IMLebanon

“كورونا” يفتك بالمسؤولين… فهل يُعيد سيناريو الإنفلونزا الإسبانيّة؟

 

لم يستثنِ فيروس «كورونا» المستجد الوزراء والبرلمانيين والمسؤولين، حيث توفي عدد منهم، مثل جان جوزيف موكندي مولومبا، مستشار رئيس الكونغو الديموقراطية، كما أصيب مسؤولون آخرون في القارات الست بالوباء، آخرهم ملك وملكة ماليزيا والأسقف جيانلوكا بيتزولي مدير القسم الإيطالي في أمانة سر الفاتيكان، وأدخل العشرات الحجر الصحي. وقال لي ليندسي وايلي، الخبير في قانون الصحة العامة والأخلاقيات في الجامعة الأميركية: «من المنطقي توقع حدوث تعطُّل في الخدمات العامة والحكومة لم يتخيله أحد حتى الآن».

في إيطاليا، التي لديها أكبر عدد من الحالات بعد الصين، تُوفي المسؤول الطبي في مقاطعة فاريزي، روبرتو ستيلا، جراء الإصابة بالفيروس، وأعلن نيكولا زينغاريتي، رئيس الحزب الديموقراطي المشارك في الحكومة الائتلافية، أنه مصاب. من جهته، اختار رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي الحجر الصحي الذاتي بعد عودته من إيطاليا. وفي فرنسا، أوقف الرئيس إيمانويل ماكرون الاجتماعات وجهاً لوجه، بعد أن أصيب وزير الثقافة فرانك ريستر بالمرض. كما جرى تشخيص إصابة خمسة أعضاء في البرلمان. وفي أسبانيا، أوقف مجلس النواب جميع أنشطته، بعدما تبين أن خافيير أورتيغا سميث، زعيم حزب فوكس اليميني المتطرف، مصاب بالفيروس. وكان سميث حضر مسيرة حزبية في مدريد مع العديد من زملائه المشرعين. والتقطت الصور له وهو يحيي عشرات المؤيدين بمصافحة وعناق. ووُضع ثلاثة وخمسون من أعضاء البرلمان في الحجر الصحي، لمدة أسبوعين. بدوره، اختار رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الحجر الصحي – والعمل عن بعد – بعد أن ثبتت إصابة زوجته صوفي، بعد عودتها من لندن.

وفي بريطانيا، أصيب الأمير تشارلز ووزيرة الصحة نادين دوريز بالفيروس، وذلك بعد وقت قصير من لقائها برئيس الوزراء بوريس جونسون. أما في بولندا، فدخل الجنرال ياروسلاف ميكا في عزلة، بعد أن أصيب بالفيروس إثر عودته من مؤتمر عسكري في ألمانيا، حضره من البنتاغون اللفتنانت جنرال كريستوفر كافولي، قائد قوات القوات الأميركية في أوروبا، وعدد من المرافقين. وفي إيران، التي تعتبر واحدة من أكثر أربع نقاط تعرضاً للوباء، أُصيب نائبان للرئيس وثلاثة مسؤولين حكوميين وتسعة في المئة من أعضاء البرلمان ومدير الخدمات الطبية الطارئة ورئيس جهاز إدارة الأزمات وضباط كبار في الحرس الثوري ورجال دين بارزون. ودخل علي أكبر ولايتي، وهو طبيب متدرب في جامعة جونز هوبكنز وكبير مستشاري المرشد علي خامنئي، الحجر الصحي. وأصيب علي أكبر ولايتي، الذي شغل منصب وزير الخارجية لمدة 16 عاماً.

وفي تركيا، وبعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان أمام البرلمان أنه «لا يوجد فيروس أقوى من إجراءاتنا»، تبعه أحد المساعدين بكاميرا حرارية لمسح الأشخاص الذين اقتربوا منه لفحص درجة حرارتهم. وخضع الرئيس المنغولي خالتماجين باتولغا للحجر الصحي الوقائي بعد زيارة الصين. وتم إدخال وزير الشؤون الداخلية الأسترالي بيتر دوتون، إلى مستشفى في كوينزلاند، بعد اكتشاف إصابته. وكان داتون عاد من واشنطن بعد أن اجتمع مع المدعي العام وليام بار وابنة ترامب إيفانكا. واختار السيناتور الأميركي ريك سكوت، الدخول في عزلة لأنه التقى الرئيس البرازيلي بولسونارو في ميامي. وصرح أن «صحة وسلامة الشعب الأميركي هما الأهم، وقد اتخذت قراراً بالحجر الذاتي. وكذلك فعل السيناتور ليندسي غراهام». ودخل ثلاثة من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، هم دوغ كولينز ومات غايتز وتيد كروز في الحجر الصحي، بعد اختلاطهم بشخص مجهول مصاب بالفيروس، في مؤتمر عام في ولاية ميريلاند.

وحذرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها من خطر «كورونا» على المصابين بأمراض خطيرة والمتقدمين في السن، علما أن الرئيس ترامب سيبلغ الرابعة والسبعين في يونيو، ونائبه مايك بنس يبلغ الستين، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل يبلغ الثامنة والسبعين. ونُقل عن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب التي تبلغ الثمانين من العمر، قولها لزملائها في الكونغرس: «نحن قادة السفينة وآخر من يغادر». ويقول الدكتور هوارد ماركل، مدير مركز تاريخ الطب في جامعة ميشيغان والخبير في جائحة إنفلونزا عام 1918: «هناك عدد هائل من القادة حول العالم في هذه الفئة العمرية. فعندما تكون لديك حكومة مكونة من كبار السن الذين يعملون في أماكن متقاربة، مثل الكونغرس أو مجلس العموم في بريطانيا، على رأس المهام السياسية حيث يلتقون كثيراً مع الناس ويصافحونهم ويقبّلون الأطفال، فهذه كلها أنشطة تنقل الفيروس. ومن يتولون هذه المراكز يصعب عليهم ممارسة التباعد الاجتماعي». (كان الرئيس ويلسون في الثالثة والستين من عمره عندما أصيب بالإنفلونزا الأسبانية).

وتأثرت الحكومات المحلية وحكومات الولايات أيضاً. فقد أعلن حاكم نيويورك أندرو كومو أن عضوين في مجلس الولاية – هيلين وينشتاين وتشارلز بارون – أصيبا بالمرض. ويبلغ وينشتاين سبعة وستين وبارون تسعة وستين. وقبل قرن من الزمان، كان وباء «الإنفلونزا الأسبانية» الأكثر فتكاً في تاريخ البشرية، حيث أصيب به قرابة ثلث سكان العالم، بمن فيهم عدد كبير من الزعماء السياسيين، مثل ملك بريطانيا جورج الخامس، ورئيس الوزراء ديفيد لويد جورج، وملك أسبانيا ألفونسو الثالث عشر، مع رئيس وزرائه وعدد من أعضاء حكومته، وقيصر ألمانيا فيلهلم الثاني، وإمبراطور إثيوبيا هيلا سيلاسي الأول. وتراوحت تقديرات العدد النهائي للقتلى في جميع أنحاء العالم بين عشرين مليوناً وخمسين مليون شخص. وعلى الأرجح ألا يصل عدد ضحايا «كورونا» إلى هذا العدد، قياساً بمعدل الوفيات الناتجة عن الفيروس في الصين، وحقيقة أنه قد بدأ في الانخفاض الآن.

وظهر وباء الإنفلونزا الأسبانية عام 1918 وأنتجه فيروس حيواني نقله طائر إلى البشر، ووصل الى البيت الأبيض حين كان وودرو ويلسون رئيساً للولايات المتحدة، وأصيبت ابنته مارغريت بالمرض، وكذلك سكرتيره وكبار الموظفين وأفراد من أجهزة الأمن. وانتقلت الإنفلونزا مع ويلسون في أبريل 1919، إلى باريس، عندما كان يزورها لإجراء محادثات سلام لإنهاء الحرب العالمية الأولى. حيث ارتفعت درجة حرارته، وكان يعاني صعوبة في التنفس، وسعالاً لا يمكن السيطرة عليه، وهلوسة. وكتب طبيبه كاري غرايسون أن مرض ويلسون «كان أحد أسوأ الحالات التي مرت عليّ. تمكنت من السيطرة على تقلصات السعال، ولكن حالته بدت خطيرة للغاية»، لكن ويلسون وابنته وموظفيه نجحوا في اجتياز المرض. في ذلك الوقت، أبلغت واشنطن عما يقرب من أربعة وثلاثين ألف حالة، في أربعة أشهر فقط، بين أكتوبر 1918 ويناير 1919. وتوفي ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص. وجرى إغلاق المدارس والكنائس والمكتبات والملاعب والمحاكم والجامعات والمسارح والمناسبات العامة في جميع أرجاء البلاد. وجرى حظر الجنازات. وأمرت الشركات بالعمل في جدول زمني متدرج. وبحلول الوقت الذي انحسرت فيه الإنفلونزا، كان عدد القتلى في الولايات المتحدة 675 ألفاً.