً على سيولة المصارف، فإن البنوك التجارية تستطيع استخدام هذه الشهادات في المقاصة. ويرى شمّاس أنه “في حال تخطت قيمة التقاص الذي يجري بين البنوك في المركزي يومياً الرصيد الموجود في الحسابات الجارية للمصارف التجارية، يجري تحصيل الفرق من الوديعة الموجودة في مصرف لبنان. وبالتالي فإن دفع مصرف لبنان لشهادات الإيداع او تجديدها لن يشكل فرقاً على سيولة المصارف، خصوصاً في ظل (الكابيتال كونترول) المتبع، وازدياد التعامل في الشيكات المصرفية”.

 

فقدان السيولة… وإعادة الجدوَلة

تجديد شهادت الإيداع قد لا يؤثّر على العمليات النقدية الداخلية، نظراً إلى النظام المتبع، لكن بمنطق الأمور ستكون انعكاساتها كبيرة على العمليات الخارجية. فعدم حصول المصارف على أموالها المودعة في “المركزي” على شكل “بنكنوت”، سيحرمها ويحرم شريحة واسعة من الأفراد وقوى الإنتاج من السيولة النقدية بالدولار لاستخدامها في عمليات الإستيراد والأمور الشخصية الضرورية.

في الوقت الذي انخفضت فيه السيولة المؤمّنة من المصارف المراسلة في الخارج من 9 مليارات دولار إلى ما دون المليار، يأتي تجديد “الشهادات” ليزيد “الطين بلّة” ويدفع المصارف إلى مزيد من التخفيضات الأسبوعية في المبالغ المسموح سحبها من العملات الأجنبية، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

أمام هذا الواقع الخطير أصبحت إعادة جدوَلة الديون الأساسية المتمثلة بسندات “اليوروبوندز” والتي تفوق قيمتها هذا العام وحده 4.5 مليارات دولار من دون احتساب الفوائد المترتبة عليها والمقومة على أساس 6.335 في المئة، حاجة أكثر من ضرورية. أهميتها ليست فقط إقتصادية تتعلق بتوفير العملة الخضراء من أجل شراء الأساسيات، إنما أيضاً شعبية وإصلاحية. فالرأي العام أصبح مدركاً تماماً للتفاصيل النقدية والمالية والأخطار المترتبة جرّاء السياسات الخاطئة، وبالتالي فإن اي قرار يعطي الدائنين حقوقهم على حساب لقمة عيش المواطنين سيفجّر نقمة شعبية عارمة قد لا تنطفئ بسهولة. وتجبر عملية إعادة الجدوَلة المعنيين، برأي شماس، على “القيام بالإصلاحات التي نحن بأمسّ الحاجة اليها. وهذه الإصلاحات لن تتم إلا بضغط من الداخل والخارج”.