IMLebanon

«لحقي» تتمرد على «المرجعية»… وتُحضر للعاصفة!

كتب عمار نعمة في صحيفة “اللواء”:

تُشبه انطلاقة مجموعة «لحقي» في الحراك الشعبي من حيث «البيئة المذهبية»، تلك التي تميز بها حراك الجنوب في منطقتي صور والنبطية، لكن حراك المجموعة في الجبل يتفرد بكونه لم يرتبط أو يُدعم بقوة من قبل أية جهة حزبية في تمرده على «المرجعية» السياسية المسيطرة في الطائفة.

 

ما قبل 17 تشرين

كغيرها كثير ممن مجموعات الحراك، لا تعود بداية «لحقي» الى تاريخ الانتفاضة، وإن ساهمت الأخيرة في بروز ظاهرة الكثير من مجموعات «الثورة» التي برزت خلالها.

كان التشكل من مجموعات عديدة نشطت ضد «النظام الطائفي» في فترات متعددة وبرز بعضها مدنيا وميدانيا خلال أزمة النفايات العام 2015، حين تشكلت الإرهاصات الأهم لانتفاضة 17 تشرين الأول العام 2019.

ثم تتابعت الخطى قبيل الانتخابات النيابية العام 2018 وتحضيرا لها قبل عام من إجرائها، عبر مؤتمر عقد في إطار مجموعة «كلنا وطني» حين حصل نقاش مستفيض في المؤتمر التأسيسي الأول لحركة «لحقي» التي استهلت خطواتها الاولى ضمن حركة «قسم» ومن ثم اتخذت لنفسها إسمها الحالي.

ما ميّز المؤسسين تحدرهم من منطقتي الشوف وعاليه في الجبل. بكلمات أخرى، يصف كثيرون الحركة بأنها «الحراك الدرزي في الجبل». طبعا، لا يختصر هذا القول هوية الحركة التي، كغيرها، إنطلقت من بيئة معينة لكي تتوسع رويدا رويدا حتى باتت اليوم في معظمها من غير الدروز ومن خارج مناطقهم، كما يشير الأعضاء.

ويؤكد علاء الصايغ، وهو أحد المؤسسين، أن العاصمة بيروت لم تكن خارج مرحلة التأسيس، لكن الأمر لم يبرز كون الذين ترشحوا الى الانتخابات النيابية في العام 2018 كانوا في الشوف وعاليه حيث حققوا نتيجة جيدة عبر حصد نحو 11 ألفا و500 صوتا «إحتسبت السلطة نحو عشرة آلاف منها»، واقتربت لائحتهم من حاصل انتخابي يقدر ب12 ألف و700 صوت حتى لامسته. وللتذكير، فإن اختراق مرشحة حزب «سبعة» بولا يعقوبيان للمجلس النيابي كان عبر التحالفات التي أقامتها مجموعة «كلنا وطني» في دائرة بيروت الأولى.

باختصار، ففي 2018، قرر المؤسسون أن ينقلوا المطالبة بالحق في العيش الكريم، في بيئة سليمة وبتكافؤ الفرص الى البرلمان، وبذلك لينتقل الحراك المدني الى حراك سياسي، ما مهد لقيام «لحقي».

 

رفض «الشخصانية»

لعل قوى السلطة لم تتخذ من الانتخابات العبرة اللازمة، لكنها أجبرت على إيلاء الإحترام للمجموعة مع انطلاقها بقوة منذ تاريخ 17 تشرين الأول. والواقع أنه ليس بالغريب أن يشكل عنصر الشباب الصفة الابرز لهؤلاء، وأن لا تفارقهم سمة التمرد على المرجعيات وعلى النظام السلطوي القائم بأكمله.

وكما الكثير من الناقمين على «الشخصانية» في السياسة، إختار هؤلاء أن يشكلوا قيادة جماعية من دون رأس. فلا رئيس ولا أمين عام، بل «إنتظام قاعدي وتشاركي عبر قيادة أفقية ولامركزية تتمحور عبر لجان ومجموعات العمل» بالنسبة الى الصايغ.

نشط أعضاء الحركة خلال احتجاجات سبقت الانتفاضة، وقاموا بنشاطات للمساعدة والتوعية في الساعات القليلة التي سبقت تاريخ 17 تشرين، كما حصل في أزمة الحرائق في الجبل مثلا. وبما أن لا هرمية في القرارات، جاءت الدعوة الى الاحتجاج على الضرائب الحكومية من قبل ناشطي الحركة عبر «الواتساب» وسرعان ما جمعوا الأنصار في مناطق انتشار المجموعة.. وكانت الشرارة.

اليوم، يتمثل التحدي في استمرار زخم «الثورة»، ويقر كثيرون بانحسار لها وتراجعها، ويلخص الصايغ أسباب ذلك، ومنها الداخلية المتعلقة بالمنتفضين أنفسهم وظروفهم، كما ما يتعلق بالناس الذين أرهقهم التعب، إضافة الى قلة صبر من اعتبر أن النظام سيسقط سريعا. كما هناك أسباب خارجية كـ»قمع السلطة ودمويتها وشيطنتها للحراك واعتقال نحو ألفا من المنتفضين.. واحتيال المنظومة الحاكمة على الرأي العام عبر الايهام بأن الحكومة الحالية تحتلف عن سابقاتها..».

 

إنجاز الإنتفاضة.. إشتعالها

ولعل السؤال الحاضر دوما هو حول ماذا حققت الانتفاضة حتى الآن وفي أي ظرف تمر؟ والإجابة تبدو منطقية، ويلخصها الصايغ بكون الإنجاز يتمثل في الإنتفاضة نفسها التي ضربت مفاهيم الحرب الأهلية بشموليتها ووطنيتها.

هي اليوم فترة «الهدوء ما قبل العاصفة» بالنسبة إليه. وثمة عمل دؤوب لتحضيراً الى المراحل المقبلة التي ستواكبها ظروف مؤاتية لعل أولها سوء إدارة السلطة السياسية التي تمهد لقرارات «قاسية وقاتلة» في وجه اللبنانيين، ومنها الظروف المناخية المؤاتية وغيرها «فالوقت ليس لصالح السلطة التي وضعت مدة 100 يوم لكي تحقق الانجازات وهو ما لا يبدو سيتحقق».

 

ماذا عن عنف السلطة؟

على أن أكثر ما شوّه الانتفاضة كان سمتها العنيفة في بعض الأحيان، وهو عنف لجأت اليه بعض المجموعات عن سابق قرار، وبالنسبة الى «لحقي» فالسؤال يجب أن يتوجه الى «عنف السلطة والمصارف قبل أن يُوجه الى المحتجين».

اليوم ومع مرور الوقت، تستمر المجموعة في إطلاق خطابها التقدمي وبرنامجها السياسي في سبيل التغيير، بينما يرفض جسد الانتفاضة أي جسم سلطوي غريب وهو ما بدا خلال الإشكال الأخير قرب مصرف لبنان بين «التيار الوطني الحر» وأنصار زعيم «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط الذي ينظر إليه الحراكيون كنزاع سلطوي لا أكثر، بعد فقدان الثقة بالطبقة السياسية الحالية والرفض المتمادي لها.

ولعل المجموعة تعلم تماما أن قوى حزبية متعددة من خارج الحراك ستحاول امتطاء الثورة وحصد شعبية من خلالها. لكن غالبية الحراك ترفض حزبيي السلطة أو المستفيدين منها، مع الترحيب بـ»التائبين» منها.

.. وعلى طريق ثورتها الخاصة، ستهتدي «لحقي» ببيانها الوزاري الذي يشكل دستورها الذي وضعته في سبيل «حكومة منحازة» الى الناس.