IMLebanon

السيد يستدعي اللبنانيين إلى “بيت الطاعة” من باب “الأبوة الكورونية”!

كتب علي الأمين في صحيفة “نداء الوطن”:

لعل الإطلالة الأخيرة للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، تتماهى مع شخصية “العراب”، عن قصد او غير قصد، فهو على الرغم من الأداء المهيمن الذي أسهم بشكل أساسي في إيصال البلاد إلى ما وصلت إليه، آثر “الحاكم بأمر سلاحه” ان يغيّر قواعد اللعبة ويُعيد توزيع الأدوار وينصّب “أبوته” الطارئة على اللبنانيين، وهو الذي يعرف مصلحتهم أكثر منهم، وما على الجميع إلا الدخول إلى “بيت الطاعة”.. هذا وإلا!

ها هو السيد نصرالله، يستوي على عرش لبنان، أنهى مهمته بالاتيان برئيس للجمهورية بعد تعطيل للبلد دام عامين ونصف، وجاء بحكومة حسان دياب الأكثر طواعية من حكومة سلفه سعد الحريري، وقبلهما كان انجز انتخابات نيابية رسم قانونها وتحالفاتها وحقق الأكثرية في مجلس النواب، ونجح الى حدّ بعيد في استيعاب انتفاضة 17 تشرين التي طوت، في عملية ازالة ما تبقى من خيم في ساحتي الشهداء ورياض الصلح من قبل وزارة الداخلية، مرحلة، لتدخل في مرحلة جديدة هي أقرب الى الاستسلام منها الى الثورة، بعدما عجزت ان تبلور مشروعاً موحداً، واضح المعالم، قادراً على مقارعة السلطة التي يدير “حزب الله” توازناتها الداخلية ويرسم حدودها. كذلك حقق “الحزب” نقلة مفصلية في ادارة العلاقة مع الخارج، عبّرت عنها عملية اطلاق عامر الفاخوري، التي اظهر فيها نصرالله استعداداً لعدم قطع علاقة لبنان مع واشنطن، من خلال تفادي اعلان لبنان دولة مواجهة وممانعة ضد النفوذ الاميركي، وسبقها إعلان نصرالله عدم اعتراضه على تعاون لبنان مع صندوق النقد الدولي، بعد ان كان “حزب الله” معترضاً على اي استعانة بهذا الصندوق.

في خطابه الأخير، الذي يأتي ضمن سلسلة من “خُطب الكورونا” وهي التي تضمنت سلسلة مواقف وإرشادات وخطاباً “عاطفياً”، كانت بدأت ملامحه قبل ظهور فيروس الكورونا وانتشاره في لبنان، وجاء هذا الوباء او الجائحة، ليعزز من هذا الخطاب “الأبوي”، الذي قام على التعامل مع اللبنانيين وقبلهم المسؤولين اللبنانيين، باعتبارهم الابناء الذين يحبهم وهو أعلم بمصلحتهم من أنفسهم، لكنه الحب المشروط ضمناً بالطاعة، وعدم الخروج على سلطة الأب وهيبته واحترامه، لأنه حينذاك فان الأب يبطش بابنه الذي يحبه، في ما لو خرج عن سلطته، وتجاوز شروط البنوة وحدودها.

‏على هذا المنوال ينسج نصرالله خطابه الى اللبنانيين الذين يحبّهم ويحرص عليهم، فـ”حزب الله” يتعامل مع حلفائه اليوم في الحكم والحكومة، (على ما بات معروفاً وموصوفاً من كثيرين) كما تعاملت الوصاية السورية مع اطراف السلطة في لبنان، هو صديق وحليف لجميع من في السلطة، ويدير في الوقت نفسه التوازنات بين هؤلاء، ففي التسعينات من القرن الماضي، الوصاية السورية اشرفت على انتاج مجلس النواب في العام 1992، ادارت في حينه لعبة التوازن بين ما سمي “الترويكا” آنذاك، في لعبة توازن تحيل سلطة القرار السيادي اللبناني بالدرجة الأولى اليها. هكذا يستوي “حزب الله” اليوم على عرش لبنان، يقف الى جانب العهد ورئيس “التيار الوطني الحر”، لكن ليس الى الحدّ الذي يضعف “تيار المردة”، ولا الى حدّ اضعاف الرئيس نبيه بري امام رئيس الجمهورية، مع ادراكه العميق لما تفوّق به على الوصاية السورية، لجهة الخرق المسيحي العميق الذي عجز السوريون عن تحقيقه، واستطاع من خلال العلاقة التحالفية التي قامت مع “التيار الوطني الحر”، والتي مالت، بعد انتخاب ميشال عون رئيساً، الى تبعية عون وتياره له فرضها اكتمال عقد السلطة وحلقاته في يد “حزب الله”.

‏ليس خافياً أن الرئيس نبيه بري قد حظي في الآونة الأخيرة على مساحة اضافية من الحركة من قبل نصرالله، أتاحت له توجيه سلسلة لكمات لرئيس الجمهورية وتياره من جهة، في مقابل القيام بوظيفة المزيد من اختراق الساحة الدرزية عبر تبني ودعم مطلب وليد جنبلاط بالتعيينات في مصرف لبنان، واختراق الساحة السنية في مواجهة الرئيس حسان دياب عبر دعم مطالب الحريري، واحتضان “أيتام” اللقاء التشاوري، وعبر السعي لحماية او فرض حصة الوزير السابق سليمان فرنجية، بما يحول دون احتكار العهد للتعيينات المسيحية.

‏ما لا يستطيع “حزب الله” تنفيذه مباشرة، يكلف به الرئيس بري، وهكذا دواليك اي بما يجعل “الحزب” في موقع “الأبوة” التي تحرص على العدل والإنصاف بين الأبناء. وحتى الرئيس حسان دياب، بحسب ما روّج مقربون من “الحزب” في بعض الكتابات الصحافية، استنجد بمعاون نصرالله الحاج حسين خليل، لتهدئة غضب الرئيس بري، الذي كاد ان يسحب وزراءه من الحكومة، لولا تدخل “الحزب” معه بناء لطلب الرئيس دياب، ودائماً بحسب ما كتب ونقل المقربون من “حزب الله”. “الحزب” يحتضن دياب، وبري يحامي عن الحريري وحقوق السنّة، وقس على هذا المنوال في كل الطوائف.

وفي سياق “الخطب الكورونية” بدا نصرالله يمارس السلطة “الأبوية”، يفيض نصحاً وحباً للبنانيين، ويدعوهم للتكافل والتضامن، يدعو الأغنياء الى مساعدة الفقراء، وانتقد المصارف داعياً اياها الى الخجل مما قدمته والى القيام بما عليها، لكنه دائما يتفادى النيل من “ابنائه” من الفاسدين، طالما هم في بيت الطاعة.

تبدو صحوة نصرالله “الكورونية” المستجدة على مصالح اللبنانيين في لبنان والمهجر، لا تصح مع ما عداها من “صحوات” سابقة، أدخلت لبنان في أنفاق من التبعية والدماء والخوف على المصير. قطوع ويمر… بانتظار ما بعده!