IMLebanon

جعجع قبل الثورة وبعدها: أما قلت لكم في 23 أيلول؟

قد يكون رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من القادة القلائل الذين يدعون إلى لقاءات موسعة مع الصحافة والإعلاميين، وإن كانت هذه اللقاءات تحصل أحياناً في فواصل زمنية متباعدة. لا تكون هذه اللقاءات من باب قول ما يريد أن يقوله فقط بل من باب فتح الحوار والنقاش وسماع الرأي الآخر، خصوصاً أن معظم الذين يشاركون فيها يعتبرون أنهم من أهل البيت وأن لا حواجز بينهم وبينه.

ليس كل ما يعرفه سمير جعجع يمكن أن يقوله. وليس كل ما يفكر فيه يمكن أن يطرحه على طاولة البحث والنقاش إذا لم يكن قد أصبح من ضمن الواقع والوقائع. ومهما قال وأفصح يبقى أن من يلتقيهم ينتهون إلى مطالبته بالمزيد وبما لم يقله، وكأن هذا الذي لم يقله يبقى هو الأهم اعتقاداً أنه يخبئ أسراراً ومفاجآت من ضمن اتقانه للعبة السياسية وعدم كشف كل الأوراق. وأكثر الأحيان يطالبه هؤلاء بمواقف ثورية وبانتفاضة وبقلب الوضع وبالعودة إلى تحالف 14 آذار، وخصوصاً مع تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري والحزب “التقدمي الإشتراكي” ووليد جنبلاط و”السياديين” الآخرين، وتبقى لديهم علامات استفهام حول سبب عدم حصول مثل هذا الأمر على رغم أن جعجع لا يخفي عنهم الحقيقة والواقع.

في 17 شباط كان أحد هذه اللقاءات معه في معراب. على رغم أنه تحدث بإسهاب عن العلاقة مع الرئيس سعد الحريري ووليد جنبلاط، بقي البعض من الحاضرين من الإعلاميين يطرح علامات استفهام حول عدم العودة إلى عصر القوة في 14 آذار. لا يبرر جعجع في إجاباته. أكثر من مرة قبل هذا اللقاء وفيه كشف أن المشكلة تبقى في عدم استعداد “تيار المستقبل” للذهاب إلى هذا الحد، وأن للوزير جنبلاط اعتباراته الخاصة التي تجعله يفضل أن يبقى التعاطي في هذه المرحلة على القطعة وبحسب كل قضية مطروحة. تأكيداً على ذلك لم يفت جعجع أن يذكر الحاضرين كيف أن وقوف الأطراف الثلاثة معاً في قضية قبرشمون جمد محاولة الإستثمار السياسي والأمني والقضائي فيها ووضع حداً لها. ولكن على رغم ذلك يبقى هناك تساؤل مرده إلى اعتبار أن قوة القوات في مواقفها وأدائها تبقى أحد آخر الخيارات المتاحة للبناء عليها عندما تحين الساعة.

سئل الدكتور جعجع عن سبب التأخير في عقد مثل هذه اللقاءات. وكان الجواب أن اللقاء الأخير حصل في 23 أيلول 2019، وأن الأحداث التي حصلت بعده هي التي فرضت كل هذا التأجيل. هذا الأمر استدعى التذكير ببعض ما قيل في ذلك اللقاء قبل 24 يوماً بالضبط من اندلاع ثورة 17 تشرين. ما قاله جعجع في ذلك اللقاء لا يخرج عن دائرة المبادئ التي تتمسك بها القوات وتبقى عليها مهما تألبت عليها الظروف وحتى لو كانت وحدها. ليتأكد للجميع أن كلمتها واحدة قبل الثورة وفيها وبعدها وأنها كانت دائما تنتظر مثل هذه الثورة، وتحذر من خطورة عدم القيام بالخطوات اللازمة لتلافي الإنهيار.

حدث في 23 أيلول

في ذلك اليوم من العام الماضي تزامن ذلك اللقاء مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء للبحث في الموازنة، وكانت القوات قد امتنعت عن المشاركة في اللجنة المشكلة لدراستها وقررت عدم الموافقة عليها. وكانت الحكومة تتحرك تحت ضغط الأزمة ولكن من دون خطة للإنقاذ. وكان جعجع قد طالب في اللقاء الإقتصادي الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا في 2 أيلول إلى استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة اختصاصيين تحظى بدعم القوى السياسية وتعطى الفرصة للعمل، وكانت أيضاً حصلت عملية تعيين خمسة أعضاء في المجلس الدستوري لم يكن من بينهم المحامي سعيد مالك الذي كانت القوات تدعم ترشيحه. وكان هذا الأمر استدعى تحليلات حول خسارة القوات لرهاناتها وللكثير من رصيدها.

من هذه النقطة بالذات اختار وقتها جعجع أن يبدأ الحديث مع الحاضرين. قال: “نحن مجتمعون هنا اليوم والوضع في البلد ليس على أفضل ما يكون. أريد أن اذهب إلى طرح المسألة بالعمق لأن جزءاً من مصيبتنا التي وصلنا إليها يعود إلى طرح الأمور بطريقة سطحية. الصحافيون جزء أساسي من السلطة والمجتمع يؤثرون على الرأي العام من خلال ما يكتبونه. الإنتخابات النيابية تحدد مصير السلطة السياسية ولا يمكن للمواطن العادي أن يحدد خياراته من دون التأثر بالصحافة ووسائل الإعلام. وهذه مسؤولية عليها. سوف أنطلق من مَثَل وقع أمام أعيننا قبل 15 يوماً تقريباً. هناك مفاهيم “مضروبة”. السياسيون “إذا انضربوا بيتغيروا”. أما المفاهيم إذا انضربت فتتعطل طريقة العمل ومنهجيته. سأقرأ مقاطع من مقالات تتحدث عن القوات. هناك من كتب أن “سمير جعجع يقف على خط الوسط في ملعب الحكم من دون أن يصبح لاعباً أساسياً، وأنه لم ينجح في الحفاظ على حلفائه القدامى ولم يتمكن من نسج تحالفات جديدة على عكس الوزير جبران باسيل. تمسك جعجع بتحالفات محددة لم توصله إلى أي مكان…”. “هناك أكثر من مقال يتناول هذا الموضوع ليقال أن القوات فشلت. لماذا؟ لأنو ما قدرنا وصّلنا عضو مجلس دستوري وهوديك عم يعيّنوا. غلط. بكل صراحة هذا المنطق غلط والمقياس الذي يعتمدونه غلط. لو بدنا نلعب على طريقة الشطارة اللبنانية، بكل صراحة، بكون أشطر لعيب من بعيد”. تمنيت لو أنهم قالوا إن القوات تدفع ثمن مبدئيتها. “حزب الله” ما بدو يفتح معنا؟ مبلى. وأكيد. لو بدنا نفتح على “حزب الله” ما منقدر؟ مبلى. وأكيد. “صاروا يعتبرون أننا إذا تمسكنا بالمبادئ نكون كأننا نعيش على كوكب آخر. سأروي لكم خبرية صغيرة. كنت عند الرئيس سعد الحريري. سألني شو بدك بالتعيينات؟ قلت له: “شيخ سعد بيوصلني حقي إذا اعتمدت آلية محددة للتعيينات”.

برم وقال لي: بشرفك سمير حاج تمزح معي. أكبر مكسب انك ما تطالب بشي إلك”. هناك طريقة شغل لبناء الدولة ومؤسساتها إذا لم نتمسك بها من رابع المستحيلات أن نبني دولة. لا أحد كان ليصدق أننا لا نريد حصة في التعيينات بل نريد تطبيق آلية لها. إذا طبقت الآلية ما بيعود حدا يقدر يمنِّن حدا أنو أنا وظفتك… وصلت مع الوزير باسيل أن يقول للرئيس الحريري “أبداً لا نقبل تعيين أحد للقوات”. قال له الحريري: “ما بدهم شي القوات”. أنا لا أطلب شيئا خارج القانون. وإذا طلبت شيئاً ضمن القانون أيا يكن الموظف بدو يعملو… لكي تقوم الدولة تحتاج إلى اعتماد منطق سليم. لذلك كان من الأفضل أن يكتبوا أن القوات انتصرت لأنها تمسكت بمواقفها المبدئية ولم تكن تريد حصة في التعيينات. أكيد تحالفاتنا موجودة وأقوى من أي تحالفات أخرى. نحن متفقون مع “المستقبل” و”الإشتراكي” على أمور كثيرة. ونحن أكثر فريق لدينا سهولة التواصل مع جميع الأفرقاء. الشطارة اللبنانية إذا كانت هي المقياس فهذا كارثة لأنها تعني ظبِّط حالك ودوِّر الزوايا. اللعبة التي يلعبونها اليوم ألا يمكننا أن نكون فيها؟ أكيد فينا. وهم يتمنون أن ندخل فيها. ولكن نحن لماذا نشتغل سياسة؟ لنوصل البلد إلى الخراب؟ أكيد لأ. لهذا السبب نحن مختلفون مع السلطة في الوقت الحاضر.

تفاهم معراب والتغيير التاريخي

أحببت أن أتطرق إلى هذا الموضوع لأقول إلى أي درجة المفاهيم معتورة. لا يستطيع السياسيون أن يكونوا فاسدين هالقد لو لم تكن هناك شريحة كبيرة تقبل بهذا الأمر. في مكان ما في حدا لازم يضل متمسك بالحق ويقول أنو اللي عم يصير بالبلد مش مظبوط ومش هيك بيتعالج. البعض يسأل إذا كان تفاهم معراب مع العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر حول المناصفة بالتعيينات مسؤول عن هذا الأمر الذي وصلنا إليه. نحن ارتأينا لمئة سبب أن نذهب إلى التفاهم مع العماد عون على موضوع الرئاسة. ولكن ماذا كانوا ينتظرون منا؟ أن نساعد في وصوله إلى قصر بعبدا ونعود إلى البيت؟ كان يجب التوصل إلى اتفاق على إدارة السلطة. كنا عارفين شو ممكن يصير ودخلنا في أدق التفاصيل. ولكن وقت حدا ما بدو يلتزم خلص ما بدو يلتزم. اتفاق معراب كان من المفترض أن يعمل تغييراً تاريخياً في رئاسة الجمهورية. ولكن ليس هذا هو فقط بيت القصيد. لو لم تكن هناك خنفشارية بإدارة الدولة والله ما كان بدنا شي. شو بعد باقي من البلد اليوم؟ على المستوى السيادي، ولا شي. على أيام الرئيس ميشال سليمان كان أفضل. عالقليلة كان يسعى. شو دور الدولة اليوم؟ ولا شي. ما إلها وجود. ألم يعد هناك رجال في هذه الدولة؟ لننزل إلى المستوى الإقتصادي. أيضا ما في شي. عندما بدأ سعر صرف الليرة يتدهور في العام 1985 وعندما صار الدولار يساوي مئة ليرة لم يكن هناك شعور أن الناس متضايقون. اليوم قبل أن يتدهور سعر صرف الليرة ولا يزال الدولار يساوي كما كان 1500 ليرة صارت الناس مخنوقة وتصرخ بالصوت العالي. أساس تفاهم معراب أن يكون هناك حكم مثل ما لازم. أي متى جلسة الموازنة؟ اليوم. أريد أن أستبق الجلسة. موازنة 2020. اسمها حلو. حابين يعملو موازنة مثل هذه الموازنة وفي مثل هذا الوضع. شو بيصير؟ بدنا شغلة حتى نكون معها. ولكن الوضع بدو أكثر بكثير من هالموازنة. قامت القيامة علينا وقالوا إننا كنا مع الموازنة وصرنا ضدها. لما شفنا إنو مش عم تصير مثل ما لازم عارضناها. كانوا يعتبرون أن هناك إمكانية لإكتتاب المصارف بعشرة مليارات دولار بفائدة واحد في المئة بالإضافة إلى أمور أخرى ولكن كل ذلك لم يحصل. كنا مع موازنة مظبوطة وضد موازنة مش مظبوطة. لسنا هيك بالمطلق ضد الموازنة. الموازنة الحالية كتير عادية لأيام عادية مش للأوقات الصعبة. بيت القصيد أنه يجب على السلطة أن تأخذ خطوات إصلاحية وتطبقها. قدمنا ورقة عمل تحدد الخطوات التي يمكن اتخاذها. إذا وافقوا عليها نمشي فيها وإذا لم يوافقوا نحن ضدها. نريد أن نعطي المريض الدواء الصحيح.

ما فينا نكمل هيك

إجتمعنا في بعبدا (في 2 أيلول). ما في شي ممكن يغير الوضع إلا تغيير التركيبة الحالية. ما فينا نكمل هيك. ما حدا بقا عندو ثقة بالدولة. أول خطوة الطقم السياسي الحالي لازم يروح يرتاح شوي ونروح على تقنيين من الأوزان الكبيرة مثل كميل أبو سليمان أو غسان حاصباني. حكومة من 18 أو عشرين وزيراً مثلا بيشكلوا تقل. باجتماع بعبدا داعيين ناس كتار ما خصهم بالإقتصاد. بدك تقنيين لديهم إنجازات وتتركهم يشتغلوا وتقدملهم الدعم السياسي. هذا ما قلته في ذلك اللقاء ولكن عملوا حالهم وكأنو ما سمعوا شي. برأيي هذا هو الحل الفعلي. إذا كانوا يريدون سلطة فعلية هناك خطوات يجب الإقدام عليها. هناك خمسة آلاف موظف تم توظيفهم بشكل غير شرعي لماذا لا يوقفونهم عن العمل؟ وظفوهم قبل الإنتخابات. هناك المعابر غير الشرعية… البعض يطالبنا بالخروج من الحكومة. نحن في داخل الحكومة حتى اليوم يمكن أن نقاتل أكثر بمئة مرة مما إذا كنا خارجها. وجودنا في الحكومة السابقة خلاّنا نوقف صفقة البواخر. كل خلافنا مع باسيل ينتهي إذا قبلنا بالصفقة. إذا أخذنا موقفا نجد من يقف إلى جانبنا. وإذا لم نعارض تمر الأمور. إضافة إلى ذلك، هذه حكومة يعتبرونها حكومة وحدة وطنية وليس حكومة أكثرية. إذا بدهم يعملوا حكومة أكثرية أنا معهم.

في رئيس جمهورية أو ما في؟

قرار الحرب بيد من؟ السيد حسن نصرالله هدد بأنه إذا حصل اعتداء على إيران “مش رح نضل ساكتين”. أريد أن أسأل في مناسبة هذا الكلام: في رئيس جمهورية بهالدولة أو ما في؟ في رئيس حكومة أو ما في؟ إذا دخلنا في ورطة عسكرية مع كل مشاكلنا مين بيعود يشيلنا؟ رئيس الجمهورية في موقعه ليس من أجل الإستعراضات وبس. هذه مسؤولية دستورية. يجب على رئيسي الجمهورية والحكومة أن يكون لهما موقف معترض وأن يبلغوه إلى “حزب الله”.

البعض يمكن أن يقول أن الكلام الذي قلته نعرفه وسمعناه وأننا كنا ننتظر طرحاً جديداً. لو كان لبنان بلد بتظبط فيه ثورات ما لازم نتأخر أبداً”.

لم يتأخر الأمر أكثر من 24 يوماً. في 17 تشرين بدأت الثورة.