IMLebanon

الدواء الإيراني يدخل لبنان بأوامر وزارية

كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:

في خضمّ البحث المحلّي لـ”حزب الله” عن بديل للـ “كوكا كولا” و”البامبرز” ضمن حملة السيد حسن نصرالله لمقاطعة البضائع الأميركية، وجملة المواقف الواضحة التي صدرت عنه في ما خص ايران، لم يتوانَ وزيرا الصحة المتعاقبان جميل جبق وحمد حسن عن الحسم في ملف “فتح الأسواق اللبنانية أمام الدواء الإيراني”، لا بل ألغيا إجراء التحاليل المخبرية الإجبارية على تلك الأدوية بقرار سيادي. ويبدو أن “قرار حربنا وقرار سلمنا بيد الولي الفقيه”و… قرار صحتنا بيده ايضاً!

ارسل وزير الصحة السابق لائحة بأسماء أربعة وعشرين دواء ايرانياً في أيلول من السنة الفائتة إلى اللجنة الفنية في وزارة الصحة بهدف طلب تسجيلها رسمياً بين الأدوية المعتمدة. وفي فضيحة هي الأولى من نوعها، وخلافاً لكل المعايير المتبعة والتسلسل الزمني لطلب التسجيل، تخطى وزير الصحة السابق جميل جبق ومن بعده الوزير حمد حسن اجراءات التحاليل الإجبارية على تلك الأدوية متفادين الاستحصال على شهادة “حُسن الدواء” من المختبر المرجعي المُعتمد في الوزارة في إسبانيا لأدوية “البدائل الحيوية” عبر فرض نفوذهما واستعمال صلاحياتهما الإستثنائية. يعزى ذلك الفعل اللاقانوني إلى منظومة المصالح التي صارت تحكم قطاع الصحة حالياً.

 

ويؤكد الدكتور هادي مراد الذي كشف عن خلفيات القضية لـ”نداء الوطن” أن “الأمر صدر عن الوزير جبق في بادئ الأمر وبعد زيارات عديدة للجمهورية الإيرانية، والوزير حسن لم يوقفه علماً ان اللجنة العليا قد اشترطت لتسجيل الدواء صدور التحاليل اللازمة من مختبر “كيموس” في برشلونة وذلك عبر كتاب رسمي تم تجاهله. فبعد أن قُدمت اللائحة في أيلول صار الدواء جاهزاً ومسعراً في شباط ضاربين بعرض الحائط الإجراءات المهمة التي على الدواء المرور بها حماية للمرضى، وذلك بعكس القرار 1504 الذي يقول انه يجب أن يكون هناك تسلسل زمني في تسجيل الأدوية”.

وبعدما نامت ملفات الشركتين الإيرانيتين المتخصصتين في إنتاج أدوية البدائل الحيوية (biosimilare) في أدراج وزارة الصحة اللبنانية منذ سنوات طويلة سارع الوزيران جبق وحسن إلى العمل على ادخالها الأسواق اللبنانية ولكن من دون اجراء الفحوصات المطلوبة قانوناً. يقال ان الشركتين من أكبر شركات العالم في إنتاج أدوية السرطان والتصلّب اللويحي، وأن مع دخول الأدوية الإيرانية ستنخفض حتماً الفاتورة الصحية للمريض، ولكن هل يتم ذلك في اجراءات لاقانونية وفاضحة ومن سلوكها المسلك المعتمد لكل الأدوية؟

لاحظ مراد أن “منذ حوالى الأسبوع، وعلى الموقع الالكتروني لوزارة الصحة، إضافة دواء ايراني على لائحة الأدوية، اسمه “زيتوكس” وهو منتج حيوي للـ Rituximab ويستخدم لعلاج سرطان الدم الليمفاوي المزمن والتهاب المفاصل الروماتويدي والورم الحبيبي في التهاب الحنجرة والتهاب الحنجرة المجهرية”. وشرح مراد كيف بدا الأمر مستغرباً بخاصة أن الدواء المشار إليه صار مسجلاً ومسعراً وجاهزاً للطلب وأضاف “ليس هذا فحسب بل تم تسجيله وتسعيره بظرف أشهر أربعة فقط من تقديمه وشهرين من اشتراط اللجنة العليا مروره بمرحلة التحاليل وهي مدة زمنية قياسية جداً”.

وأكمل “كان يجب إخضاع الدواء المذكور لتجارب في مختبر مرجعي، مثله كمثل أي دواء مستقدم للإستعمال في لبنان، ومن المؤكد أن هذه الإجراءات الإلزامية لم تتبع مع هذا الدواء والدليل واضح حيث أن الدواء الذي يأتي من أميركا مثلاً يأخذ مدة من ستة أشهر إلى سنة أحياناً للموافقة فكيف اختصر الوزيران هذه المدة على دواء ايراني؟” بعدها استحصل على لائحة من مصدر في الوزارة فيها أسامٍ لأربعة أدوية حُدِّدَت أسعارها من قبل لجنة التسعير في وزارة الصحة وتم تجهيزها وتنتظر “إذناً للتسويق” على لائحة الـAMM فقط.

وفي التفاصيل، تذكر اللائحة المسرّبة أن الدواء الأول هو من انتاج نفس الشركة التي صنعت “الزيتوكس” إسمه “آريوسڤن” وهو دواء ايراني لمعالجة نوبات النزيف التي يعاني منها مرضى الهيموفيليا الخلقية أو المكتسبة أو الجلطات الدموية. أما الأدوية الثلاثة الأخرى فهي من انتاج شركة “سيناجين” الإيرانية وأول منتجاتها التي يبدو ان وزيري “حزب الله” المتعاقبين لاهثان لإنزالها في السوق، دواء “سينورا”، الذي يستعمل في ايران لتقليل علامات وأعراض التهاب المفاصل الروماتيدي وكذلك لمنع تطور الأضرار الهيكلية و”سينال أف” الذي يستخدم كجزء من برامج تكنولوجيا الإنجاب المساعد وأخيراً دواء “سينوڤكس” وهو علاج ايراني لانتكاس مرض التصلّب المتعدد.

حتى الآن لم يتم التداول بالأدوية الإيرانية في الصيدليات والمستشفيات على حد علمه، وبرأيه تكمن الفضيحة في تسريع تسجيلها، فبالإجراءات الطبيعية، يقدم وكيل الدواء لائحة بالأدوية التي ينوي ادخالها إلى السوق اللبنانية إلى وزارة الصحة فتُحال اللائحة إلى اللجنة الفنية التي تحتاج حوالة سنة أو سنتين أحياناً لإعطائه الضوء الأخضر أو منعه من التداول. وقال “فهل أصبح وزراء الصحة في لبنان وكلاء أدوية؟” وتساءل “من يحاسب الوزير إذا استعمل نفوذه لتمرير أدوية؟ وهل سنسكت عن تسييس الصحة؟ وهل بحجة خفض فاتورة الدواء التي تتجاوز المليار دولار سنوياً يقتضي اتباع اجراء لاقانوني كهذا؟”.

ويتابع “حتى لو أردنا أن نكون محامي الشيطان ولنفترض انهم اختبروه ولكن ليس في المختبر المعتمد في اسبانيا، بل اختبروه في ايران، اذا فتحنا لائحة الصحة العالمية للمختبرات المؤهلة لإجراء الفحوصات على أنواع الأدوية الأربعة والعشرين، نجد أن إيران لا تملك الصلاحية لإجراء فحوصات على ادوية “البدائل الحيوية” لأن لا قدرة لها على إجرائها أهمها “البايو أساي” و”الريسبتور أفيليتي”، أضف الى ذلك أنه لا يوجد لديهم المواد الفعالة للدواء”.

هذا وقد صرّح مكتب وزارة الصحة في أوائل الشهر الماضي أنه لم يتم تسجيل أي دواء ايراني على الإطلاق وأن “مسلسل التضليل بات في عهدة القضاء” الأمر الذي تدحضه بوضوح بيانات وزارة الصحة العامة المنشورة على موقعها الإلكتروني إذ أن التسجيل حدث في عهد حسن ولكن بأوامر صدرت عن مكتبه وفي خلال ولايته الحديثة.