IMLebanon

عن سؤال العدالة بين «تهريب» الفاخوري و«إعدام» الحايك

كتب عمار نعمة في صحيفة “اللواء”:

بعد أيام قليلة على عملية «تهريب» العميل للإحتلال الإسرائيلي عامر الفاخوري بعد إخلاء سبيله والذي أثار جدلاً واسعاً في البلاد، سقط أحد مساعديه خلال إحدى فترات توليه منصبه في سجن الخيام، أنطوان الحايك، صريعاً في بلدة المية ومية، ما دفع كثيرين الى الربط بين «إعدام» الأخير وإطلاق الأول.

لم تتبن أية جهة قتل الحايك الذي تبعته ردود مُرحبة في البيئة الساخطة على إطلاق الفاخوري والتي حمّلت الدولة مسؤولية مقتله كونها لم تقتص من «الرؤوس الكبيرة» في «جيش لبنان الجنوبي» المتعامل مع جيش الإحتلال، بينما رأت وجهة نظر أخرى أن ما حدث يعد سابقة في مرحلة السلم الأهلي، وبدت الدولة متهمة أيضا من قبل هؤلاء الذين تساءلوا عن «هيبتها المفقودة».

«أبو قفل»!

لقد كان الحايك مساعداً للفاخوري الذي كان بدوره آمر معتقل الخيام، إنضم الى جيش العميل أنطوان لحد شرطياً في أواسط الثمانينات واستمر سنوات في عمله تحت إمرة الفاخوري. ويروي المسجونون في عهده الى أنه كان يُلقب بـ«أبو قفل» إذ كان يستمتع بضرب رأس الأسير بقفل على رأسه كلما كان يهُم بإخراجه من زنزاته!

في كل الأحوال، صدر بحق الحايك حكم إدانة من قبل المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد ماهر صفي الدين العام 2001 في جريمة قتل المعتقلين إبراهيم أبو عزة وبلال السلمان، بعد قذف قنبلة دخانية سامة داخل زنزانتهما في 27 تشرين الثاني من العام 1989.

وإذا كان الحكم حينها قضى بإسقاط عقوبة الإعدام عن الذي شكل أحد أركان قمع انتفاضة الأسرى، بمرور الزمن العشري وهو ما اعترضت عليه عائلة السلمان، إلا أنه تم إنزال عقوبة الأشغال الشاقة به لسنوات عشر. لكن حكما عن محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طربيه رحمة، قضى في 30 كانون الثاني من العام 2003، بإسقاط الدعوى العامة عنه وإطلاق سراحه.

غموض.. وصدفة!

في عودة عبر عقارب الزمن، تتضارب المعلومات حول توقيت ترك الحايك لعمله، منهم من يشير الى العام 1989 وبينهم أجهزة في الدولة اللبنانية، بينما يؤكد أسرى سابقون في معتقل الخيام أنه استمر في عمله حتى العام 1994.. ويعيد البعض الأمر الى أوائل التسعينيات. ولكن في أي حال من الأحوال، فإن المرجح أن الحايك قد دخل في صفوف «قوى الأمن الداخلي» كـ«درّاج» في العام 1992، وبات بعدها برتبة عريف.

استمر الحايك في عمله من دون ضوضاء حتى اكتشف صدفة. ثمة من يشير الى أن كشف أمره تم عبر معتقلة سابقة في الخيام وذلك في العام 2000، عن طريق حادث عرضي في منطقة صيدا عندما فوجئت به درّاجاً. وتردد أنه كان في صدد تحرير محضر ضبط في حقها!

فتح ذلك المجال نحو تحرك شعبي من قبل الأسرى المحررين ضده كما ضد من عمل معه وأهمهم جهاد طنوس الذي تولي المسؤولية الأمنية في معتقل الخيام ويعيش حاليا في الأراضي المحتلة. ويعيد البعض الآخر أمر انكشاف الحايك الى المعتقل السابق وهو عريف في قوى الأمن يدعى بلال المر الذي أُوقف الحايك عبر شكوى منه.

مع مرور الأيام وبعد أن خرج الحايك من عمله متقاعداً، إختار أن يعمل في إطار محل للسمانة في المية ومية، بهدوء وبعيداً عن الأنظار.. إلى أن باغته قاتلوه أمس الأول.

بين الإنتقام وحماية السلم الأهلي

يطرح اغتيال الحايك أسئلة مشروعة تشمل الجميع. يشدد مهاجمو عملية «تهريب» الفاخوري أن ما حصل للحايك يعد نتيجة طبيعية «للمناخ المتساهل مع العملاء» الذي جاء إطلاق الفاخوري ليُفجر المعارضة له.

والحال أنه من غير المعروف من قام بقتل الحايك، ومن المرجح أن يشابه غموض من قام بـ«إعدامه» ذلك الذي شاب عمليات الإغتيال الكثيرة التي لا تحصى في تاريخ البلاد سواء خلال الحرب الاهلية أو ما بعدها حتى الماضي القريب.

ولدى سؤال معنيين بملف العمالة عن الجاني، يبدو السؤال تفصيلاً. أكانت عملية فردية أم جماعية مخطط لها، يأتي الجواب بأن الأمر نتج عن الجرح الذي تسبب به إطلاق الفاخوري.

لكن الأمر ليس تفصيلاً لدى شرائح مقابلة أطلقت سريعاً مواقف منددة بما حصل. والعنوان الوحيد لتلك الموقف يتلخص في سؤال يوجهه هؤلاء: هل بتنا في شريعة الغاب؟

ويبدو من الطبيعي أن يؤدي حادثاً كهذا إلى إثارة مخاوف كثير منها طائفي عبر مواقف خرجت من قبل قيادات مارونية وغيرها تهاجم ما حصل، ويذهب البعض الى التحذير من مضار هذا الحادث وما قد يتبعه على السلم الأهلي في البلاد.

وتضع وجهة النظر هذه ما حصل في عهدة الدولة من جيش وقوى أمن داخلي، لا بل في عهدة رئيس الجمهورية ميشال عون محذرة إياه من «عودة مناخ الحرب واستهداف المسيحيين في الجنوب». لذا، يدعو هؤلاء الدولة سريعا الى القبض على الجناة وأداً لفتنة قد تتخذ لبوساً طائفياً في مرحلة استتباب السلم الأهلي بعد أن اعتقد كثيرون بطيّ هذا الملف.

من الواضح أن تململاً كهذا سيكون مرشحاً للإنفجار في حال تكررت تلك الأحداث، وهي مسألة غير مستبعدة. وتبدو المسؤولية الأولى على الدولة اللبنانية والجهاز القضائي في تنفيس الإحتقان الذي عبّر عن نفسه بمرارة مع إطلاق الفاخوري عبر طرح ملف «العمالة لدولة عدوّة» على بساط البحث.

ويدعو الكثير من الأسرى المحررين الجهاز القضائي الى التحرك سريعاً لمنع تفاقم الأوضاع عبر إعادة المحاكمة لقياديين في «جيش لبنان الجنوبي» تورطوا في تعذيب وقتل أسرى، والقضية هنا تبدو ملقاة على عاتق النيابة العامة لتطبيق القانون العدلي «الذي يخيف الجميع بمن فيهم الأميركيين كونه يكتسب صفة المكان» كما يلفت هؤلاء.