IMLebanon

السجون اللبنانية مكتظّة وبلا تعقيم

كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:

أخفقت الحكومة اللبنانية مجدداً، بإجراءاتها وتطميناتها، في السيطرة على حالة الهلع التي اجتاحت السجون المختلفة في البلاد. وفشلت كذلك في اتخاذ تدابير وقائية تحدّ من التعرض المحتمل لفيروس كورونا المستجد، وفي وضع خطة استجابة واضحة تضمن التعقيم اليومي للزنازين وتكفل عدم مخالطة الضباط مع المساجين من دون احتراز. تقصّر الحكومة في كل الملفات الشائكة بما فيها مصلحة السجين نظراً لأن مسألة احتواء تفشي المرض داخل هذه المؤسسات المُغلقة أصبحت مُلحّة.

حتى في الأوقات الأكثر أماناً، لا تحترم السجون شروط الصحة العامة إذ يزيد الحبس والظروف غير الصحية وعدم توافر منتجات النظافة، والوصول المحدود إلى خدمات الرعاية الصحية، من خطر إصابة الفرد بالأمراض ونشر العدوى. كما يحدد تقرير أعدته منظمة الصحة العالمية (WHO) عدداً من العوامل التي تُعقّد التدخل الفعال للدول مع سجونها وتجعل منها بؤراً شديدة الخطورة لانتقال الأمراض. فما بالك في لبنان، حيث ما من استراتيجية وطنية للوقاية تُنفّذ في السجون؟

العفو العام وكورونا

عاد ملف “العفو العام” مجدداً إلى واجهة الأحداث اليومية، لكن ارتبط هذه المرة بفيروس كورونا وبالمطالبة بضم “السجون” إلى “التدابير الحكومية المتخذة”. فحتى الآن اقتصرت على تطمينات وزير الداخلية محمد فهمي أنه “لم تسجل أي إصابة في السجون حتى الآن” ولكن لم تصدر أي تعليمات رسمية تضمن وقف الإحتكاك بين القوى الأمنية والضباط وأسرهم تحسباً لنقل العدوى للموقوفين أو المساجين. كما لم تقم الجهات المعنية بالسجون بتطهير المباني والزنازين وفق جدول معين واحترازات صارمة على الأقل لفترة “التعبئة العامة” التي أعلنتها وزيرة الإعلام.

فجأة اتسعت رقعة الإشتباه في الإصابات بالفيروس بين المساجين والموقوفين وانتفض الأهالي خشية على أبنائهم، فمنهم من نفذ اعتصاماً أمام قصر العدل في طرابلس ومنهم من تحرك أمام قصور العدل في مختلف المناطق، خوفاً من تفشي مرض كورونا في السجون المكتظة التي تغيب عنها أدنى متطلبات الرعاية والنظافة والتعقيم وللمطالبة بالعفو العام عن جميع الموقوفين والسجناء والإفراج عنهم تنفيذاً لوعود المسؤولين في الإنتخابات الأخيرة.

يقول مؤسس لجنة العفو العام والإنماء دمر المقداد لـ”نداء الوطن” أن “السؤال ليس ما إذا سيصاب المساجين بالفيروس أم لا، بل متى سيعلنون عن اكتشاف الحالة الأولى. هناك حالات جرب عديدة في السجون ولم يهتم أحد، وفي سجن الأحداث البارحة ظهرت أعراض المرض على المسجون القاصر ع.خ. وهو من مواليد سنة 2003 ونقل بعدها إلى مستشفى بيروت الحكومي لإجراء الفحوصات المخبرية المطلوبة في ظل تكتم مبالغ فيه تجنباً لإثارة الخوف في نفوس زملائه الأحداث الذين يشاركونه الزنزانة. أما الفيديوات التي يشاركها معنا المساجين فلا تدل إلا على انعدام مسؤولية في أحسن الأحوال وإهمال جسيم في أسوأها. على المعنيين النظر في اتخاذ تدابير فورية لتقليل معدلات الحبس تخفيفاً لإكتظاظ السجون والعمل على إقرار قانون العفو العام الذي ننتظره منذ زمن”. وأكمل “لقد نظمنا اعتصامات تحذيرية عديدة في محيط قصر العدل حتى أننا تظاهرنا أمام بيت الشعب من دون أي نتيجة أو تجاوب من قبل المراجع المعنية” ومن بعدها أرسلت إلينا فيديوات للمساجين يقطعون أجسادهم بـ”الشفرات” والدم يسيل على أجساد أكثر من سبعة أشخاص ويقول أحدهم “هيك هيك ميتين”. وتابع “منذ بدء موجة تفشي فيروس كورونا في البلاد اعتصم معظم المساجين وأعلنوا إضراباً عن الطعام وطالبوا بالتعجيل في إقرار قانون العفو العام في ظل اكتظاظ السجون وعدم توافر الشروط الصحية التي تحول دون انتقال عدوى كورونا بين النزلاء لكن لا حياة لمن تنادي”.

تصاريح من الزنزانة

وفي حديث خاص من داخل زنزانته، ناشد المسجون حسام هزيمة السلطات المعنية بالنظر لأحوال السجون المزرية وقال لـ”نداء الوطن” إنهم يستحقون المعاملة كبشر على الأقل. وتابع “يرفض أي حيوان العيش في أي زنزانة من زنازين السجون في لبنان فما بالك الإنسان، ما يكلف الدولة أن “يشطفوا الأرض” ويعقّموها بشكل يومي؟ ماذا يضرهم لو أمّنوا لنا رعاية صحية تليق بالإنسان”؟ وأضاف “لم تصدر وزارة الداخلية أي بيان يعلن التأهب المدني وحالة الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة في السجون، وهو قرار نحث الآن على اتخاذه وتحمل المسؤولية كما نطالب كل الكتل السياسية بطرح موضوع العفو العام لما فيه من تقليل لعدد السجناء في المباني من أجل وقف النمو السكاني للسجون”.

أما الملقب بـ”الرائد” فناشد المسؤولين من داخل سجنه إن كانوا لا يريدون إقرار العفو العام لاعتبارات سياسية ما، أن “يستخدموا سلطاتهم الطارئة في هذا الوقت العصيب للإفراج عن جميع الأفراد الهشين طبياً من السجن على الأقل جميع المسنين الذين تتخطى اعمارهم الـ60 عاماً، وجميع الأشخاص الذين يقتربون من نهاية مدة عقوبتهم أو مؤهلين للإفراج المشروط، وجميع الأشخاص المسجونين بسبب انتهاكات تقنية للإفراج المشروط، وجميع الأشخاص رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة ذلك نظراً لزيادة حجم الموقوفين والمساجين” وأكمل “أما بالنسبة للبقية، فينبغي لمحيطهم أن يكون نظيفاً وأن تزوّد كل المرافق بنظم تهوئة مناسبة وأن يقوموا بتركيب مرشحات هواء حيثما أمكن وتوفير لوازم النظافة المجانية لجميع الأشخاص المحتجزين، سواء كانوا يعانون من أعراض أم لا، وأن يحصلوا على الرعاية الصحية المناسبة وفي الوقت المناسب قبل فوات الأوان، فإذا كان الهدف من نظام العدالة الجنائية هو ضمان السلامة العامة، فيجب على حكومة لبنان معالجة أزمة الصحة العامة بين جميع السكان بمن فيهم صحتنا كمساجين، فنحن لسنا علة كوكب زحل بل على بعد شارع من المدن المكتظة. كما رأينا مع مرض السل والجرب هنا، فإن تفشي المرض في السجن قد يتحول إلى تفشٍ في المجتمع المحيط كله”.

من جهته أكد المسجون “أبو علي” أنه مرتعب بحكم عمره الذي تخطى الـ50 عاماً وأنه “لا يوجد لقاح ولا مناعة طبيعية لـ”مرض الغفلة” هذا، ما يعني أن احتمال انتشاره في مبنى دال هنا أكبر بكثير من الأنفلونزا الموسمية أو الجرب المنتشر، حيث توجد مناعة جزئية “للرشح” عندنا. ولقد علمنا أن الفيروس الجديد أكثر عدوى وهو مميت لكبار السن، ويمكن أن ينتقل عن طريق حالات لا يبدو عليها الأعراض وتكون حاملة للمرض، وقد يكون حتى محمولاً في الهواء، فهل الحل بالتوقف عن التنفس؟” وتابع “لم تتخذ أي تدابير ولا طرق لتنفيذ الحماية البيئية المناسبة مثل توزيع المطهر والكمامات والصابون أو حتى التهوئة الكافية لمنع تفشي المرض وانتقاله اللاحق”.

تصريحات الأهالي

وقالت إحدى المعتصمات أمام سجن رومية، نادين العوطة لـ”نداء الوطن”: “أمام سرعة انتشار وباء كورونا وارتفاع عدد المصابين اجتمع مجلس الوزراء بجلسة استثنائية لإقرار سلسلة من التدابير الوقائية استثنوا منها أهلنا في السجون، فقد أعلنوا التعبئة العامة وعن انشاء صندوق وطني لمكافحة المرض وتهافتوا على التبرع له، غاضين النظر عن شراء بعض المنظفات والكمامات والكفوف للسجون. قالوا إن كل الإعتبارات السياسية تسقط أمام صحة المواطن ولكن يبدو أنهم لا يعتبرون ان الموقوف والسجين لا مواطناً ولا إنساناً. فبتصرفات السلطة واهمالها صار الوباء الذي لا يفرق بين موال ومعارض يفرق بين حرّ ومسجون”. أما حنان خليفة فامتعضت من أذى المساجين لأنفسهم في ظل عدم وجود أي ملحق طبي لمساعدتهم وقالت لـ”نداء الوطن” إن السلطات منعت التجمعات والإكتظاظ خارج السجون ولكن يرسلون لنا فيديوات من داخل السجن نرى فيها أولادنا وأزواجنا وأولاد عمنا ينامون “راس وكعب” وتقريباً فوق بعضهم البعض من دون تهوئة ولا حمامات نظيفة وحتى أماكن الشرب مقززة وأرسلت لنا فيديوات صادمة تؤكد تصريحها.

بدورها، تضغط نهاية الحسن بشكل يومي في سبيل تحقيق المطالب وتؤكد لـ”نداء الوطن” أنه “لا إجراءات حجر صحي في السجون” وأنها لا تريد سوى انقاذ المساجين من الموت في معتقلات لبنان المتسخة والتي تُعتبر برأيها “البيئة المناسبة لإنتشار الكورونا”. أما صبحية زعيتر فاعتبرت أن كل المساجين في لبنان هم “مشروع موت مع وقف التنفيذ” وتابعت “يصعب حصر أعراض المرض بسبل التقصي الوبائي التقليدي الذي يعرفه المسجون ومع أي ارتفاع حرارة لأحد نزلاء السجن يهلع الجميع ويخاف ويتصل ليقول “دخيلك يا امي”، حان الوقت بتنفيذ وعود السياسيين بإقرار قانون العفو العام أياً كان الثمن وأياً كانت الطريقة، تحترق قلوب الأمهات على أولادها وما من أحد يهتم سوى عند حاجتهم لأصواتنا الإنتخابية”.

مصير السجناء

لا يمكن لأحد أن يتنبأ بالضبط بما سيحدث إذا بدأ الفيروس التاجي بالانتشار داخل السجون الوطنية، لكن يمكن لأستاذ مادة الوبائيات وطب المجتمع في الجامعة اللبنانية في بيروت الدكتور سليم أديب أن يقوم ببعض التخمينات العلمية. يطمئن أديب أولاً أنه قد حصرت زيارات العائلات الروتينية بفرد واحد وبالتالي هم أقل عرضة للخطر من قبل، كما أن المرض لا يُنقل لا بالمأكولات ولا عبر الثياب التي ترسل مكوية ونظيفة من الأهل إلى المساجين. وحول تحديات محاولة السيطرة على انتشار “أي وباء” بين السجناء يشرح لـ”نداء الوطن” كيف أن السجون مليئة بالأشخاص الأكثر عرضة للخطر من عامة الناس إذ لديهم معدلات عالية من المشاكل الصحية الخطيرة ولا يقومون بطبيعة الحال بتفقد صحتهم بشكل دوري كما لدينا عدد متزايد من المساجين المسنين، لذلك في السجون اللبنانية العديد من الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بمضاعفات خطيرة.

وأكمل إن “التباعد الاجتماعي” و”الحجر الذاتي” مستحيل في السجون وحالة مرض واحدة كفيلة بنقلها إلى الجميع، ناهيك عن وضع الحمامات وأماكن الشرب والطعام والنوم، فالعديد من الأحواض لا تعمل والكثير من المساجين ليس لديهم صابون أو مناشف ورقية لتجفيف اليدين. أما السؤال الأهم فهو “في ظل كل الإكتظاظ داخل السجن هل هناك من مكان لفصل المرضى عن غيرهم ورعايتهم صحياً بالشكل المطلوب في حال الإصابة خلف القضبان؟ فإذا لم يتمكن مسؤول عن السجن إبعاد الأشخاص الذين يعانون من الأعراض عن غيرهم فسوف تتعزز عملية انتقال العدوى بغض النظر عن كون السجون متسخة”.

من منظور منع تفشي الفيروس والإستجابة للوضع الحساس الذي نعيشه اليوم أشار أديب إلى أهمية إجراء “تقييم صحي شامل” لكل المساجين وعدم الإختلاط بهم بلا كمامات ووقاية، وتعقيم الأرض وكل ما في الغرف بشكل يومي لمدة أسبوعين. وأضاف “لقد قمنا منذ فترة وجيزة بدراسة حول تفشي مرض السل المستعصي في السجون ووجدنا أهمية كبيرة في التقييم الصحي وتوعية موظفي السجون والضباط إذ يجب أن يكون نشر الوعي والمعرفة بالمرض على رأس الأولويات لأننا نحتاجهم للمساعدة في إدارة السجون إذا صار هناك حالات مرض” وختم “أخشى أنه في حال حدوث حالات مرض بفيروس الكورونا، سيكون لدينا تحد كبير نظراً للوضع الحالي للسجون، والمحزن هو أنه يمكننا تجنب حدوث ذلك. وما يقلقني هو أن “عطسة” صغيرة أو انفلونزا عادية قد تؤدي إلى حالة رعب بين المساجين ومنها إلى فوضى ربما تخرج عن السيطرة”.