IMLebanon

المدارس في البيت

كتب د. ميشال الشماعي في صحيفة “نداء الوطن”:

نتيجة للأزمة الصحيّة التي يمرّ بها لبنان، في ما يتعلّق بموضوع فيروس الكورونا، قرّرت إدارات أغلب المدارس متابعة العمل عن بعد، وذلك عبر إرسال دروس وفروض للمتعلّمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو عبر تطبيقات (applications) خاصّة ببعض المؤسسات التربويّة. فهل هذه الطريقة كفيلة بعدم ضياع العام الدّراسي؟ وهل يستطيع المتعلّمون في المدارس تخطّي سلبيّاتها والاستفادة من إيجابيّاتها؟

دأبت إدارات المؤسسات التّربويّة الخاصّة والرّسميّة، بتوجيهات من وزير التربية والقيّمين على المدارس الخاصّة، لمواكبة المتعلّمين في أثناء فترة الحجر الصحّي الطّوعي، والتي لا تعرف مدّتها حتّى الآن. فتشكّلت خلايا تربويّة في المدارس بحسب الموادّ، وذلك بإشراف منسّق كلّ مادّة على حدة؛ وصارت تصمّم بطاقات (Fiches) تتضمّن أبرز الكفايات التربويّة في محاولة لتغطية أهداف المحاور التي كان يتمّ تحقيقها في صفوف المدارس.

بداية، واجه المعلّمون صعوبة في هذه العمليّة التحضيريّة الاضافيّة التي تتطلّب جهداً مضاعفاً منهم، إضافة إلى الجهد الذي كان يبذله كلّ معلّم في تحضيره اليوميّ المعتاد. فضلاً عن عمليّة الاشراف المباشر التي غابت كليّاً حيث إنّ المدارس بغالبيّتها ليست مجهّزة لشرح دروس بشكل مباشر (online)، بل اكتفى الأساتذة بإرسال الواجبات كما كانت تعطى في المدارس في نهاية كلّ حصّة. وبعضهم وضع تصحيحها أو حتّى أسس التّصحيح على روابط إلكترونيّة (Blogs).

وهنالك بعض المعلّمين من أنشأ مجموعات على تطبيقات التّواصل الاجتماعي، كتطبيق المحادثة (Whatsapp) فقاموا بوضع واجبات وبعض الشّروحات لبعض محاور الدروس، ليتمكّن المتعلّمون من المتابعة شبه اليوميّة.

ذلك كلّه يندرج تحت عباءة “الضمير الحيّ” الذي يتمتّع به المعلّمون، لما لهذه المهنة من صعوبات حيث تترفّع عن الماديّات، لأنّها تحاكي وجدان المتلقّي، المرسَل إليه، وتغوص في ضمير المرسِل أي المعلّم. إلا أنّ أبرز السلبيّات التي تواجه المؤسسات التربويّة في هذه الحالة هي غياب الرّقابة. ونعني هنا الرّقابة التي تمارسها الادارات على المعلّمين بحيث يترك المعلّم في هذه الحالة لضميره. كذلك المتعلّم الذي يدرس في منزله من دون أيّ رقابة؛ فهو يمارس على نفسه الرقابة الذاتيّة. وفي هذه الحالة يأتي دور أولياء أمر المتعلّمين الذين يفترض بهم أن يمارسوا دور المشرف الذي كان يضطلع به المعلّم والإدارة المدرسيّة. من هذا المنطلق، المتعلّم الذي يتحلّى بالضمير الحيّ قد يمارس على نفسه رقابة ذاتيّة تمكّنه من تيويم (update) وتطوير معلوماته حتّى تحقيق الكفايات التربويّة المطلوب تحقيقها. وقد يستفيد من أساليب الرّاحة المتوافرة في المنزل. فهو لا يعاني مشكلة تدفئة أو تبريد، ولا جوع أو عطش، أو حتّى قضاء حاجاته الشّخصيّة بإذن.

لكن مقابل ذلك، توفّر وسائل التواصل الاجتماعي مساحة واسعة للتواصل مع رفقاء المتعلّم، وهذا ما قد يشتّت انتباهه وتركيزه، لا سيّما في حال غياب رقابة الأهل. وهذا أمر شبه مؤكّد إذ معظم أولياء الأمر يذهبون إلى عملهم بشكل شبه طبيعيّ، مع أخذهم الاحتياطات كافّة، كالكمامات وأدوية التّعقيم والتّطهير البسيطة.

أمام هذه الوقائع، يبقى مصير العام الدّراسي معلّقاً في خطر، لا سيّما صفوف الشهادات الرّسميّة. ولن يتمكّن المتعلّمون من متابعة تحصيلهم العلمي بشكل فعّال إلا بعودتهم إلى مقاعدهم الدّراسيّة. رأفة بمتعلّمينا المبدعين في أصقاع العالم كلها، نسأل الله أن يمنح ساستنا الحكمة في أخذ القرارات التربويّة بعيداً من التأثيرات السياسيّة. ماذا وإلا… على العام الدّراسي السلام!