IMLebanon

إرهاب المواطنين في النبطية.. “ذلّونا وأهانونا”!

أرهب فيروس “كورونا” المواطن، تراه يبحث عن كمامات بأرخص الاسعار، بعد ان صارت تباع في السوق السوداء بأعلى من سعرها الأصلي. يفرح احدهم لانه تمكن من شراء كمامتين بسعر ٨ آلاف ليرة بدل الكمامة الواحدة. والمدارس تطلب كمامات باب اول، وذات نوعية جيدة، غير آبهة بسعرها، او عدم قدرة الاهل على شرائها، اذ ترى بخطوتها تلك التفافاً على الفيروس، وتناست الاخيرة انها تفتقد التدفئة، فالطالب يعاني الصقيع والبرد، ويواجه خطر الاصابة بالرشح والانفلونزا.

لم تتحرك ادارات المدارس للالتفاف على هذا الخطر، فهو يكوي صندوقها المدرسي، ويكبدها اموالاً اضافية، هي بغنى عنها، بحسب مهى احدى الامهات التي تشير الى أن المدارس الخاصة تبحث عن الربح اكثر من بحثها عن سلامة الطلاب، ولا تنكر مهى التي تضع اولادها في احدى المدارس الخاصة، ان مناشدات عديدة سجلتها لدى الادارة لتعزيز التدفئة في الصفوف، غير ان الجواب الذي تلقته: “ما في مازوت”. عذر اقبح من ذنب تقول مهى وهي التي اضطرت لاخذ ابنها من المدرسة لانه “سعل”، نتيجة نزلة برد تعرض لها.

“ما تسعل وإلا بتروح ع البيت”، هو القانون العام الذي تطبقه المدارس اليوم بسبب كورونا، بعضهم يرى الخطوة جيدة، والبعض يراها مبالغ بها، ويحمل معظم الاهالي المسؤولية لادارات المدارس التي بمعظمها تفتقد التدفئة، و”تعرض صحة اولادنا للخطر اكثر من كورونا نفسه” يقول يوسف والد لاربعة اولاد. يتأفف بشدة، وهو يحكي معاناته: “طلبوا كمامات ومعقمات لليدين ومحارم، حكماً هذا امر وقائي، لكن ان يجري تحديد نوع الكمامة والمعقم، ويكون من السعر الغالي على جيوبنا، فهذا امر غير مقبول”.

يشير يوسف الى انه وفق قانون المدرسة الوقائي الجديد علينا تغيير الكمامة كل يومين وسعرها الحالي 8000ليرة لبنانية، اي اننا سنضطر لدفع 160الف ليرة كل شهر، والوالد الذي يملك اربعة اولاد ماذا يفعل؟ والمخزي اننا نخضع للسوق السوادء، اي للعرض والطلب، اين الرقابة ووزارة الاقتصاد، للحد من هذا التفلت بالاسعار؟

وانسحب قانون التعقيم على باصات المدارس اذ فرضت الادارات على اصحابها تعقيمها واتباع الارشادات الوقائية اللازمة، ويسأل محمد والد احد الطلاب: “كيف يُعقم الباص وهو يضم 28طالباً يجلسون متلاصقين بالكاد يتحركون، وجوههم متلاصقة وتتشابك اياديهم ببعض؟ يفترض اتخاذ قرار التعطيل والتعقيم حرصاً على اولادنا”.

ريما وذل المصارف

لم يكن ينقص المواطن غير كورونا، وكأنه لا يكفيه معاناته مع كورونا الاسعار، ولا التلاعب بسعر الدولار، بات يعيش على كف الازمة، ويتحضر لثورة الجياع، من يراقب حال الناس، يدرك ان الانفجار قاب قوسين او ادنى، معظم الناس تعيش بالدين، جفّت كل مصادر تمويلها، شريحة واسعة دخلت في البطالة، مؤشرات الجوع ترتفع، والرهان على المساس بلقمة عيش المواطن.

بالامس مرّ قطوع اضراب الافران على خير، كادت المنطقة ان تنفجر غضباً، لأن المسّ بالرغيف خط احمر. ويدرك المعنيون في منطقة النبطية ان المواطن لم يعد قادراً على التحمل، ضرب الفقر والافلاس جيوب كثر، ودبت السرقات في القرى، والتي لا تقل اهمية عن سرقة المصارف لاموال الفقراء، تحكم قبضتها عليه، والشاطر من يحصل على 100دولار، غير ان الكارثة تقع حين يقف المواطن امام باب المستشفى ويريد ان يدفع والمصارف تمتنع، وهذا ما حصل مع المواطنة ريما شرارة ابنة بنت جبيل بعدما امتنع بنك “فينيسيا” عن دفع مالها، وهي التي ترغب في سحب المال لتغطية نفقات علاج والدها. لم تفلح كل نداءات الاستغاثة التي اطلقتها لحث الموظف على صرف المال، حتى الحالة الانسانية لم تحرك ضميرهم، دموعها التي غلبت حديثها تؤكد حجم الوجع، “ذلونا، اهانونا” وحدها كلماتها تخبر وجعها، تؤكد شرارة انها تريد المال لاخراج والدها من المستشفى، وانها قدمت كل المستندات المطلوبة لذلك، “مع الاسف تعاطى الموظفون بلامبالاة، وصلنا الى طريق مسدود معهم، دولتنا وسياسيونا تركونا في منتصف الطريق، ننذل لاجل لقمة العيش، ولكن لم يتحرك احد، ويوقف هذه المهزلة”.

وتلفت شرارة الى انها تواصلت مع فرع المصرف في بيروت، وشرحت له الحالة الانسانية، ومع ذلك رفض صرف المال، وتسأل: “اين هم نواب بنت جبيل الذين انتخبناهم، اين هم من ذل المواطن على ابواب المصارف، تحولنا متسولين في بلد نموت فيه احياء هكذا نكافأ؟”.

هي واحدة من سلسلة حالات تشهدها المصارف على امتداد الجنوب، تمعن الاخيرة في ذل المواطن، تتحكم بماله، بالطريقة التي تناسب سياستها، طفح كيل منال من رفض المصرف تسليمها معاشها، تتقاضى الاخيرة معاشها بالدولار، ومنذ اكثر من ثلاثة اشهر يرفض المصرف اعطاءها مالها: “بالكاد يدفعون 50دولاراً بالشهر، والمضحك وفقها انهم طلبوا اخذ المال شيكات، هل ندفع للحام شيكاً؟ ونعطي الخضرجي شيكاً ايضاً؟ يسخرون منا ولا يوجد من يحمي حقوقنا، الكل يبيعوننا وعوداً وكلاماً، ولكن الحقيقة مغايرة، ذل بذل، والمؤسف صمت الناس وخنوعهم، وهو ما اوصلنا الى هذا الدرك والاحباط”.