IMLebanon

ارفعوا أيديكم عن القضاء!

كتب طوني ابي نجم في “نداء الوطن”:

فجأة انتفضت وزيرة العدل ماري كلود نجم بوجه التشكيلات القضائية التي أقرها مجلس القضاء الأعلى بالإجماع، وذلك تحت الشعار المعتاد للتدخل في التشكيلات: “وزير العدل ليس ساعي بريد”!

أغرب ما في الموضوع هذه المرة، ليس أن يمتعض رئيس الجمهورية ميشال عون من التشكيلات القضائية وخصوصاً أن رئيس مجلس القضاء الأعلى كان أبلغه منذ اللحظة الأولى لتعيينه أنه سيجريها بعيداً من أي تدخل سياسي، ولا أن يمتعض رئيس مجلس النواب نبيه بري في ظل اعتياد المراجع الرئاسية على الحفاظ على “حصتها” من التشكيلات القضائية، بل الغريب أن تخوض الوزيرة نجم معركة غيرها لتنوب عنهم بمحاولة التدخل لترك بصمة سياسية على التشكيلات!

الغريب أن من يحاضر باستقلالية القضاء، وبضرورة إقرار قانون يشرّع استقلاله، يمارس عكس شعاراته ويحاول منع مجلس القضاء الأعلى من ممارسة استقلاليته ويحاول منعه من إجراء التشكيلات بعيداً من التدخلات السياسية للمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث!

إن القاصي والداني يعرف تماماً أن الرئيس سهيل عبود لا غايات سياسية له، وأن قبوله منصبه كان مشروطاً بقبول المسؤولين بأن يمارس استقلاليته ويحقق رؤيته لقضاء مستقل يقوم بواجباته تجاه اللبنانيين أولاً وتجاه لبنان في محاولة إنقاذية عبر بدء الإصلاح الفعلي، وإلا فإن عبود، كما ينقل عنه عارفوه، لن يتردد في رمي استقالته في وجه كل المتدخلين والمعرقلين، وهو ما لن يناسب أياً من المسؤولين مدّعي الإصلاح في زمن الثورة!

ويبقى السؤال لِمَ الاعتراض على ما أنجزه سهيل عبود ورفاقه؟

السبب الأساس بكل بساطة أن مجلس القضاء الأعلى وضع للمرة الأولى في تاريخه معايير محددة للتشكيلات، وتصدّرها معيار النزاهة ونظافة كف القاضي وعدم وجود ملاحقات قضائية بحقه أو حتى شبهات، وهذا ما أدى إلى ظهور خريطة أسماء جديدة من القضاة لمناصب أساسية، كما تسبّب باستبعاد قضاة كثر عن المراكز الحساسة!

في المقابل فإن معايير المرجعيات السياسية تفترض بالقضاة الذين يتولون المناصب الحساسة أن يدينوا بالولاء السياسي لهذه المرجعية أو تلك لتأمين فرض تعيينهم ضمن التشكيلات لحماية مصالح السياسيين.

هل ما تقدّم واضح بما يكفي ليفهم اللبنانيون أسباب محاولة عرقلة التشكيلات القضائية؟

إن أردتم الإصلاح الحقيقي فليبدأ بالقضاء. أتركوا رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود يعمل، وهو الذي أجمع كل الأطراف السياسية على علمه ونظافته وجرأته. لا بل سارعوا إلى تحصين استقلالية القضاء بإقرار القانون المطلوب فترفعوا يدكم نهائياً عنه!.

إن أردتم الإصلاح الحقيقي فلا تضعوا العصي في دواليب القضاء لأنه السلطة الوحيدة القادرة باسم الشعب اللبناني أن تكشف الفاسدين وتحاسبهم مهما علا شأنهم. وإن أردتم الإصلاح فاحترموا الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات، وتحديداً بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، ودعوا القضاء يقوم بعمله بدءًا من التشكيلات من دون تدخلات.

ختاماً لا بدّ من تذكير من يعنيهم الأمر أن وظيفة ساعي البريد هي وظيفة محترمة وليست مدعاةً للخجل أو الحياء على الإطلاق، إلا إذا كانت في خدمة مصالح المرجعيات السياسية على حساب الضمير والوطن!