IMLebanon

“كورونا”… الحجر المنزلي ليس مزحة!

كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:

مع تسجيل أول حالة وفاة بفيروس «كورونا» المُستجدّ، أمس، وارتفاع عدّاد الإصابات الجديدة بـ11 حالة ليُقفل ليلاً على 51 إصابة، بات السؤال عن خطة الطوارئ التي أعدّتها «الدولة» لمواجهة المرحلة المقبلة حاجة مُلحّة. ورغم أنّ التداعيات الراهنة كانت متوقعة منذ 21 شباط الماضي، تاريخ تسجيل أول إصابة في لبنان، إلا أنه لا يبدو أن في حوزة السلطات المعنية ما يُبشّر خيراً.

حتى أمس، كانت خلية الأزمة الوزارية عاجزة عن تحديد مُستشفيات حكومية في المناطق لـ«مؤازرة» مُستشفى رفيق الحريري الحكومي الذي أوشكت قدراته الاستيعابية على الانتهاء، في ظلّ «تخبّط» كبير بشأن التجهيزات المطلوبة التي تحتاج إليها المؤسسات المعنية بالقطاع الصحي عموماً وتلك المُستشفيات خصوصاً.

صحيح أن مجلس الوزراء يزعم سعيه إلى تدارك الوضع، إلاّ أن الخطوات المتّخذة لا تزال بطيئة جداً نسبةً إلى الانتشار المُتسارع. وهو أمر قد لا يرتبط بـ«أداء» الوزراء الحاليين، بل يتعلّق حُكماً بـ «إرثٍ» ثقيلٍ من الترهّل الذي يفتك بالبلاد منذ سنوات طويلة من جهة، والأزمة المالية والنقدية التي ترخي بثقلها على القطاع الصحي، كما بقية القطاعات.

أضف الى ذلك أنّ هذه الخطوات تأتي بـ«المفرّق»، في وقت كان يفترض فيه أن تكون هناك خطة متكاملة تلحظ وضع المخيمات الفلسطينية وتجمّعات النازحين السوريين وأماكن التجمعات الكبيرة وتجهيزات الإدارات والمؤسسات العامة والنقل المُشترك وتدابير الطيران وحماية الطواقم الطبية والتدابير الوقائية والإشراف على الحجر الصحي المنزلي. ولعلّ الرسالة الأهم التي يُمكن أن يتلقاها المُقيمون في لبنان، في ظلّ تزايد أعداد الإصابات الجديدة يومياً، هو أن «يلزموا بيوتهم»! ذلك أن قدراً كبيراً من المسؤولية يُلقى على هؤلاء بشأن الالتزام بتدابير عدم ارتياد أماكن التجمعات وتجنّب الاختلاط واتخاذ إجراءات الوقاية والحيطة والحذر، بدلاً من المُضيّ في سلوك الاستهتار والاستخفاف، لأن الحجر الصحي المنزلي لم يعد «مزحة»، بل بات حاجة ملحّة، وأولى الخطوات المطلوبة لمواجهة الانتشار المتسارع للوباء.

أمس، اتّخذت الحكومة قراراً قضى بـ«تعديل اتفاقية القرض المُقدّم من البنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ مشروع تعزيز النظام الصحي في لبنان»، عبر إعادة توزيع قيمة القرض البالغة 120 مليون دولار (كانت مخصّصة في الأساس لدعم مراكز الرعاية الصحية والمُستشفيات الحكومية) بحيث يخصص 39 مليون دولار منها لـ«تجهيز المستشفيات الحكومية وتشخيص ومعالجة الحالات المشتبه في إصابتها بفيروس كورونا وتأمين جميع الحاجيات والمستلزمات اللوجستية ووسائل الحماية الشخصية وجميع أدوات التواصل والتوعية».

المُفارقة أن خطوة «ضرورية» كهذه لا تعدّ حتى الآن «مضمونة»، «ذلك أن التصرّف بأموال القرض الذي جزء منه هبة يحتاج إلى موافقة الواهبين، لأنه سيُستخدم في غير هدفه»، على حدّ تعبير رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي.

وعلمت «الأخبار» أن البحث حالياً يتركّز على تخصيص مُستشفى حكومي في كل من جبل لبنان (مُستشفى بعبدا الحكومي)، والبقاع (مشغرة) والجنوب (بنت جبيل) والشمال (طرابلس). أمّا المُستشفيات الخاصّة التي سبق أن حاولت «التنصّل» من مسؤوليتها، فيبدو أن لا مهرب من الإستعانة بها. وأولى خطوات الاستعانة بها تُرجمت عبر اعتماد أربعة مُستشفيات جامعية لفحص فيروس كورونا «بسبب اقتراب مختبر مستشفى رفيق الحريري الحكومي من بلوغ قدرته الاستيعابية»، وفق بيان وزارة الصحة العامة، وهي: مختبر الجامعة الأميركية في بيروت، مختبر مستشفى القديس جاورجيوس، مختبر مستشفى رزق/ الجامعة اللبنانية الاميركية، ومختبر Rodolphe Merieux في الجامعة اليسوعية/ مستشفى أوتيل ديو.

وفيما من المُفترض أن يُقدّم هذا الفحص مجاناً للحالات الجدية المُشتبه فيها، لفت بيان «الصحة» إلى أنه يجب على أي مُستشفى آخر أو مختبر خاص يرغب في القيام بهذه التحاليل «التقدم بطلب يدرس من قبل لجنة متخصصة للحصول على موافقة الوزارة قبل المباشرة بذلك، وتحدّد التعرفة بـ150 ألف ليرة كحد أقصى»، علماً بأن رفع قدرة لبنان على إجراء الفحوصات قد يُترجم على الأغلب بتسجيل مزيد من الإصابات.

إلى ذلك، فإنّ «استنزاف» مُستشفى رفيق الحريري لا يتوقّف على قدرته الاستيعابية لإجراء الفحص، إذ إن هناك نقاشاً أساسياً يرتبط بغرف العزل المُزوّدة بأنظمة الضغط السلبي التي يحتاج إليها المرضى أصحاب الحالات الحرجة. رئيس مجلس إدارة المستشفى فراس الأبيض قال أمس إنه «خلال اليومين المُقبلين سنرفع من عدد الغرف لتصبح 12». صحيح أن الحالات الحرجة بين المُصابين حالياً لم تتجاوز ثلاثاً بعد، إلا أن تزايد الإصابات يُحتّم «الاستعداد» للحالات الحرجة المُرتقبة، ما يعني أن العدد المُتوافر من هذا النوع من العزل لن يكون كافياً ما لم تتخذ إجراءات سريعة لتدارك الوضع.

وكان الأبيض عقد، أمس، مؤتمراً صحافياً، أعلن فيه تسجيل 11 إصابة جديدة، ليرتفع العدد الإجمالي للحالات التي شخصت في مختبرات المستشفى بإصابتها بفيروس كورونا المستجد إلى51، علماً بأن العدد الإجمالي للفحوصات المخبرية خلال الـ24 ساعة الماضية بلغ 202، فيما توجد حتى اللحظة 23 حالة في منطقة الحجر الصحّي.

أمّا العدد الإجمالي للحالات الإيجابية داخل المستشفى فبلغ 30 حالة، «فيما يقوم فريق من وزارة الصحة العامة بتأمين نقل باقي الحالات الى المستشفى».

حتى الآن، لم يُشفَ أي مريض مُصاب بشكل تام (أي خلت تحاليله المخبرية من النتائج الإيجابية بشكل يسمح له الخروج)، «لكنّ هناك الكثير من المُصابين تخلّصوا من العوارض، فيما بقاؤهم مرتبط بإمكانية تسبّبهم بنقل العدوى فور خروجهم»، بحسب الأبيض، لافتاً إلى أن وضع المصابين بالكورونا مستقر «ما عدا 3 حالات وضعها حرج».

وكان مؤتمر الأبيض سبقه بيان صدر عن وزارة الصحة العامة أعلنت فيه تسجيل أول حالة وفاة لمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد من الجنسية اللبنانية «والذي كان قد نقل إلى المستشفى بحالة حرجة».