IMLebanon

اللبنانيون يناورون لسحب أموالهم من المصارف

 

كتبت أنديرا مطر في “القبس”:

قبل أيام صودف جلوسي في أحد المقاهي البيروتية قرب طاولة يجلس عليها أربعة رجال. حديثهم كان يدور حول الأزمة المالية وإجراءات المصارف بطبيعة الحال، فهذا هو حديث الساعة كلما اجتمع شخصان أو أكثر. أحدهم كان يتحدث بصوت مرتفع وبثقة مفرطة ويقول: «إن من يريد سحب أمواله من المصرف فليأتني بشيك مصرفي وانا «أسيّله» له». وتابع: «شيك بعشرة آلاف دولار أعطيه مقابله ستة آلاف دولار، 30 ألفا أعطيه 24 ألفا، دولار ينطح دولار». وما أن أنهى حديثه، حتى سأله أحد زملائه في الجلسة ما كان يدور في خاطري في تلك اللحظة: «وأنت، ماذا تفعل بالشيك المصرفي وكيف تقبضه من المصرف؟». همهم قليلاً ثم أجابه: «أنا بدبّر حالي». وحال هذا الرجل ليست فريدة، فقد راجت مسألة «بيع» الشيكات المصرفية إلى أشخاص نافذين أو إلى صرافين بخسارة تصل إلى حدود 40 في المئة، كوسيلة لسحب اللبناني وديعته من المصارف، بعد الإجراءات التي اتخذتها بحق المودعين تزامنا مع أزمة شح الدولار في السوق.

في المرحلة الأولى من تطبيق المصارف هذه الإجراءات، بدأ اللبنانيون البحث عن طرق لسحب ودائعهم بطريقة تؤمن لهم مصدرا ماليا متى احتاجوا إليه. اتجه قسم كبير إلى شراء الذهب عبر البطاقات الائتمانية أو الشيكات المصرفية قبل أن يوقف عدد من أصحاب محال الذهب التعامل بهذه البطاقات لصعوبة سحب أموالهم من المصارف، واستمر في البيع نقدا فقط بالليرة اللبنانية أو بالدولار.

السيد ضوميط زغيب أحد أصحاب محال «زغيب للمجوهرات» قال لـ القبس إن المصارف أدركت بعد فترة أن اللبنانيين يستخدمون بطاقاتهم لشراء الذهب من الخارج ومن ثم يبيعونه في لبنان ويقبضون ثمنه «كاش»، فأوقفت التعامل بالبطاقات. أمّا في لبنان فقد اتخذ أصحاب محال الذهب قرارا بالتوقف عن البيع عبر البطاقات؛ لأنه لم يعد بمقدورهم شراء الذهب الرملي والألماس من الخارج «لأننا ملزمون بالدفع نقدا». يتابع زغيب أن مؤسسته لا تزال تبيع بواسطة الشيكات المصرفية والبطاقات، ولكن للقطع المشغولة وليس للسبائك؛ لأن هذه الأخيرة ندفع ثمنها نقدا وربحها قليل لا يتجاوز العشرين دولارا. مؤسسة «زغيب آند كو» للمجوهرات لديها فرع في الكويت تعتمد عليه للاستمرارية، كما تعتمد على المعارض في الكويت وقطر والشارقة لتوفير المال «الكاش». وعن انتعاش سوق الذهب بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان، فيؤكد زغيب أن المؤسسات التي تبيع وتقبض شيكات وبطاقات ائتمانية انتعشت مبيعاتها بصورة ملحوظة، أمّا الذي أوقف التعامل بهما فتراجع عمله كثيراً. في بداية الأزمة المالية، أي في شهري أكتوبر ونوفمبر الفائتين، انتعش سوق الذهب بنسبة 20 في المئة. بعد رأس السنة تراجع قليلا ثم عاود ارتفاعه في شباط الحالي. ولدى سؤاله عن «نوعية» الزبائن وهل هم من أصحاب الودائع الصغيرة حصرا، قال زغيب إن بعض الزبائن كانوا يحملون شيكات بمبالغ ضخمة، حتى إن أحدهم قصد محالنا حاملا معه «شيك» بمليون دولار. أصحاب هذه المبالغ كانوا يقبلون على شراء أحجار الألماس ذات الشهادات العالمية، لأنه يمكنهم بيعها في الخارج. «كان لدينا كمية من الأحجار واليوم نفدت بسبب الإقبال عليها». ولكن في المحصلة، نوعية الزبائن تغيرت، وفق زغيب، «الناس يشترون الذهب لأنهم يريدون سحب أموالهم من المصارف وليس لأنهم يستهوون هذه القطعة أو تلك».

إضافة إلى شراء الذهب، وجد بعض اللبنانيين من أصحاب «الخبرات» طريقة أخرى لسحب أموالهم عبر صالات الميسر في لبنان والخارج قبل أن تكتشف المصارف «لعبتهم» وتمنعهم من إكمالها. يخبرنا جورج عن تجربته القصيرة في هذا السياق ويقول: «ذهبت إلى قبرص عدة مرات. قصدت الكازينو واشتريت كل مرة «فيش» بخمسة آلاف دولار هي السقف المسموح لي بإنفاقه بواسطة البطاقة الائتمانية. أنفقت مبلغ مئتي دولار على ألعاب للهواة. ثم أعدت الفيش الباقية بحوزتي إلى الصندوق وقبضت ثمنها «كاش» وعدت بها إلى لبنان». يقول جورج إنه كرر هذه العملية ثلاث مرات إلى أن فوجئ في المرة الأخيرة أن بطاقته لم تعد تعمل فأدرك أن المصارف أوقفت التعامل بها في الكازينوهات.