IMLebanon

“الصيادلة” مع تنظيم المهنة و”مصرف لبنان” ضدّ تحديد النسل!

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

لا أزمة دواء في لبنان. فهمنا. لكن هل سنواجه أزمة دواء في لبنان غدا؟ بعد غدّ؟ أو ربما بعد بعد غدّ؟ الدواء قبل الخبز، والخبز قبل المازوت، والمازوت قبل الكهرباء، والمواطن في القعر، في القاع، في الحضيض، والدواء، الدواء يا عالم، نار! ومن قلب النار اللبناني الغالب على كلّ شيء، سؤال الى نقيب الصيادلة في لبنان الدكتور غسان الأمين: “قولك” نقيب نحن ذاهبون نحو أزمة دواء؟

لا يلتقي أحد مع “النقيب” إلا ويكون “الكلام عن فيروس كورونا ثالثهما. لكن، فلنتكلم في أمورٍ إن أهملت فستضرب كل اللبنانيين بفيروس من نوع آخر! فيروس- الدولة!

هل نطمئن الى استمرار توافر الأدوية المزمنة؟ يجيب النقيب: “حتى اليوم لا أزمة. ونحن اتفقنا مع حاكم مصرف لبنان أن يغطي “المركزي” 85 في المئة من إستيراد الدواء، على أساس صرف الدولار بسعر 1515 ليرة لبنانية، على أن يُمنح المستوردون هامش إستيراد بنسبة 15 في المئة من السوق السوداء”.

طمأننا النقيب. لكن، هل هو، في قرارة نفسه، مطمئن الى “بكرا”؟ يبدو أن المشاكل قد بدأت تظهر. مصرف لبنان، بحسب إخبار وصل الى نقابة الصيادلة، توقف عن تغطية بعض أنواع الأدوية. وهذا، بحسب النقيب، خطير جداً جداً. ويقول: الدولة هي التي تستورد الدواء وإذا لم تغطّه فإن الوكيل سيتوقف عن استيراده وسيحلّ مكان الدواء، التي رفعت الدولة يدها عنه، الدواء المهرّب والمزوّر. وكلّنا يعلم أن التهريب، من الأصل، ماشي، والتزوير يحذو حذوه”.

هل علينا أن نبحث عن الأسباب التي تدفع مصرف لبنان الى “تجميد” التزامه أم يكفي أن نُدرج إنسحابه، ولو جزئياً في الوقت الحالي، في خانة “إنسحاب” المصرف، منذ فترة، من دوره ومن واجباته؟ مصرف لبنان أوقف التزامه تغطية بعض أصناف الأدوية. فهل يمكننا أن نعرف أسماء بعض هذه الأدوية التي اعتبرها المصرف غير مهمة؟ يجيب النقيب: “من الأدوية التي توقف عن تغطيتها دواء Contraceptive.

ويوصف هذا الدواء لمنع الحمل، علماً أن هذا الدواء نفسه يصفه أطباء كثيرون من أجل تنظيم الهورمونات أيضاً”. الدولة وليس الوكيل.

هل نفهم من كلّ هذا أن سعر هذا الدواء سيرتفع؟ يجيب النقيب الأمين: “معلوم أن الدولة هي التي تُسعّر الأدوية في لبنان وليس الوكيل، ما يعني أن وكيل هذا الدواء سيتوقف حتماً عن استيراده، لأنه غير قادر على بيعه بسعر أعلى من السعر الذي حددته الدولة”، ويستطرد: “مصيبة أن تترك الدولة هذا القطاع “داشراً” وتقول للمستوردين سعّروا كما تشاؤون”! إذا كان هذا الدواء “كونتراسبتيف” هو الأبرز بين أدوية منع الحمل وسينقطع من السوق، فهذا إيذان أن لبنان سيشهد ارتفاعاً في الولادات الجديدة! مشكلة وراء مشكلة وراء مشكلة!

ثلاثة قطاعات إهمالها كارثي: المازوت والدواء والطحين. ممنوع النقاش فيها. وقد يكون “مصرف لبنان” ليس مع تحديد النسل لهذا أخرج دواء منع الحمل هذا، من لائحة الأدوية التي تحتاج الى حماية.

توجد 3400 صيدلية في لبنان. والصيدلي هو خطّ الدفاع الأوّل مع المواطن، وهو قادر على نُصحه وإرشاده. هذا يصحّ طبعاً في مواجهة “الكورونا” لكن ماذا عن كيفية مواجهة فقدان أدوية ما وتهريب أدوية ما؟ وهل يتمتع الصيادلة بهامش يسمح لهم بتغيير إسم دواء موصوف من طبيب بدواء آخر رديف؟

ما يلفت إليه النقيب الأمين هو أن “عدد الصيادلة في لبنان يوازي ثلاثة أضعاف حاجة لبنان، لكن بسبب عدم وجود وزارة تخطيط، هبّ كثيرون الى دراسة الصيدلة، و”فرّخت” كثير من الجامعات الجديدة. لهذا قدمنا مشروع قانون الى مجلس النواب للحدّ من أعداد الخريجين، ومرّ المشروع في لجنتي التربية والصحة، وننتظر إرساله الى لجنة الإدارة والعدل، ويتضمن المشروع منع دخول أي شاب أو شابة الى كليات الصيدلة إذا لم يحز في امتحانات البكالوريا علامة 14 على عشرين وما فوق، ومن أحرزوا هذا المعدل عليهم الخضوع لاحقاً، وقبيل دخول الجامعة، الى امتحان جدارة. والناجحون في هذا الإمتحان يحقّ لهم الإنتساب الى الجامعة بهدف حيازة شهادة في الصيدلة”.

وماذا عن الطلاب الذين يدرسون الصيدلة في الخارج ويعودون بعد تخرّجهم الى لبنان؟ ومن شبّوا في الخارج وباتوا صيادلة وعادوا الى لبنان؟ يتحدث الأمين “عن خضوع الطلاب الذين يغادرون الى الخارج لدراسة الصيدلة، الى فحص الجدارة، قبل مغادرتهم، فإذا لم ينجحوا فيه لن يُسمح لهم بفتح صيدلية في لبنان حتى ولو عادوا بشهادة الصيدلة. أما من كبروا في الخارج، ولم يخضعوا لامتحان البكالوريا في لبنان، وأصبحوا قبيل عودتهم صيادلة، فمطلوب منهم تقديم علاماتهم في الخارج”. ويستطرد الأمين بالقول: “نصحتُ أولاد شقيقي أن يدرسوا علوم الكمبيوتر لا الصيدلة وفعلوا هذا. إختصاص الصيدلة ما عاد مطلوبا اليوم”. الاستيراد… والإنتاج الوطني

الصناعة الوطنية للدواء موجودة لكن، كلنا نسأل في هذه الأيام: هل سيكفي الإنتاج الوطني كبديل عن الإستيراد؟ قليلون يعرفون أن الصناعة الوطنية للدواء تُشكّل 8 في المئة فقط من فاتورة الدواء، ومطلوب أن ترتفع هذه النسبة الى 70 في المئة على الأقل. وهذا لن يحصل إلا إذا دُعمت هذه الصناعة وأُمنت لها القروض والحوافز ورُفعت عن كاهلها الرسوم والضرائب الباهظة. نفهم من هكذا كلام أن تقليص الفاتورة الدوائية الخارجية مستحيل في الفترة المقبلة ما دام تعويم الإنتاج المحلي الآن محال. في كلّ حال، لدينا في لبنان، لمن يهمه الأمر، 11 مصنعاً للأدوية فقط لا غير.

أدوية الجينيريك قد تكون خيارا أوّل في الفترة المقبلة، كون لبنان سيُصبح “بلد الفقراء” وسعر دواء الجينيريك، الذي يقل بنسبة ستين في المئة عن الدواء العادي، يتناسب مع الفقراء. وفي هذا الإطار يعلّق الأمين: “يفترض تقديم حوافز للصيادلة من أجل تمكينهم من تغيير “الوصفة الطبية” بأدوية جينيريك تحتوي نفس التركيبة ولديها الفعالية نفسها. دور الصيدلي يكون بالتدخل حين يصف الطبيب “براند” ويكتب في الوصفة الحرفين الأجنبيين التاليين: “NS”، ويعنيان بالعربية: لا للإستبدال. هنا يفترض أن يتدخل الصيدلي إذا مُنح حقّ التدخل”.

يبدو من كلام النقيب أن هناك أطباء يُشجعون الأدوية الباهظة! لماذا؟ “فكروا فيها”! في المقابل، تسعون في المئة من الأدوية الموصوفة في الولايات المتحدة الأميركية هي جينيريك، وسبعون في المئة منها في الأردن وفرنسا. أما في لبنان فهي لا تزيد عن 20 في المئة. وفي هذا الإطار يتذكر نقيب الصيادلة أن طبيب الأطفال سمير نجار كان يصف لأولاده، حين كانوا صغاراً، دواء “أموكسيل” لكنه كان يشتري لهم دواء “هايكونسيل”، المصنوع من نفس المكونات وسعره أقل بثلاثين ألف ليرة. وهذا دور الصيادلة ودور المؤسسات الضامنة، ودور الدولة حث اللبنانيين على استبدال الأدوية الموجودة بأدوية الجينيريك”.

هل من خطة لذلك؟ يجيب النقيب: “نحتاج الى قوانين وأنظمة ومواد جديدة. ويستطرد: ربح المستورد من استيراد الدواء هو 10 في المئة، وربح الصيادلة 22,5 في المئة، ويمكننا أن نزيد ربح الصيدلي الى ثلاثين في المئة على أدوية الجينيريك وهكذا نحثه على النصح بها، فيربح هو أكثر وتنخفض فاتورة المواطن أكثر”.

“بيولوجي” إيراني

“لا أدوية إيرانية في لبنان”. يصرّ نقيب الصيادلة بذلك مضيفاً: “وزير الصحة طلب من اللجنة الفنية في الوزارة تسريع درس بعض الأدوية الإيرانية التي قد تدخل في المستقبل سوق الدواء، وتضم اللجنة الفنية عضوين من نقابة الأطباء وعضوين من نقابة الصيادلة. ويستطرد: هناك دواء بيولوجي إيراني مماثل وحيد، جرى تسجيله في لبنان، لكننا لا نعتبره أساسياً كما كل الأدوية المماثلة التي نستوردها من بلاد كثيرة. في هذا الإطار سبق أن سجلت بدوري، قبل 15 عاماً، دواء بيولوجياً مماثلاً من صناعة رأس الخيمة، وهناك أدوية مماثلة تأتي من مصر.

لم نفهم شيئاً: هناك دواء إيراني أو ليس هناك دواء إيرانياً! ضعنا!

خبر جميل في الموضوع. المختبر المركزي الوطني لتحليل الأدوية، المعطل منذ أكثر من 25 عاماً، والذي يراه النقيب أكبر عنوان للفساد سيعود الى العمل. ويشرح الأمين: “سيُقام هذا المختبر في مستشفى رفيق الحريري وتكفّلت شركات تمويل كلفته التي قُدرت بنحو عشرة ملايين دولار”. قطر هي التي التزمت هذا المختبر. تصل قيمة الفاتورة الدوائية السنوية في لبنان الى مليار و700 مليون دولار وتوزع بين ثلاثة أطراف: جزءٌ توزعه وزارة الصحة مجاناً، وجزءٌ تأخذه المستشفيات، وتباع أدوية في الصيدليات بقيمة 900 مليون دولار. وأسعار الأدوية، لمن يهمه الأمر، يُعاد تحديدها كل خمس سنوات.

نطمئن؟

إسألوا النساء اللواتي ينتظرنَ طوال النهار في مصرف للحصول على مئة دولار في الأسبوع! ولا تخبروا، لا النساء ولا الرجال، عن رفع مصرف لبنان “الغطاء” عن ثمن دواء منع الحمل “كونتراسبتيف”، ما يُهدد بانقطاعه! أخبروهم فقط أن المصرف المركزي ضدّ تحديد النسل وصرف المال!